اعتنى الإمام العسكري (عليه السلام) ببناء كوادر علمية مؤهلة في مختلف التخصصات العلمية المهمة، كي يقوموا بأدوار قيادية ودينية وعلمية وفكرية، ومن أهم هذه الأدوار نشر العلوم والمعارف الإسلامية في أصقاع الدنيا، وإيصال منهج وفكر أهل البيت للناس، وربط المجتمع بالقيادة الشرعية، وتدوين الأحاديث والروايات، وبثها بين العلماء والفقهاء، وتأسيس المدارس العلمية لتأهيل علماء وفقهاء ينتمون لمدرسة أهل البيت.
وبناء الكوادر العلمية ليس بالأمر السهل في ظروف سياسية بالغة التعقيد كعصر الإمام العسكري (عليه السلام)، حيث وضع تحت المراقبة الشديدة، ومع ذلك تجاوز كل القيود والسدود من خلال المكاتبة لأصحابه وتلامذته، وتزويدهم بتوجيهاته وإرشاداته الدينية والعلمية، والالتقاء بهم متى ما سمحت له الظروف بذلك.
وقد كان لتلامذة وأصحاب الإمام العسكري (عليه السلام) دور بارز في نشر علوم ومعارف الإمام (عليه السلام)، وقد كان فيهم الرواة الأثبات للحديث، وفيهم الفقهاء الكبار، وفيهم الوكلاء والثقات، وفيهم الكُتّاب المتميزون.
ويعود لهؤلاء الفضل في نشر علوم الإمام ومعارفه بين الناس، فقد دونوا ما سمعوه أو وصل لهم كتابة من الإمام، وما كتبوه بأقلامهم من كنوز وتراث وعلوم الإمام، ونشره في الآفاق رغم كل الظروف الصعبة، والتضييق عليهم، إلا أنهم استطاعوا إيصال بعض فتاوى وأحاديث ووصايا الإمام العسكري (عليه السلام) إلى العلماء والفقهاء والموالين والأتباع من مدرسة أهل البيت، بل وغيرهم من سائر المذاهب الإسلامية.
وقد اختلف الباحثون والمؤلفون لسيرة وحياة الإمام العسكري (عليه السلام) في عدد تلامذته وأصحابه بين الكثرة والقلة، فالشيخ باقر شريف القرشي أحصى (106) من أصحاب الإمام وتلامذته ورواته وثقاته، وقد ترجم لأغلبهم ترجمة وافية، وبعضها مختصرة، وذكر منزلتهم ودرجة وثاقتهم، وجملة من مروياتهم ومؤلفاتهم [1].
أما الشيخ محمد حسن آل ياسين (رحمه الله) فقد ترجم لـ (103) من الرواة والمحدثين والتلامذة، وقد ركز على ذوي المصنفات والمؤلفات منهم [2].
أما الشيخ محمد جواد الطبسي فقد بلغ عدد ما أحصاه من أصحاب وتلامذة الإمام (عليه السلام) (213) محدثاً وراوياً، إذ يقول: «وأما نحن فلم نكتفِ بما نقله الشيخ الطوسي من أصحابه، بل أضفنا إليه أسماء من صـحبه-ولو كان قليلاً- وروى عنه قولاً أو فعلاً وهكذا تعرضنا لذكر من كـاتبه وروى عنه بـعض المسائل بالمكاتبة وإن لم يشاهده ويلتقِ به»[3].
أما السيد محمد كاظم القزويني فقد ترجم لـ(242) راوياً ومحدثاً وتلميذاً، ورتبهم على طريقة (الألف باء)، وقد تتبع ترجمات أصحاب الإمام (عليه السلام)، وأشبعه بحثاً وتحقيقاً، ودوّن أقوالهم وما نقلوه عن الإمام العسكري (عليه السلام) من رواية، أو رسالة، أو فتوى، أو وصية، أو حكمة، أو توجيه وإرشاد...حتى أصبح معظم كتابه عن تراجم أصحاب الإمام العسكري (عليه السلام) [4].
