في كل وقت يمتلك الامام علي (عليه السلام) تلك الجاذبية الفريدة للعودة اليه، وهي عودة يحتار المرء في اسبابها، هل هي دينية ام اخلاقية ام جمالية ام انسانية؟، انها تحتوي ذلك كله.. فهي بمقدار كونها جاذبية دينية، لا تقتصر على دين محدد بعينه، كأن يكون اليهودية او المسيحية او الاسلام. فكثير من مثقفي وكتاب الديانتين اليهودية والمسيحية ينظرون بعين الإعجاب لتلك لشخصية – الرمز، وجميع المسلمين متفقون على افضليته وشجاعته وعلمه، مع تفاوت في المقدار تبعا للتصنيف المذهبي الذي يتوزع عليه الدين الاسلامي.
وهي بمقدار كونها جاذبية اخلاقية لأصحاب الفلسفات والتنظيرات والنظم، التي تتحدث عن الاخلاق بصيغتها المثالية وتجلياتها المثلى، يتفق الجميع على جاذبية الامام علي (عليه السلام) ورمزيته العليا لها..
وهي بمقدار جاذبيتها الجمالية، لا يمكن لاحد ان يتجاوز نهج البلاغة، وكتب اخرى احتوت على الرفيع والبليغ من كلماته..
وهي بمقدار جاذبيتها الانسانية، لا يمكن لاحد ان يتجاوز مواقفه في التاريخ، تاريخ الاسلام او تاريخ الانسان، يجسد كل المقولات التي ارادتها ودعت اليها الاديان التوحيدية الكبرى او الوضعية..
في هذه المختارات من الاقوال، تجسيد للجاذبيات التي ذكرت وجاذبيات اخرى، تستبطنها تلك الاقوال..
سئل الجنيد عن محل علي بن أبي طالب (عليه السلام) في هذا العلم يعنى علم التصوف، فقال: (لو تفرغ إلينا من الحروب لنقلنا عنه من هذا العلم ما لا يقوم له القلوب ، ذاك أمير المؤمنين) فرائد السمطين : 1/380.
قال خليل بن أحمد الفراهيدي صاحب علم العروض: (إحتياج الكل إليه واستغناؤه عن الكل دليل على أنه إمام الكل) عبقرية الإمام : ص 138.
قال الدكتور مهدي محبوبة: (أحاط علي بالمعرفة دون أن تحيط به، وأدركها دون أن تدركه) عبقرية الإمام: ص 138.
قال الدكتور طه حسين: ( كان الفرق بين علي ( عليه السلام ) ومعاوية عظيماً في السيرة والسياسة، فقد كان علي مؤمناً بالخلافة ويرى أن من الحق عليه أن يقيم العدل بأوسع معانيه بين الناس، أما معاوية فإنه لا يجد في ذلك بأساً ولا جناحاً، فكان الطامعون يجدون عنده ما يريدون ، وكان الزاهدون يجدون عند علي ما يحبون) علي وبنوه : ص59 .
قال ابن أبي الحديد: (أنظر إلى الفصاحة كيف تعطي هذا الرجل قيادها، وتملكه زمامها، فسبحان الله من منح هذا الرجل هذه المزايا النفيسة، والخصائص الشريفة، أن يكون غلام من أبناء عرب مكة لم يخالط الحكماء، وخرج أعرف بالحكمة من أفلاطون وأرسطو، ولم يعاشر أرباب الحكم الخلقية، وخرج أعرف بهذا الباب من سقراط، ولم يرب بين الشجعان لأن أهل مكة كانوا ذوي تجارة، وخرج أشجع من كل بشر مشى على الأرض).
وقوله: (وما أقول في رجل تحبه أهل الذمة على تكذيبهم بالنبوة، وتعظمه الفلاسفة على معاندتهم لأهل الملة، وتصور ملوك الفرنج والروم صورته في بيعها وبيوت عباداتها، وتصور ملوك الترك والديلم صورته على أسيافها، وما أقول في رجل أقر له أعداؤه وخصومه بالفضل، ولم يمكنهم جحد مناقبه ولا كتمان فضائله، فقد علمت أنه استولى بنو أمية على سلطان الإسلام في شرق الأرض وغربها، واجتهدوا بكل حيلة في إطفاء نوره والتحريف عليه ووضع المعايب والمثالب له، ولعنوه على جميع المنابر، وتوعدوا مادحيه بل حبسوهم وقتلوهم، ومنعوا من رواية حديث يتضمن له فضيلة أو يرفع له ذكراً ، حتى حظروا أن يسمى أحد باسمه، فما زاده ذلك إلا رفعة وسمواً، وكان كالمسك كلما ستر انتشر عرفه، وكلما كتم يتضوع نشره، وكالشمس لا تستر بالراح، وكضوء النهار إن حجبت عنه عينا واحدة أدركته عيون كثيرة، وما أقول في رجل تعزى إليه كل فضيلة، وتنتهي إليه كل فرقة، وتتجاذبه كل طائفة، فهو رئيس الفضائل وينبوعها وأبو عذرها) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 1/ 29 ، 17.
