المؤسسات الثقافية والإعلامية والتنموية عموما، يقع على عاتقها مهمات كبيرة، من بينها وربما أهمها، انتشال الشباب من واقعهم المزري، لاسيما أن الشباب العراقي يعاني من ظروف قاسية يتعلق مجملها بحالات الإهمال الذي تتعرض له هذه الشريحة عن قصد أو من دونه، خاصة من الطبقة السياسية، وهو أمر متوقّع ولكن ما هو غير متوقّع أن تتعرض هذه الشريحة الى إهمال المؤسسات التي يمكنها أن تمد لهم مشاريع مختلفة تنتشلهم من واقع الركود والغبن الذي يحيق بهم.
هل نحتاج الى أن نعرّف بالمؤسسة أو هيكلها التنظيمي والإداري؟، إن المؤسسة هي الكيان الإداري التنظيمي العملي الأكثر قدرة على تقديم المشاريع البنّاءة للوسط الشبابي أو سواه، وقد أثبتت تجارب الشعوب أن المؤسسات الخيرية لها دور مهم ومتميز في بناء المجتمع، وهذا الإثبات يستند الى الوقائع وليس التمنيات، فنحن جميعا نحلم ونتمنى أن نندرج تحي مفهوم وخيمة العالم المتقدم، ولكن الحقيقة، حقيقة شعوبنا ودولنا ومجتمعاتنا تقول غير ذلك، إننا في الواقع متأخرون كثيرا عن الشعوب والمجتمعات التي طوّرت نفسها وباتت من الأمم والشعوب التي تحتل الصدارة في العالم المتطور.
إن الفعل الملموس هو الذي يمثل الإنتاج الفعلي للمؤسسات أو حتى الأفراد، فليس هناك فائدة من الثرثرة الكلامية والتبجح الذي لا ينتج شيئا، نحن لا نريد (جعجعة بلا طحين)، فالناس يتكلمون كثيرا عن المؤسسات الخيرية بمختلف توجهاتها الثقافية والمعرفية والحقوقية والقانونية والاجتماعية والمدنية وسواها، ولكن نحن لا نحتاج الى الكلام الذي لا يتحول الى فعل، والذي يبقى كلمات وحروف تملأ الكتب والورق، إننا نريد أفكارا وكلمات وحروف، قابلة للتحوّل من وجودها المجرد الى منتَج ملموس، أي نريد أن يتحول الفكر الى عمل، هذا هو ما يمكن أن يثبت الوجود الحقيقي الفاعل للمؤسسة، إذ ما فائدة كثرة المؤسسات حتى الخيرية منها، إذا لم لها ذلك الحضور الفاعل في مد يد العون للطلبة أو العمال الشباب، أو أصحاب المشاريع الفردية القابلة للتطور والإسهام في تطوير الدولة والمجتمع اقتصاديا.
جعجعة بلا طحين!!
وكما هو الحال بالنسبة للأفراد إذ لا يليق بالفرد أن يطلق أقواله بلا دعم عملي، فإن المؤسسة التي تثرثر بلا إنتاج، لا يمكن أن تؤخَذ على محمل الجد، لاسيما أن الصفات الجيدة التي ينبغي أن تتحلى بها أية مؤسسة هي قدرتها على معاونة الشباب من خلال إطلاق مشاريع تنموية تسهم بطريقة مدروسة طاقات الشباب في مجالات مختلفة ومتنوعة، إعلامية أو إنتاجية، أو إبداعية في مجال الكتابة الفكرية أو الثقافية، أو حتى لو كانت مشاريع عمل صغيرة، فالمهم هو أن يجد الشاب مجالا وفرصة يستطيع من خلالها أن يحقق ذاته، من خلال دعم المؤسسات المتنوعة له بالتخطيط والجدية والتوجّه السليم لانتشال الشباب من واقعهم المؤسف.
وطالما أن المؤسسات الثقافية الدينية الخيرية أو حتى الإعلامية، قادرة على تغيير الواقع الشبابي فهذا يعني ببساطة، أننا ينبغي أن نشجع على إنشاء عدد مهم من هذه المؤسسات، وينبغي أن يكون هناك برنامج عملي في هذا الإطار، لاسيما أن النتائج التي سبقتنا إليها الأمم المتقدمة في هذا المضمار أثبتت بما لا يقبل التردد أو اللبس بأن الدور الذي تتصدى له المؤسسات من هذا النوع غاية في الأهمية، وهو دور أساس، وجوهري في دفع المجتمع ككل الى أمام من خلال الاهتمام بمواهب وطاقات الشباب في عموم المجالات.
