هدوء مطبق، سكون عميق، أستيقظ كل يوم على قائمة لا تنتهي من المهام التي يجب إنهاؤها قبل نهاية اليوم، تتقطع أنفاسي بين واجبات البيت، وبين العمل بعيدا عن الواجبات وزيارة الأقرباء، ويؤلمني البعض على عدم رد الزيارة معتبراً ذلك تكبرا مني، وتلومني أمي على قولها انك مقصرة في حقنا، وتقاطعني صديقتي، أنا حقًا أحتاج للإنقاذ يا رب، أحتاج أن تنقذني من الأفكار التي تدور برأسي طوال الوقت، ومن انتباهي لتلك التفاصيل الصغيرة التي تغذي تلك الأفكار أكثر فأكثر وتجعلها ناراً مستعرة في قلبي.
أحتاج أن لا أفكر بالأعمال المنزلية الشاقة، أن لا أفكر في الطبخ والتنظيف، أحتاج أن أأخذ قسطاً من الراحة، ما أعلمه الآن يتعبني حقاً، لأنني ببساطة أحتاج وقت لراحتي، فيتعاظم شعور القلق أكثر فأكثر، ويضرب ثقتي الوقت، أعود لقائمة اعمالي المنهكة، يا رب.. أريد أن تصمت الأصوات في رأسي، تلك الأصوات التي تجعلني قلقة، غير متأكدة، غير آمنة.
تلك الأصوات التي تخبرني أنني دائمًا سأتأخر في العمل.. سيأتي زوجي.. وأطفالي.. يا الله أهل زوجي.. وأنا ضعيفة يا رب.. ضعيفة ولا أحسب أنني سأكون ناجحة في كل هذه الأمور، أحدق في السقف لعل الفرج يأتي، يا الله كل يوم أعيش الحالة نفسها، وضعت كلتا يدي على رأسي، طنين، عبث، لملمة أجزاء متصدعة، أجلس على الأرض لألتقط أنفاسي الأخيرة بعد ما أنهيت ترتيب غرفة أولادي والتي كانت عبارة عن قطع متناثرة في الأرض، أشبه بمخلفات حادث انفجار، لكن ما زال لديّ الكثير من المهمات التي لا أستطيع إنجازها، دق جرس البيت، ذهبت على غير العادة مسرعة، أسابق نفسي لأصل، أم زوجي وأخواته، كان ثمة علاقة تجمعنا، منذ زواجي.
ما أجمل خريف العمر عندما تقضيه مع من تحب...
تأخذنا تفاصيل الحياة اليومية
في نهاية اليوم أشعر أني منهكة، أجلس أمام التلفاز وأقلب قنواته بلا وعي، يسألني زوجي "عن بعض الحاجات الغذائية" ويربت على كتفي ويقول لي: يعطيك العافية .
أشهق وأبكي ولا أستطيع الكلام، يصبر حتى تنتهي انفعالاتي المفاجئة ثم يسألني بهدوء مرة أخرى عما أريده، انفجرت كلماتي في وجهه كما ينفجر البالون الممتلئ بالهواء وقلت:
اليوم سألت نفسي هل أنا انسانه لي مشاعر وأحاسيس أم مجرد آلة تقوم بكل ما تحتاجونه وقت ما شئتم؟، أنا متعبة جدًا من الحياة، أشعر بالإرهاق طوال الوقت، وأشعر بأنني أركض طوال الوقت، لا وقت لديّ للراحة ولا للتنفس ولا للتفكير، أفعل كل شيء في التو واللحظة، آخذ قرارات أسرع مما آخذ نَفَسي، لا وقت لديّ للندم، ولا للعتاب، ولا حتى للبكاء.
لماذا لا أعيش بهدوء، أنام وأستيقظ وقتما أحب، أريد أن أقرأ ما أحب وأن أصرف نقودي بالطريقة التي تحقق لي السعادة، أريد أن أتكلم وأن يسمعني الناس هل هذا كثير؟! إن كنتم ترونه كثيرًا فاتركوني في حالي.. أنا لا أريد منكم شيئًا.