قال العلامة السيد الرضي: ( كَان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) مشرِّعُ الفصاحة ومُورِدُها ، ومُنشأ البلاغة ومُولِدُها ، ومنه ( عليه السلام ) ظهر مَكنونها ، وعنه أخذت قوانينها ، وعلى أمثلته حذا كل قائل خطيب ، وبكلامه استعان كل واعظ بليغ ، ومع ذلك فقد سَبَقَ فَقَصَرُوا ، وتَقَدَّمَ وتَأَخَّرُوا ، لأن كلامه ( عليه السلام ) الكلام الذي عليه مسحة من العلم الإلهي ، وفيه عبقة من الكلام النبوي ، ومن عجائبه ( عليه السلام ) التي انفرد بها ، وأمن المشاركة فيها ، أنَّ كلامَهُ الوارد في الزهد والمواعظ ، والتذكير والزواجر ، إذا تأمله المتأمل ، وفكَّر فيه المُتَفَكِّر ، وخَلَعَ من قلبه ، أنه كلام مثله ممن عَظُمَ قَدَرُه ، ونفذ أمره ، وأحاط بالرقاب مُلكُه ، لم يعترضه الشك في أنه من كلام من لاحظ له في غير الزهادة ، ولا شغل له بغير العبادة ، قَد قبع في كسر بيت ، أو انقَطَعَ إِلى سَفحِ جبل ، لا يَسمَعُ إلا حِسَّهُ ، ولا يَرى إِلا نَفسَهُ ، ولا يكاد يوقن بأنه كلام من ينغمس في الحرب مصلتا سيفه ، فَيَقُطُّ الرِّقَابَ ، ويُجدِلُ الأبطال ، ويعود به ينطف دما ، ويقطر مهجا ، وهو مع ذلك الحال زاهد الزهاد ، وبدل الأبدال ، وهذه من فضائله العجيبة ، وخصائصه اللطيفة ، التي جمع بها الأضداد ، وألَّفَ بين الأشتات ) مقدمة نهج البلاغة .
قال عامر الشعبي : ( تكلم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بتسع كلمات ارتجلهن ارتجالاً فقأن عيون البلاغة ، وأيتمن جواهر الحكمة ، وقطعن جميع الأنام عن اللحاق بواحدة منهنَّ ، ثلاث منها في المناجاة ، وثلاث منها في الحكمة ، وثلاث منها في الأدب ، فأما اللاتي في المناجاة فقال ( عليه السلام ) : ( إلهي كفى بي عزاً أن أكون لك عبداً وكفى بي فخراً أن تكون لي رباً أنت كما أحب فاجعلني كما تحب ) وأما اللاتي في الحكمة فقال ( عليه السلام ) : ( قيمة كل امرءٍ ما يُحسنه ، وما هلك امرءٌ عرف قدره ، والمرء مخبو تحت لسانه ) وأما اللاتي في الأدب فقال ( عليه السلام ) : ( امنن على من شئت تكن أميره ، واستغن عمن شئت تكن نظيره ، واحتج إلى من شئت تكن أسيره ) سفينة البحار : 1/ 123 .
قال ابن نباته – صاحب الخطب المشهورة - :
(حفظت من الخطابة كنزا لا يزيده الإنفاق إلاّ سعة وكثرة ، حفظت مائة فصل من مواعظ علي بن أبي طالب ) مجلة تراثنا / العدد الخامس ١٤٠٦ ص١٥ .
قال الشريف الرضي:
( إذ كان أمير المؤمنين عليه السلام مشرع الفصاحة وموردها ، ومنشأ البلاغة ومولدها ، ومنه – عليه السلام – ظهر مكنونها وعنه أخذت قوانينها ، وعلى أمثلته حذا كل قائل خطيب ، وبكلامه استعان كل واعظ بليغ ، ومع ذلك فقد سبق وقصروا ، وقد تقدم وتأخروا ، لأن كلامه – عليه السلام – الكلام الذي عليه مسحة من العلم الإلهي ، وفيه عبقة من الكلام النبوي ) مقدمة ( نهج البلاغة ) .
