نعني بالثقافة الاقتصادية، أن يكون الفرد والمجتمع مثقفا اقتصاديا، ويكاد يتفق العلماء المعنيون، على أن الاقتصاد يشكل حجر الزاوية في تطور الدول والمجتمعات، ويؤكد هؤلاء معادلة تقول، كلما كان الاقتصاد قويا متينا متوازنا، قائما على العلمية والحرفية، كلما كانت الدولة والمجتمع أقوى وأكثر تطورا، بمعنى هناك ترابط وثيق بين قوة الاقتصاد وتطور المجتمع، لهذا لا يمكن أن نجد اقتصادا متينا مبنيا على أسس علمية في دولة متأخرة، لسبب بسيط أن هذا النوع من البناء السليم مرتبط بصورة جوهرية بمفهوم الثقافة الاقتصادية، وبمدى توافر المواطن على الثقافة اقتصادية، فإذا كان الفرد والمجتمع يتحلى بثقافة اقتصادية، حتى لو بالحد الادنى منها، فهذا يجعل فرص التطور الاقتصادي مضاعفا لتلك الدولة، على العكس تماما من المجتمعات غير المثقفة اقتصاديا، فهي تكاد لا تعثر على فرصة للتطور الاقتصادي، بسبب ضآلة الثقافة الاقتصادية فيها على مستوى الافراد او الجماعات.
أما فيما لو بحثنا بكيفية مساهمة ثقافة المواطن الاقتصادية في تطوير الدولة والمجتمع، فإن ذلك يتعلق بتفكير المواطن وسلوكه اقتصاديا، وعندما ينتشر هذا الاسلوب من العيش بين افراد ومكونات المجتمع كافة، ويتعلم هؤلاء طرق الاستهلاك الصحيحة، حتى في التفاصيل اليومية الصغيرة، فإن هذه الثقافة الفردية والجمعية، سوف تعود على الدولة والمجتمع، بمردودات اقتصادية كبيرة نتيجة للتراكم في صحة التفكير والسلوك، ولاشك أن الثقافية الاقتصادية ستشمل الكوادر المهمة والنخب التي تقود المجتمع، لأن ثقافة المواطن الاقتصادية سوف تصنع شعبا مثقفا اقتصاديا، ولهذا فإن القيادي الذي سيظهر في مثل هذا الشعب لابد أن يكون ذا رؤية وخبرة اقتصادية جيدة، لأنه ينتمي لشعب مثقف اقتصاديا، وهكذا تكون الفائدة أعم وأشمل، فلا تتعلق بالفرد وحياته فقط، بل تمتد لتشمل المجتمع والدولة بأكملها.
من هنا تبرز قيمة المواطن المثقف اقتصاديا بوصفه اللبنة الصغرى للبناء، ومن ثم تبرز قيمة المجتمع المثقف اقتصاديا، ففي مثل هذه الحاضنة المثقفة، لابد أن ينشأ قادة اقتصاديون متميزون، سياسيون، أو مخططون، أو عاملون في القطاع الاقتصادي الخاص، كونهم يترعرعون في وسط واعٍ في كيفية الموازنة بين الاستهلاك والانتاج، وهذا سينعكس ذلك حتما على ثقافة الساسة وقادة النخب كونهم جزءا من المجتمع، لهذا نلاحظ ان الدولة التي تتميز بمواطن ذي حصيلة ثقافية اقتصادية، لاشك أنها ستبني اقتصادها على ركائز سليمة، والسبب أن الشخص الذي يعيش في مثل هذه المجتمعات، ستكون لدية رؤية اقتصادية يقوم عليها تعامله وسلوكه ومنهج حياته بصورة عامة، حتى في ادارة الشؤون العائلية، سيكون السلوك الاقتصادي الجيد هو السائد، وهذا أمر وإن بدا فرديا او عائليا، لكنه سوف ينعكس على السلوك الاقتصادي المجتمعي عموما، بسبب العلاقات المتداخلة بين العائلات والتأثير المتبادل فيما بينها، ومن ثم اكتساب الخبرات السلوكية الاقتصادية بصورة تبادلية، عند ذاك سنكون أمام مجتمع واعٍ بمفهوم الاقتصاد وما يتعلق به، فضلا عن انعكاساته الايجابية العديدة، كون هذا النوع من المجتمعات غالبا ما يكون عارفا للنتائج الايجابية للسلوك الاقتصادي السليم وانعكاسه على طريقة ومستوى رفاهية العائلة والمجتمع عموما.
علما أن الثقافة الاقتصادية ينبغي ان تكون شاملة، لأن الجميع يحتاجها، بما في ذلك المثقفون أنفسهم، فلا يصح للمثقف مثلا ان يحصر نفسه في حيز محدد من الافكار التي تتعلق بالآداب والفنون كونه ينتمي الى هذا الوسط، لذلك لابد أن يكون عارفا وفاهما ومتفاعلا مع المعلومات الاقتصادية التي تكمّل ثقافته الفكرية والادبية وقراءاته الفنية والمسرحة وما شابه، فالمثقف في هذا الحالة يصبح موسوعيا، وتكون لديه خبرة في ادارة شؤونه الفردية والعائلية بطريقة اقتصادية ناجحة، وينسحب هذا الامر على السياسي ايضا، فكونه ذا اختصاص في العمل السياسي لا ينبغي له ان يقتصر فهمه ومعلوماته على الامور السياسية فقط، فالقائد السياسي الجيد ينبغي أن يكون مثقفا في الاقتصاد، حتى يستطيع من خلال هذا الفهم والاطلاع، ان يسهم برؤيته لتحسين الجوانب العملية التي تخضع لصنع القرار الاقتصادي، خاصة انه يسهم بطريقة فعالة في صناعة القرارات الاقتصادية المهمة للبلد، وهذه الثقافة التي يجب ان يحملها القائد السياسي، لا يمكن ان تتحقق في مجتمعات غير مثقفة اقتصاديا.
والدليل على صحة هذا الرأي، أن هناك دولا متأخرة في الاقتصاد، يحكمها ويقودها اشخاص يجهلون ماذا يعني الاقتصاد، وهم لا يفقهون دوره في بناء الدولة القوية المتطورة، لسبب واضح، أن هؤلاء القادة هم أصلا نتاج مجتمع يجهل أهمية الاقتصاد، ودوره الأساس في بناء الدولة المستقلة المستقرة في الوقت نفسه، لذلك عندما يكون السياسي والمثقف والمفكر والعامل والكاسب وعموم الناس مثقفين اقتصاديا، فإن المجتمع برمته سيحمل هذه الصفة المهمة التي تساعد على بناء مجتمع يفقه ماهية الاقتصاد، ويعرف ما هي أهمية الثقافة في هذا المجال، وسوف يتمكن افراد هذا المجتمع من التعامل بدراية وفهم مع جميع الامور المرتبطة بالقضايا الاقتصادية، ولاشك أن هذا النوع من المواطنين أفضل بكثير من أولئك الذين لا يفرقون بين الاستهلاك والانتاج، ولا يعرفون كيف يديرون شؤونهم الفردية والعائلية، فكيف اذا تعلق الامر بإدارة دولة ومجتمع بأكمله؟، من هنا تسهم الثقافة الاقتصادية في بناء دولة متطورة اقتصاديا، وهو ما سينسحب آليا، على تطور الدولة في الميادين كافة.
اضف تعليق