الإنسان يحب من يُبدي الاحترام له، والسلام أو التحية هي مفتاح الاحترام، وبوابة الدخول الى عالم الآخرين، حتى لو كانوا منغلقين او انطوائيين، وقد اثبت العلماء المختصون أن الانسان يثق بمن يقدم له الاحترام، ويصون مكانته، ويشعره بأنه صاحب فضل عليه، ولو لمجرد اطلاقه السلام عليه، والجدير بالذكر أن الاسلام أكد على نحو كبير بوجوب إلقاء السلام على الآخر، كما ألزم الأخر بالرد المماثل.
من الواضح أن الهدف من ذلك تعميق العلاقات الاجتماعية، ونشر السلوك الذي ينشر ويشيع ثقافة الاحترام المتبادل بين الناس، فهذه هي الطريقة المهمة والأكيدة التي تجنب الناس (افردا وجماعات) ويلات التصادم والصراعات والفتن، ومن بين العلماء الذين اكدوا على الاحترام، مؤلف كتاب (خمسة عقول من اجل المستقبل)، وفضل العقل المحترم، واعطاه قيمة كبرى، لصنع التعايش بين الأمم والشعوب والأفراد.
لقد سئل الحسين عليه السلام عن الأدب، فقال: (هو أن تخرُج من بيتك، فلا تَلقي أحداً إلا رأيتَ له الفضلَ عليك). وعندما تشعر بأن الأخر صاحب فضل عليك، فإن هذا سوف ينعكس على سلوكك وكلامك مع الآخرين، وسوف يشعرون باحترامك لهم، ويبادلونك نفس الاحترام والود، وبهذه الطريقة سوف تزداد لحمة المجتمع، ويكون التكاتف عنوانا للجميع.
أما في حالة حدوث العكس، أي عندما لا يشعر الآخرون باحترامك لهم، كأن لا تبدأهم بالسلام، فالنتائج سوف تنعكس على الجميع حتما، وتسود علاقات التشنج بدلا من الانسجام، وتنغمس الثقة في وحل الريبة والشكوك، وتسود أزمات وتصادمات وصراعات ربما لا تتوقف عند حد معين، وبهذه الطريقة يتحول الفرد والمجموع الى أناس عدائيين لا يحبون بعضهم، ولا يحترمون ولا يثقون ببعضهم، وهذه سمة الأمم والشعوب المتأخرة.
لذلك هناك فضل كبير لمن يبادر بالسلام قبل غيره، لما لهذه المبادرة من آثار اجتماعية واخلاقية كبيرة، لهذا أعطى الامام الحسين (ع) قيمة كبرى لمن يبدأ غيره بالسلام، حتى قال عليه السلام في هذا الجانب: (لِلسّلام سبعونَ حسنَة، تسعٌ وسِتّون للمبتدي، وواحدةٌ لِلرّاد).
لماذا يبخل بعضهم بالسلام؟
قد نصادف في حياتنا اليومية، أناسا لا يبادرون غيرهم بالسلام، ربما ترفعا وتكبرا وما شابه، وقد يكون المركز الوظيفي والاجتماعي له أثر في خلق الشخصية المترفعة وليس الرفيعة، فثمة بون شاسع، بين أن تكون مترفعا على غيرك بالسلوك وما شابه، وبين أن تكون رفيع الخلق، فشتان بين الاثنين!.
لذلك لا ينبغي أن يبخل أحدنا بالتحية والسلام، حتى لو كان ذا منصب كبير، او سلطة مالية اجتماعية كبيرة، فالكبير دائما هو من يحترم الآخرين، ولا يبخل بإلقاء السلام عليهم، لأنه السبيل الى زيادة الاحترام بين الناس، فالسبيل الى صناعة مجتمع محترم، هو ان تسود ثقافة مبادرة القاء السلام أولا، وهذا السلوك ينبغي أن يبدأ من حاضنة البيت والعائلة، صعود الى المدرسة بمراحلها الابتدائية صعودا.