كان لزاما علي أن أتلفّظ بهذه الكلمات، بعد صبر طويل، كل يوم يمر أعيش نفس الوعكة، الألم، المرارة، حتى عبادتي ليست كما هي، لا أعرف عن أعمال الأيام والليالي، ما اقوم به فقط الصلاة الواجبة هذا إن لم تتأخر عن وقتها وأحيانا ينتهي وقتها، حتى وانا واقفة أمام ربي وعلى المصلى يأخذني التفكير بسَلَطة وترتيب المائدة، وهل توقفت الغسالة عن الغسل، هذا بعيدا عن الإشارات التي أعطيها لإبنتي مثلا، الله أكبر.. استغفر الله، فهي تعرف ماذا قصدت.
في داخلي جبال من المشاعر السلبية وخيبات الأمل والحزن يا رب.. ولا أطلب منك أن تزيحها جميعاً عني، لكني أطلب فرصة لأشعر بها بما يكفي، لأن يأخذ الحزن حقه مني ويذهب، وأن تأخذ الخيبات حقها مني دون مقاومة أو تعالٍ مني وتذهب لحال سبيلها هي الأخرى، انتبهت أنني اضيع بين جدار البيت وبين الحياة، ولم اعمل أي شيء اتجاه قبري، نعم إن طاعة الزوج واجبة ولها مكانة وكذلك تربية الأبناء لكن ليست على حساب أعمالنا كما قال تعالى "يوم لا يغني مال ولا بنون"، حتى أولادي يتركونني عند أول سيئة تعرض في كتابي، خرجت وأنا فارغة، دوّت الافكار في رأسي، رددت الجدران صداها، رغم ذاك، قررت أن أعمل وان أغير حياتي، رغم الظلام، وانعدام الرؤية في حديقة بيتنا، تمكنت من الوقوف تحت السماء بمساعدة الضوء القادم من تلك المصابيح السماوية.
أناجيك يا صاحب الزمان
توقفتْ للحظة، ألقت نظرة فاحصة على تلك النجوم، بعـيون تشـرئـب نحـو سـماء، تحـدقُ فـي مـدى بعـيد، تـأوي الـى طـيف النجاة، ليـلُ الهمــومْ، يكوى بكل نهار ألف سوط، يتجـرع بعـد كـأس اللهيـب كـأس رمـاد، لم يك هناك احد يتعقبها، ثم رمقت المدينة بنظرات بائسة، يائسة، الدمار والخراب عاش فيها.
استنشقت الهواء الرطب، داعب شعري، كان له تأثير ساحر، في مناجاتي لربي، وتقديم عذري أمام تقصيري وجهالتي، بعد ضياع نفسي في دنيا الهوى عدت الى رشدي، فجأة، انتبهت الى وجود رائحة التفاح، قد نقلها النسيم لي، لم أصدق، انعطفت لأكتشف وأتأكد، إلتفتُ التفاته سريعة ولكن لم أجد شيئا، تاهت مني النفس بين القلوب الميتة والأنفس البغيضة، والعقول المتحجرة.
أناجيك يا صاحب القلب الكبير حلمي صغير هو أن أكون معك، ارزقني الهروب يا رب.. ارزقني فرصة أبتعد فيها عن كل شيء، وكل الناس، وأن لا أنشغل إلا بحالي وبك. ارزقني فرصة للتفكر، ولمراجعة نفسي، وللهروب من دوامات الدنيا! رغم أن الندم لن ينفع معي، إلا أنني لا أستطيع الكف عنه ليل نهار، إليك علّ رسالتى تكون ناقوس إنذار لغيري قبل أن يضعن سعادتهن مثلي.