قال العلامة شمس الدين الحنفي الشهير بسبط ابن الجوزي :
( كان علي ينطق بكلام قد حف بالعصمة ، ويتكلم بميزان الحكمة ، كلام ألقى الله عليه المهابة ، فكل من طرق سمعه راقه فهابه ، وقد جمع الله له بين الحلاوة والملاحة ، والطلاوة والفصاحة ، لم تسقط له كلمة ، ولا بارت له حجة ، أعجز الناطقين ، وحاز السبق في السابقين ) عن تذكرة خواص الأئمة ص ١٢٨ .
قال الشيخ محمد بن طلحة الشافعي :
( الفصاحة تنسب إليه ، والبلاغة تنقل عنه والبراعة تستفاد منه ، وعلم المعاني والبيان غريزة فيه ) عن مطالب السؤال ج١ص١٣٧ .
قال الشيخ محمد أبو زهرة :
(وعلي سيد خطباء تلك الفترة ، أنفتق لسانه بالبيان الرائع ، والقول السائغ ،والحكمة الفائقة ، حتى أورث الأخلاف طائفة من الخطب هي نهج البيان ،ومشرع الحكمة ونور الحق ووضح الحقيقة )الخطابة ص ٢٥٨ .
قال الأستاذ محمد فريد وجدي:
( اجتمعت في علي عليه السلام خصال لم تجتمع لغيره من الخلفاء وهي العلم الغزير والشجاعة العالية والفصاحة الباهرة، وكان مع هذا حاصلا من محامد الأخلاق ومكارم الطباع على مالا يتفق لغير الكاملين من الأفراد ) دائرة معارف القرن العشرين ج٦ص٦٥٩ .
- قال جبران خليل جبران :
"في عقيدتي ان إبن ابي طالب كان اول عربي لازم الروح الكلية وجاورها وسامرها، وهو اول عربي تناولت شفتاه صدى اغانيها على مسمع قوم لم يسمعوا بها من ذي قبل، فتاهوا بين مناهج بلاغته وظلمات ماضيهم، فمن اعجب بها كان إعجابه موثوقا بالفطرة، ومن خاصمه كان من ابناء الجاهلية. مات الإمام علي شهيد عظمته، مات والصلاة بين شفتيه، مرت وفي قلبه الشوق الى ربه، ولم يعرف العرب حقيقة مقامه ومقداره حتى قام من جيرانهم الفرس أناس يدركون الفارق بين الجواهر والحصى.
مات قبل ان يبلغ العالم رسالته كاملة وافية، غير اني اتمثله مبتسما قبل ان يغمض عينيه عن هذه الارض. مات شأن جميع الأنبياء الباصرين الذين يأتون الى بلد ليس ببلدهم، والى قوم ليس بقومهم في زمن ليس بزمنهم، ولكن لربك شأنا في ذلك وهو اعلم".
قال الفاضل الآلوسي :
" هذا كتاب نهج البلاغة قد استودع من خطب الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه ما هو قبس من نور الكلام الإلهي و شمس تضيء بفصاحة المنطق النبوي " . بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب : ٣ / ١٨٠ .
- قال الأديب أحمد حسن الزّيات المصري :
" و لا نعلم بعد رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) فيمن سلف و خلف أفصح من علي في المنطق ، و لا أبلّ منه ريقاً في الخطابة ، كان حكيماً تتفجر الحكمة من بيانه ، و خطيباً تتدفّق البلاغة على لسانه ، و واعظاً ملء السمع و القلب ، و مترسلاً بعيد غور الحجة ، و متكلماً يضع لسانه حيث يشاء ، و هو بالإجماع أخطب المسلمين و إمام المنشئين ، و خُطبه في الحثّ على الجهاد و رسائله إلى معاوية و وصف الطاووس و الخفاش و الدنيا ، و عهده للأشتر النخعي إن صحَّ تعدّ من معجزات اللسان العربي و بدائع العقل البشري ، و ما نظن ذلك قد تهيأ له إلا لشدة خلاطه الرسول و مرانه منذ الحداثة على الكتابة له و الخطابة في سبيله " تاريخ الأدب العربي : ٩٠ .