لذلك يحذرنا الامام الحسين من اهمال هذا الجانب، ويطالب بعدم البخل بإلقاء السلام على الآخرين، كما نلاحظ ذلك في قوله عليه السلام: (البخيل مَن بَخِل بالسّلام). حيث يتم حصر البخل بكل ما ينطوي عليه من اضرار بقضية السلام، فلا يصح أن نبخل على الناس بالسلام أياً كانت الأسباب، وعلينا التمسك بهذه المور التي قد ينظر إليها آخرون، وكأنها لا علاقة لها بتقدم المجتمع وتطور الدولة.
فقد اثبت العلم ان المجتمع المتطور هو القائم على الاحترام المتبادل، والمبادرة بالسلام والالتزام بأصوله يمثل بوابة الاحترام، واذا اردنا أن ننتقل من الدول المتأخرة الى الدول المتقدمة، فإن الامر مناط بنا، وما علينا سوى الالتزام بما جاء في أقوال أئمة أهل البيت (ع)، من وصايا انسانية المضامين، وعلمية النتائج.
وعندما نسعى لتحليل أقوال الامام الحسين في هذا المضمار، فإننا سنصل الى نتائج يحكمها علم النفس، ويؤكدها المعنيون، وما علينا سوى التمسك بقواعد إلقاء التحية والسلام، كونها السبيل المضمون لنشر الوئام والمحبة والتعاون بين عموم مكونات وافراد المجتمع، حيث الكل يسعى الى حماية حقوق الكل، لذلك لا معنى للفعل الذي يبخل بإطلاق التحية على الآخر وفق المتعارف عليه من الأعراف الجيدة.
السّلام قبل الكلام
ركز المسلمون على أن يبدأ كلامهم بالسلام، وهو سلوك اخذوه من التعاليم التي أقرها الاسلام، وسعى أئمة أهل البيت (ع) لترسيخها بين المسلمين، ولعل الأسباب التي تجعل السلام متقدما على الكلام، له اسباب كثيرة، فكما ذكرنا أن السلام يعد مفتاح الدخول الى عالم الانسان الاخر، كما انه يعطي انطباعا جيدا على المبادِر به، ويمد جسور الثقة والاطمئنان بين الآخرين.
وهكذا يمكنك الكلام بعد السلام بطريقة افضل، واكثر استعدادا من الناحية النفسية للطرفين المتكلم والمستمع له، وقد بلغت أهمية الابتداء بالسلام الى درجة الامتناع عن التحدث مع من لا يبدأ كلامه بالسلام، بمعنى من حقك أن لا تتبادل الكلام مع من لا يبدأ كلامه معك بإلقاء السلام.
هذا ما نلاحظه ونجده في هذه المحاورة بين الامام الحسين (ع)، وبين رجل آخر، حيث قال هذا الرجل للحسين (ع): كيف أنت عافاك الله؟ فقال الحسين عليه السلام له: (السّلام قبل الكلام عافاك الله). ثمّ قال عليه السلام: (لا تأذنوا لأحدٍ حتّى يُسلّم).
إن هذا التوجيه القاطع الذي يبديه الحسين (ع)، بعدم الأذن للمتكلم إلا بعد السلام، يؤكد القيمة الأخلاقية والفائدة الاجتماعية الكبيرة لتبادل التحية بين الناس، وهكذا نجد في هذه الوصايا مضامين لها القدرة على تغيير حياتنا، في حالة التزامنا بها، فهناك من لا يرى للسلام والتحية هذه المقدرة على التغيير.
ولكن واقع الحال، وما تثبته التجارب، أنه هذه الثقافة يمكنها أن تقود المجتمع الى أمام دائما، وان الاستخفاف بالتحية له نتائج وخيمة علينا جميعا، فالمشغولون عن مبادرة غيرهم بالسلام، ربما يشغلهم البحث عن المال والجاه، وتأخذهم الدنيا في أحضانها، فيترفعون على الاخرين، ولكن النتائج لن تكون في صالحهم بالنتيجة.
لذا في الخلاصة، مهم جدا أن نجد في اقوال الامام الحسين (ع)، طريقة لرسم حياة أفضل، فهذه الوصايا في الحقيقة عبارة عن دروس عظيمة نحصل عليها، وما علينا سوى التمسك بها بأقصى ما يمكن، والعمل في ضوئها لتحسين حياتنا، لاسيما أننا لا نزال متأخرين، مع أننا يمكن أن نكون في المقدمة، اذا التزمنا بمضامين هذه الأقوال الخالدة.
اضف تعليق