فقد شغلتني الدنيا بهواها حتى أنستني ديني، وعبادتي، كل ما يهمني أسرتي وسعادتهم ولم أفكر يوماً واحداً بحال ومشاعر، أو ظروف إمام عصري التي يعيشها؟ فهل هو في حالة حزن أم فرح؟ أم في حالة كرب أم سرور؟ وكيف يعيش ظروفه الخاصة أو العامة؟ وما هو حجم مسؤولياته في زمان الغيبة الكبرى؟ وهل اقترب تحقق الشرائط التي تبشر بقرب الظهور أم لا؟ وهذه الآلام التي يعانيها من كثرة الذنوب والعيوب في المجتمع، هل هي بسبب ذنوب أعدائه؟ أم أنها بسبب ذنوب أتباعه أكثر؟ يا حسرتي أين انا عن إمامي، وجدت نفسيَ بعيدة عن استنتاج أو معرفة أجوبة ذلك، لأنني لا أعلم سوى تاريخ ميلاده وأنه غائب عنا، ولربما يصل الأمر بي إلى عدم التفكير في ذلك أصلاً، أنا يا مولاي لست أهلاً لأناديك العجل العجل، ولكن إشتقت إليك، وضاقت بي الدنيا يا مولاي، فأغثنا با بقية الله، عذرا سيدي، ان وقفت على بابك باكية، وأنا حمالة الذنبُ على جيدي، وعلى اعتابك انثر سنين عمري القادمة، فقلبي لشدة الألم على ذنبي مكتئبا، وارهقني البعد والجفا، ومن عبرات قلبي كتبت اليك الخبر، من يمسح عن قلبي الجروح، ويزيل البكاء والنواح، عذرا سيدي ان اصابك من كلامي الالم، فقد اشتاق اليك قلبي المحطم، سامحني فانا كثير الخطايا والذنوب، ومثلي لا يخلو من العيوب، انت وحدك اغلى محبوب، وانا ببعدي عنك مكر، فرجائي مولاي ان لم تكن لي في هذه الدنيا سعادة ومكتوب على جبيني منذ ولدتني امي محزون، فارحمني بدعائك عند الله ان يأخذني من هذه الحياة الى دار السعادة الابديه، عذرا مولاي فلم اجد غير تلك التعابير كي اعبر عنها .
اَللّـهُمَّ بَلِّغْ مَوْلانَا الإمامَ الْهادِيَ الْمَهْدِيَّ الْقائِمَ بِأمْرِكَ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِ وعَلى آبائِهِ الطّاهِرينَ عَنْ جَميعِ الْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِناتِ في مَشارِقِ الاْرْضِ وَمَغارِبِها سَهْلِها وَجَبَلِها وَبَرِّها وَبَحْرِها، وَعَنّي وَعَنْ والِدَيَّ مِنَ الصَّلَواتِ زِنَةَ عَرْشِ اللهِ وَمِدادَ كَلِماتِهِ، وَما اَحْصاهُ عِلْمُهُ وَاَحاطَ بِهِ كِتابُهُ، اَللّـهُمَّ اِنّي اُجَدِّدُ لَهُ في صَبيحَةِ يَوْمي هذا وَما عِشْتُ مِنْ اَيّامي عَهْداً وَعَقْداً وَبَيْعَةً لَهُ في عُنُقي، لا اَحُولُ عَنْها وَلا اَزُولُ اَبَداً .
اَللّـهُمَّ اجْعَلْني مِنْ اَنْصارِهِ وَاَعْوانِهِ وَالذّابّينَ عَنْهُ وَالْمُسارِعينَ اِلَيْهِ في قَضاءِ حَوائِجِهِ، وَالْمُمْتَثِلينَ لأوامِرِهِ وَالْمحامينَ عَنْهُ، وَالسّابِقينَ اِلى اِرادَتِهِ وَالْمُسْتَشْهَدينَ بَيْنَ يَدَيْهِ .
اضف تعليق