- قال الدكتور فايز ترحيني ( أستاذ الأدب الإسلامي في الجامعة اللبنانية) :
... ومع صدر الإسلام تنعكس الصورة ، فتزدهر الخطابة ويتقهقر الشعر، وتبلغ أوج ازدهارها مع علي بن أبي طالب ، وكأن الخطابة عند العرب ابتدأت مع هذا الرجل وانتهت معه ..... وهنا لا أجد غضاضة من الاعتراف بالعجز أمام خطابة هذا الرجل وفصاحته ، وإمساكه بناصية البلاغة ، وكأنه لم يترك فيها مطمعا لأحد ( أدب الخطابة في صدر الإسلام ص ٥٦) .
- قال الأستاذ محمد محيي الدين عبد الحميد / المدرس في كلية اللغة العربية بالجامع الأزهر :
( ... فهذا كتاب ( نهج البلاغة ) ، وهو الكتاب الذي جمع بين دفتيه عيون البلاغة وفنونها ، وتهيأت به للناظر فيه أسباب الفصاحة ، ودنا منه قطافها ، إذ كان من كلام أفصح الخلق – بعد الرسول صلى الله عليه وسلم – منطقا ، وأشدهم اقتدارا ، وأبرعهم حجة ، وأملكهم للغة ، يديرها كيف شاء ، الحكيم الذي تصدر الحكمة عن بيانه ، والخطيب الذي يملأ القلب سحر بيانه ، العالم الذي تهيأ له من خلاط الرسول وكتابة الوحي والكفاح عن الدين بسيفه ولسانه منذ حداثته ما لم يتهيأ لأحد سواه ) مقدمة شرح النهج للإمام محمد عبده .
قال جورج جورداق :
.. فالإمام بإجماع الباحثين رائد البلغاء في عصره حتى وبعد عصره.. وكل من عاصره كان عيالاً على نبعتين قرشيتين ثرتين.. النبعة المحمدية والنبعة العلوية.. أضف إلى النشأة والسيرة والبيئة ونوع الثقافة الخصائص العلوية الذاتية التي تكاد تقف وحدها في مجال الأخلاق والذوق والذكاء والعمق والشمولية وقوة التأمل والسبر.. تقف لتؤلف شخصية عجيبة خصبة معطاء.. شخصية تلتحم فيها مزايا الفارس والبطل إلى مزايا المصلح والأديب والخطيب الرباني الملتزم في هندسة نفسية وذهنية وفنية رائعة. عن كتابه ( علي وسقراط ) .
قال العقاد:
(وللذوق الأدبي - أو الذوق الفني - ملتقى بسيرته كملتقى الفكر والخيال والعاطفة لأنه رضوان الله عليه كان أديباً بليغاً، له نهج من الأدب والبلاغة يقتدي به المقتدون، وقسط من الذوق مطبوع يحمده المتذوقون وإن تطاولت بينه وبينهم السنون. فهو الحكيم الأديب والخطيب المبين، والمنشئ الذي يتصل إنشاؤه بالعربية ما اتصلت آيات الناشرين والناظمين). عن مقدمة كتاب ( عبقرية الإمام علي ) .
قال ميخائيل نعيمة: "تسألني عن الإمام علي، ورأيي انه (من بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم) سيد العرب على الاطلاق بلاغة وحكمة وتفهما للدين وتحمسا للحق وتساميا عن الدنايا. فأنا ما عرفت في كل من قرأت لهم من العرب رجلا دانت له اللغة مثلما دانت لإبن ابي طالب، سواء في عظاته الدينية وخطبه الحماسية ورسائله التوجيهية، او في تلك الشذور المقتضبة التي كان يطلقها من حين الى حين مشحونة بالحكم الزمنية والروحية، متوهجة ببوارق الإيمان الحي ومدركة من الجمال في البيان حد الإعجاز، فكأنما اللآلىء بلغت بها الطبيعة حد الكمال، وكأنه البحر يقذف بتلك اللآلىء دونما عنت او عناء.
ليس بين العرب من صفت بصيرته صفاء بصيرة الإمام علي، ولا من أوتي المقدرة في إقتناص الصور التي انعكست على بصيرته وعرضها في إطار من الروعة هو السحر الحلال. حتى سجعه، وهو كثير، يسطو عليك بألوانه وبموسيقاه ولا سطو القوافي التي تبدو كما لو انها هبطت على الشاعر من السماء، فهي ما اتخذت مكانها في اواخر الأبيات إلا لتقوم بمهمة يستحيل على غيرها القيام بها. إنها هناك لتقول اشياء لا تستطيع كلمات غيرها ان تقولها، كالغلق في القنطرة. إن عليا لمن عمالقة الفكر والروح والبيان في كل زمان ومكان".
اضف تعليق