إذاً نحن نحتاج الى هذه المؤسسات لكي ننهض بالواقع الشبابي والمجتمعي، لذلك علينا أن نعمل بجدية في هذا المجال، من هنا ينبغي أن يسعى الجميع في مجال تأسيس وبناء المؤسسات وتنشيط فعالياتها وأعمالها، وعليهم استثمار المناسبات الدينية للمساعدة في تحقيق هذا الهدف، كذلك من الممكن استثمار المناسبات الأخرى التي تعمل وتشجع على الفعل الجمعي المضاعف، فعندما نكون بحاجة الى أكبر التجمعات من أجل توحيد الفعل، فإن ذلك سوف يتحقق من خلال الأحداث التي تمتلك القدرة على دفع الناس على التجمع، وهذا يمكن أن يشكل دافعا للتوجه نحو تشييد المؤسسات التي غالبا ما تقدم خدماتها وأنشطتها بشكل جمعي.
التشجيع على إنشاء المؤسسات
هكذا ينبغي أن توضع خارطة عمل لتشجيع القادرين على الشروع في بناء المؤسسات على نحو داعم، ونظرا لأهمية المؤسسات من حيث قدرتها على التوعية والبناء المعنوي والثقافي والإنتاجي من جهة، ومن جهة أخرى تأخّر المسلمين عن الشعوب التي كانت تتعلم منهم، لذا يستوجب الأمر النهوض الحتمي من جديد، وهذا لا يمكن أن يتم من دون الاهتمام بإنشاء المؤسسات الدينية والثقافية والتربوية المجتمعية وسواها، ولكننا نحتاج الى أعداد هائلة من المؤسسات بسبب كثرة نفوسنا أولا، وبسبب حاجتنا الكبيرة لمثل هذه المؤسسات بأعداد كبيرة.، لأننا مجتمع لم يجد الفرصة لتكوين مثل هذه المؤسسات في ظل أنظمة جاءت الى السلطة عبر القوة الغاشمة، والانقلابات العسكرية وليس عن طريق التداول السلمي الدستوري للسلطة.
كما أن الإعلام بات اليوم عصب الحياة، وصار تطور الشعوب وتقدم الدول مرهونا بهذه الوسائل التي حولت العالم كله الى غرفة واحدة يتواصل فيها الجميع مع الجميع، لذلك ينبغي أن نستثمر الإذاعة والتلفزيون والانترنيت والصحف والمجلات ومراكز الدراسات، وكل وسائل الاتصال المختلفة لنشر الوعي والثقافة، حتى يكون بمقدور الشباب المسلم مواكبة المستجدات والابتكارات والتطورات الهائلة التي تجتاح العالم على مدار الساعة، وينبغي أن نضارع الأمم والمجتمعات الأخرى من حيث عدد المؤسسات النوعية، أي أننا بحاجة ماسة الى أعداد كبيرة من هذه المؤسسات خلال السنة الواحدة وبصورة مستمرة ودائمة بسبب دورها المهم الداعم لشريحة الشباب وسواها من الشرائح أو الفئات الأخرى.
ومن الأفضل أن يكون هناك تشجيع دوري عملي منظم لبناء مثل هذه المؤسسات والتأكيد على دورها في إنقاذ الشباب من الفراغ والبطالة والمقاهي واللهو العبثي المتزايد، ولكن هذا الهدف يحتاج الى إرادة قوية لاسيما أن الكائن البشري بمقدوره أن يصنع الكثير الكثير، اذا ما تحلى بقوة الإرادة والتصميم الذي يحصل عليه الإنسان بدافع الإيمان أولا، والذكاء، والقدرة على توظيف الظروف لصالحه، حتى الصعبة منها ينبغي أن تكون لدية الأساليب التي تجعله قادرا على دحر الظروف المضادة له، واستقطاب كل ما يساعده على انجاز هدفه، وهو يتمثل في بناء المؤسسات المتنوعة، التي تكون قادرة على دورها في تنوير الشباب وتطوير مواهبهم وقدراتهم، حتى يمكن استثمار هذه الطاقات لصالح الشباب أنفسهم وللمجتمع في نفس الوقت.
اضف تعليق