q

تم الاعلان عن شخصية الجهادي جون، قاطع رؤوس الرهائن الغربيين المحتجزين لدى داعش، والذي لقي مباركة من قبل الكثير من المتطرفين على ماقام به.

مقابل ذلك، كان الرفض والاستهجان من فعاليات واسعة سواء داخل المجتمعات المسلمة، او بلدان اولئك الضحايا لتلك الممارسات.

مثل اخر قريب جدا، ولا زالت تفاعلاته تدور حتى اللحظة، تحطيم تماثيل قديمة في احد متاحف الموصل، تحت عدة مسوغات ومبررات يراها التنظيم المتطرف، قوبلت بالرفض من قبل الكثيرين شرقيين وغربيين، واعتبروها تدميرا لإرث حضاري ثمين لايعوض.

عمليات القتل للغربيين بهذه الطريقة، وغيرها من عمليات اخرى، واختلاف التفسير لذلك بين المسلمين وغيرهم، تعيدنا الى الصدام بين فكرين مختلفين من حيث المعتقدات والمشاعر، هي نتيجة لصراع الثقافات، اذ تصادمت (ثقافة) مجموعة ما مع (ثقافة) مجموعة اخرى.. ويمكن الاشارة الى عدد من الحالات المماثلة في عالمنا المعاصر، حيث نشبت صراعات دموية بسبب هذه الاختلافات الثقافية. وعلى سبيل المثال: البروتستانت والكاثوليك في ايرلندا الجنوبية، والتاميل والسنهال في سريلانكا، واليهود والفلسطينيون في فلسطين.

على الرغم من وجود اسباب اقتصادية وسياسية معقدة لهذه النزاعات والسلوكيات، الا انها في صميمها نزاعات حول الافكار والقيم والمعتقدات. والتي هي صميمها تعبير عن (الثقافة).

يصف مفهوم (الثقافة) الافكار والمعتقدات والقيم الراسخة في وجدان الافراد وفي الطريقة الكلية لحياة الجماعة التي ينتمون اليها، ولكن تتضارب احيانا الطرق الراسخة في فهم العالم لجماعة ما مع طرق جماعة اخرى، مما يؤدي في معظم الاحيان الى العنف والقتل. لذلك فان الثقافة بالغة الاهمية في الشؤون الانسانية لأسباب عديدة اهمها العنف والقتل الذي نراه يوميا بسبب الانتماءات والسلوكيات الثقافية. ان الثقافة بالغة الاهمية في مجال في فهم الحياة الاجتماعية والانسانية.

لاترتبط القضايا الثقافية بالعدائية والمعارضة دائما، فهي ترتبط بالانسجام النسبي وعلاقات التعاون بين البشر احيانا. فالعوامل الثقافية مثل الافكار والمعتقدات والقيم هي التي تحدد هوية الفرد وشخصيته، وتجعله جزء من الحياة الكلية للجماعة التي ينتمي اليها.

بما ان (الثقافة) هي الافكار والمعتقدات والقيم، فلابد انها تتضمن مجموعة هائلة من القضايا من ردود افعال الافراد حول حدث ما، الى وجهات النظر الاخلاقية المجسدة في ديانة معينة او في رواية ادبية ما. ومن هذا المنطلق نجد الثقافة في كل مكان حولنا.

مع ذلك، فان الثقافة كلمة ذات معان عديدة ومن الصعب حصرها في معنى ثابت. كيف نحدد ماهية الثقافة؟ وكيف نميز ثقافة ما عن الثقافات الاخرى؟ كيف نصفها وكيف نفهمها؟

مع ان الثقافة تبدو محيطة بنا لكن معناها ينزلق من بين ايدينا كلما حاولنا تعريفها، انها واحدة من تلك الكلمات التي تصف الكثير من جوانب الحياة الانسانية، ولكنها ايضا واحدة من الكلمات التي يصعب علينا تحديدها بتعريف واحد.

راجع اثنان من علماء الاجتماع هما الفريد كروبر وكلايد كلوكهون في اوائل الخمسينيات الدلالات المتنوعة لكلمة ثقافة وقرينتها حضارة فعثروا على 164 تعريفا لما قد تعنيه الكلمة.

من بين المعاني الحديثة لكلمة الثقافة انها:

1 – الثقافة العليا والفن والحضارة.

2 – تهذيب النفس.

3 – المنتجات الثقافية كالكتب والافلام.

4 – الحياة الكلية لمجموعة معينة من الافراد.

ومن ثم فان كلمة ثقافة قد تشير في الوقت ذاته، الى الثقافة العليا، والثقافة الشعبية، والى افكار لأفراد في مجتمع معين وقيمهم، وكذلك الى قدرات الفرد الشخصية.

يمكن تناول الثقافة من خلال عدد من المستويات:

1 - تتألف الثقافة من انماط فكرية وقيم ومعتقدات شائعة بين مجموعة من الافراد. لايهم حجم المجموعة هنا، سواء اكانت صغيرة ام كبيرة، وسواء اكانت جزء من مجتمع معين ام المجتمع باكمله، او حتى اذا كانت المجموعة مرتبطة بمجموعات اخرى خارج حدودها الوطنية. فالثقافة هنا جزء لايتجزأ من الافكار والقيم والمعتقدات، كما ان لديها القدرة على ان تستمر لفترة من الزمن، او ان تغير وتتغير.

2 – ثقافة مجموعة ما تميزها عن المجموعات الاخرى، فلكل مجموعة ثقافتها الخاصة بها، كثقافة امة معينة مثل الثقافة الفرنسية، او ثقافة طبقة اجتماعية كثقافة الطبقة العاملة، او ثقافة جماعة اثنية في بلد ما كالثقافة الايطالية الامريكية.

3 – تحتوي الثقافة على معنى، بواسطته يستطيع الفرد ان يفهم ويستوعب ويستجيب فكريا وعاطفيا لما يدور حوله من امور.

4 – تتجسد الافكار والقيم والمعتقدات في الرموز وفي نتاج من صنع الانسان، وقد تكون هذه الرموز تصويرية، او قد تكون جزء من لغة مكتوبة.

5 – الثقافة تعلم. اي انها تنتقل عبر الاجيال، الامر الذي يجعل الافكار والقيم والمعتقدات عادة مفروغا منها وطبيعية أكثر منها تعليمية.

6 – الثقافة اعتباطية. فالثقافة هي نتاج النشاط الانساني وليست فعلا من افعال الطبيعة، لذلك فهي معرضة للتغيير اذا ماتغيرت ظروف حياة المجموعة.

اضف تعليق