الإمام زين العابدين (ع) القادم من معركة دامية ما برحت صورها المفجعة تثير لواعجه وشجونه حتى آخر ايام حياته، و أمضّ ما فيها؛ بعد استشهاد أبيه الامام الحسين؛ انتهاك حرمة النساء والاطفال وحقوقهم الانسانية، نراه في مرحلة من حياته يضمّن رسالته في الحقوق؛ حقوقاً للمرأة، وتحديداً حقوق الزوجة كونها تمثل أحد دعامتي الأسرة...
"وأما حق الزوجة فأن تعلم أن الله –عزوجلّ- جعلها لك سكناً وأُنساً فتعلم أن ذلك نعمة من الله عليك فتكرمها وترفق بها و إن كان حقكّ عليها أوجب فإن لها عليك أن ترحمها لانها أسيرك وتطعمها وتكسوها وإذا جهلت عفوت عنها".
الإمام زين العابدين، عليه السلام، القادم من معركة دامية ما برحت صورها المفجعة تثير لواعجه وشجونه حتى آخر ايام حياته، و أمضّ ما فيها؛ بعد استشهاد أبيه الامام الحسين؛ انتهاك حرمة النساء والاطفال وحقوقهم الانسانية، نراه في مرحلة من حياته يضمّن رسالته في الحقوق؛ حقوقاً للمرأة، وتحديداً حقوق الزوجة كونها تمثل أحد دعامتي الأسرة، ومن ثم القاعدة والمنطلق للمشروع التربوي وصياغة شخصية الابناء.
اذا عرفت نفسها عرفت حقّها
ربما يطلب الانسان لنفسه حقوقاً يعدها ضرورية لحياته، وفي هذا الطريق يبذل الغالي والنفيس، لاسيما اذا كانت ثمة تحديات تواجهه من قبل السلطة الحاكمة، او من جهات اخرى، بيد أنه مطالب ايضاً بالإجابة عن كفاءته في طريقة الاستفادة من هذه الحقوق، وقدرته على تحويلها الى عناصر مفيدة له وللمحيطين به، مثال ذلك؛ الحرية التي يطالب بها الكثير، لاسيما الشباب، فهم يسمعون بالحرية المتناغمة مع مشاعرهم وعواطفهم، لكن؛ احياناً يعجزون عن سماع صوت العقل، ونداء الضمير وما تخفيه انفسهم من مشاعر ونوازع لها كامل المدخلية في طريقة التعامل مع الحرية –مثلاً- فهل يضمنون ان لا تتحول هذه الحرية الى فوضى في السلوك والتفكير، وأن لا تخلّ بالنظام العام، ولا تلحق الضرر بالآخرين؟
إن معرفة النفس تأتي متقدمة على معرفة الاشياء الاخرى في الواقع الخارجي، وهو ما أكد عليه العلماء والحكماء، جاء في الحديث الشريف: "رحم الله من عرف قدر نفسه"، كما ان معرفة الانسان لنفسه وذاته تساعده على التعرف على الآخرين، بدءاً من أسرته وحتى الاصدقاء والزملاء، بل حتى علاقته مع الله –تعالى-: "من عرف نفسه فقد عرف ربه".
فعندما تعرف المرأة والزوجة مكانتها الحقيقية ستكون حقوقها بين يديها، واذا تؤمن و تدرك أنها تمثل "السَكَن"، و"الأنس" لزوجها، مع مصاديق عملية في السلوك خلال الحياة الزوجية، فان منطق العقل يحكم على الرجل تكريم هذه المرأة العاقلة والمدبرة، ما خلا بعض الحالات الشاذة المتعلقة بأزواج غير سوييّن في التربية والمنبت، يقابلون الإحسان بالإساءة.
