أصبح الظرف الراهن بكل مايحمل من تداعيات خطيرة ومؤلمة أن نخوض في مزيد من الحديث عن القيادة من خلال شخصية نبي الاسلام محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم، كيف نطرح او نفهم معنى القيادة وتكون لدينا رؤية واضحة ليست بالضرورة تنطلق من التزامات اسلامية بحتة انما من منطلقات فكرية وانسانية متعمقة في أصل الفكرة وتطبيقاتها العملية، باعتبار ان مهمة النبي تركزت في نقطتين أساسيتين هما التوحيد والعدل والبشرية اليوم ومنها مجتمعاتنا ولاسيما العراقي يحتاج الى العدل ولو بنسبة مقبولة من القادة والمدعين أنهم ينتمون الى منهجية الاسلام المحمدي.
هذه الجزئية المتعلقة بمفهوم القيادة اطرحها الى الراي العام ليقارنوا بين الشخصية القيادية في سيرة النبي المصطفى حيث كل مارود عنه يدل على ان القيادة التي نريدها اليوم وهي جزء من معضلة العراق تجسدت في سيرته المباركة. كان صادقا امينا قبل أن يُبعث نبيا، فانطلقت مصداقيته مع حركته في المجتمع وحين يقول "جئت لأتمم مكارم الأخلاق" انما أراد أن يؤكد للناس ان عدالته فيهم تنطلق من مفاهيم اخلاقية هي جزء من واقعهم الايجابي رغم سلبية علاقتهم مع الله من حيث شركهم وجحودهم للوحدانية.
بل وفي أحلك الظروف العصيبة عليه حين أُمر أن يهاجر الى يثرب لم ينسى اداء الامانات الى الناس فامر عليا عليه السلام ان يؤديها نيابة عنه في الصباح وقت أن ترك مكة ليلا. بل عدالته حتى في مجلسه ومأكله وقد ثبت التاريخ عبارة أصحاب النبي يُعبَرون عنه في تواضعه "كان كواحد منا" يأكل مايأكلون ويلبس مايلبسون كله بساطة وزهد وتواضع لأن هدفه الأنسان بعينه باعتبار النبي رحمة للعالمين، حتى أنه أعطى أصحابه درسا في المشورة يطلب منهم أن يُشيروا عليه فحرك جواهر العقول للبحث عن حلول لمشاكل الامة من واقعهم، وهذه من مزايا القائد الناجح أنه يعطي للرأي الأكثر رجاحة وقوة في المنطق ليُأخذ به.
والسؤال هنا على من اعتمد النبي المصطفى في حركته الرسالية هذه؟ نفهم الجواب من خلال التباين الواضح في النسب بين أصحابه كلهم ينتمون الى قبائل مختلفة بل وقوميات اخرى غير العربية كسلمان الفارسي وبلال الحبشي وصهيب الرومي. وفيما يتعلق بالقوانين التي تنظم حركة المجتمع وتضع حدا للتجاوزات كانت رؤية النبي واضحة بقوله للامة "لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت التي في يدها" قمة العدالة في الطرح من حيث نقطتين اساسيتين حتى في الحكم وهما أن من يرتكب خطا جسيما في المجتمع يُعاقب كائنا من يكون حتى لو انتسب الى النبي نفسه وان موضع العقوبة من حيث المثال كالسرقة يكون في موضع السرقة هو الذي يُقتص منه.
هنا نحتاج الى وقفة تأملية أكثر فيما ذكرت فالصديقة الطاهرة عليها السلام جاءت كمثال في الامة انها الزهراء بضعة الرسول هي كفرد من الامة في الواجبات الملقاة عليها ومن هذا المنطلق نجد سيرة أهل البيت قمة في السمو والأخلاق، لأنهم مثال تطبيقي لدعوة النبي المصطفى في الامة فكانوا خير خلف ومبارك في سيرتهم العظيمة وهم المرحلة التطبيقية الثانية للهدف الثاني الذي بُعث من أجله النبي وهو العدل من خلال العدالة بين الناس، وبالفعل كان علي بن أبي طالب عليه السلام امام العدل في المجتمع حين وُلي الخلافة بعد مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان.
والأعظم في سيرة أهل البيت أن من يجسد ويحقق العدل على الارض في المستقبل الموعود هو الحجة المنتظر حفيد النبي المصطفى.
هكذا أطرح مفهوم القيادة في زواياها المتعددة والمرتبطة بسيرة الحبيب المصطفى لننظر في واقعنا وسلوكيات من هم في عناوين قادة لتيارات واحزاب هل تجدون منهم شيئا فيما ذكرت؟ فان كان الجواب نعم فهو تضليل وافتراء وان كان كلا فنحن في موضع الادانة كيف أصبح هؤلاء قادة في المجتمع ألا نخجل من انتماءنا وادعاءنا الانتساب الى دين محمد صلى الله عليه وآله؟
انني أجد وفي نظرتي التحليلية النقدية الى واقعنا جريمة وطنية واخلاقية تُرتكب في مجتمعاتنا حين يقود المجتمع من ورثوا القيادة وهم بلا مؤهلات بل حتى ان من ينتسبون اليهم قد تورطوا في فضائح الفسادين المالي والاداري أليس هذا معيب على كل من يتحدث عن مفهوم العدالة في المجتمع بل هو القبح كله.
من هنا أدعو الاخوة القراء الى الحكمة والتأمل فيما يقرأون ويعيدوا النظر في مفهوم القيادة وهم يحتفلون في المولد النبوي الشريف احتفال العارف والموال الصادق للنبي المصطفى وعترته الطيبة المباركة.
اضف تعليق