بينما الشيخ الطوسي ذكر في رجاله من أصحاب الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ما عدده (103) فقط [ 5].
وواضح أن من أسباب اختلاف العدد هو اختلاف المنهج في إضافة أي راو أو تلميذ لمدرسة الإمام العسكري (عليه السلام)؛ فالشيخ الطبسي سجل كل من كاتب الإمام ونقل عنه من أصحابه ورواته، أما الشيخ محمد حسن آل ياسين فركز على أصحاب المؤلفات والمصنفات من تلامذة وأصحاب الإمام... وهكذا يتباين العدد بين القلة والكثرة.
ومهما يكم العدد، فإن الشيء المؤكد أن الإمام العسكري (عليه السلام) كان له اهتمام بالغ -كآبائه الأطهار- بتربية جيل من الرواة والمحدثين والثقات والأصحاب والطلاب كي يتحملوا مسؤولية نشر الإسلام، وبث علوم ومعارف أهل البيت في كل أصقاع الدنيا، وربط الناس بالقيادة الشرعية، والتمهيد لمرحلة الغيبة الكبرى، وما ستواجه الأمة الإسلامية في مستقبل أيامها، وبيان كيفية التعامل مع الحوادث الواقعة.
وقد حظي مجموعة من الأصحاب والرواة بالتتلمذ على الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السلام)، ونالوا شرف حضور مجالسه العلمية، وبحوثه الفقهية والقرآنية، فنهلوا من علومه ومعارفه، واستضاؤوا بنور حكمته وهديه مما جعلهم يبلغون مراتب عالية في معرفة الدين، وكسب العلوم والمعارف الإسلامية.
وكان منهم المحدثون والرواة والفقهاء والمفسرون والقادة والكُتَّاب والعلماء، وقد كان لهم دور ملموس فيما بعد في نشر معالم ومفاهيم الدين، وبيان مسائله وأحكامه، وتوضيح أصوله وفروعه.
وأصحاب الإمام العسكري (عليه السلام) وتلامذته ليسوا في مرتبة واحدة، سواء من الناحية العلمية، أو من جهة العدالة والوثاقة والضبط، بل يتفاوتون كما يتفاوت غيرهم من الطلاب والتلاميذ، فقد امتاز بعضهم بتدوين الأحاديث وتسجيل الأصول، وامتاز بعضهم بالفقه وما يرتبط به من علوم، وامتاز آخرون بتصنيف المؤلفات حيث أنجزوا عشرات المؤلفات في شتى العلوم والمعارف الإسلامية.
وكان من أبرز طلابه وتلامذته ورواته: إبراهيم بن أبي حفص و إبراهيم بن مهزيار وأحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن داود بن حمدان و أحمد بن إدريس بن أحمد القمي وإسحاق بن إسماعيل النيسابوري و الحسن بن موسى الخشاب و داود بن القاسم الجعفري و سعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري القمي وعبد العظيم بن عبد الله الحسني وعبدالله بن جعفر الحميري القمي وعبدالله بن حمدويه البيهقي وعثمان بن سعيد العمري وعلي بن جعفر الهماني والفضل بن شاذان و محمد بن أحمد بن جعفر القمي ومحمد بن الحسن الصفار ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب ومحمد بن عثمان بن سعيد العمري....وغيرهم.
وقد كان لهؤلاء الرواة والتلاميذ والأصحاب ممن تخرجوا من مدرسة الإمام العسكري (عليه السلام) العلمية دور مهم ومؤثر في نشر علوم ومعارف الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) في مختلف الحواضر العلمية، وأسهموا من خلال مؤلفاتهم وتصنيفاتهم العديدة في إيصال فقه وفكر مدرسة أهل البيت إلى العلماء والفقهاء والمحدثين والرواة والمفسرين، وهو الأمر الذي ساهم في نشر علوم وآثار ومعارف أئمة أهل البيت الأطهار (عليه السلام) إلى المدارس والمراكز والحواضر العلمية الكبرى.
اضف تعليق