الامام السجّاد، عليه السلام، أردف في رسالته بواجب رد الجميل الى الزوجة الصالحة بأن يعدها نعمة إلهية مثل أي نعمة مبذولة في الحياة، ومن خلال العلم والمعرفة ايضاً، وهي التفاتة غاية في الاهمية من الامام، عليه السلام، بأن يجعله العنصر الاكبر لنجاح الحياة الزوجية، فربما نجد حالات سوء فهم في التعامل مع مختلف الأمور، منشأها عدم وعي الذات، وفهم الطرف المقابل رغم وجود الاخلاق الحسنة والالتزام بالقيم الدينية، لنأخذ مثالاً بسيطاً من داخل كل بيت، عندما يدخل الأب حاملاً الفاكهة والحلوى والمكسرات، او حتى بعض القرطاسية لطلبة المدارس والجامعات، فان المشاعر التي تحمل كل هذه المشتريات، وإن كانت زهيدة الثمن، لها دور كبير في صناعة مشاعر الحب والودّ بين أفراد الأسرة وهم يستلمون هذه المشتريات من أبٍ تعلوه الابتسامة ومشاعر الود والعطاء، كما يمكن ان تكون تلك المشتريات مصحوبة بمشاعر تكشف عن حالة الاجبار على الشراء لإسكات الاعتراضات والمطالبات المتزايدة.
هذا العلم والشعور والإدراك عندما يقدمه الزوج الى زوجته على أنه حقٌ لها، فانها بالمقابل؛ و كرد انساني واخلاقي، ستكون مندفعة فطرياً لأن تجسد هذا الحقّ المتطابق مع فطرتها وتكوينها، من خلال سلوكها وتعاملها مع الزوج وافراد العائلة بما تجود نفسها من حنان، وحب، و رقّة.
الرحمة والمودّة لربة البيت
في هذا المقطع من رسالة الحقوق الرائعة يبين الامام السجاد حق ربة البيت الملتزمة دار زوجها وفق الاحكام المنصوص عليها، ويصفها بـ "أسيرك" فهي ليست أسيرة هذه الاحكام بالمعنى اللفظي، بقدر ما هي "عقيلة" زوجها بالمفهوم الايجابي، كما أن طاعتها دليل حبّها له، فاذا تقرأ المرأة الاحكام المشددة بعدم الخروج من البيت إلا بإذن زوجها، ثم تُكرّم بالرحمة والمودّة التي يقتبسها الإمام من الآية الكريمة: {وجعلنا بينكم مودة ورحمة}، فانها تكون فخورة في بيت يمكنها تجسيد شخصيتها بالكامل، دون أي شعور بالضِعة والهوان، كما يسعى البعض لخلق هذه الصورة الوهمية لربة البيت، وأي شخصية كاملة ستكون للزوجة عندما يذهب الإمام زين العابدين الى ابعد من هذا بأن يغلّب الرحمة إزاء الزوجة على حق الزوج وما يجب أن يحصل عليه من زوجته.
وهذا يعني أن مشاعر الحب والرحمة والمودة التي تغمر الزوجة في بيتها تجعلها تستشعر السعادة بكل معانيها وإن كان بيتاً صغيراً ومتواضعاً في منطقة نائية، ولم يكن مزوداً بأحداث الاجهزة الكهربائية والأثاث الفاخر المحبب عند معظم النساء اليوم، ولا أدل على ما نقول من مشاهد لبيوت بمساحات كبيرة وفخمة، وسيارات فارهة وأثاث من الدرجة الاولى، وكافة المستلزمات والديكورات، وفي داخل هذه البيوت لا تتوقف المعارك الكلامية، والتعامل البعيد عن الآداب والأخلاق بين افراد العائلة، رغم الآلاف والملايين التي تنفق يومياً على المطاعم ومجمعات التسوّق والملبوسات والرحلات السياحية.
إن من أهم مطالب المرأة اليوم يتخلص في كلمة واحدة يستجمع مفردات وكلمات عدّة؛ الاحترام. وهذا ما يقدمه الإمام السجاد، عليه السلام، ويعده المطلب الناجز في كل الاحوال، فلا شيء يلغي احترام المرأة والفتاة ايضاً، حتى وإن كان الحق مع الرجل (الأب أو الزوج او الأخ)، بل حتى مع صدور الخطأ جهلاً، لأن الجاهل في المنطق الاسلامي يُعلّم و لا يُعاقب، ولعل العفو الذي يدعو اليه الامام، عليه السلام، يكون طريقاً للمعرفة والتعلّم وتلافي الخطأ ليسود الحب والودّ والرحمة في الزوجية، وفي الحياة الأسرية، وفي المجتمع والامة بشكل عام.
اضف تعليق