حين يكون الإنسان مطهَّرا ذاتيا، ومنزّها ومزكّى بالاخلاص، فسوف ينبثق من ذلك توازنا وتنسيقا ونظاما، من خلال السمو الذاتي، والارتقاء المعنوي لهذا الإنسان بالتغاضي عن نفسه وتضحية بذاته والتنازل عن متطلباته تحقيقا للتعاون والتنسيق والتكامل مع الآخرين، فالإيثار يؤدي الى التعاون على البرّ والخير والتقوى، والتنسيق لتكريس النظام العام...
في هذه الأيام تمر علينا ذكرى استشهاد السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وقد تطرقنا في مقالنا السابق إلى محاور من خطبتها الفدكية، وذكرنا منها ثلاثة محاور، ونصل الآن إلى المحور الرابع حيث يستكشف النظام الاجتماعي المتكامل الذي يحقق الاستقرار والأمن.
إن أي مجتمع لايمكن ان يعيش بلا مبادئ، وهذه المبادئ والقيم تكون ناجحة عندما تحقق الأمن والاستقرار والاكتفاء والسعادة لهذا المجتمع، وإذا رأينا اليوم مجتمعات إسلامية تعاني كثيرا في الفقر والجوع والأمن، وعدم السعادة، وانتشار الظلم والاستبداد والعنف، فلنعرف أن ما يُطبَّق فيها غير صحيح وغير سليم، وإلا فإن الإسلام هو دين متكامل أنعم الله تعالى به علينا حتى نعيش بأمن واستقرار وسلامة وسعادة.
الأسس الأخلاقية والعبادية
تبيّن لنا السيدة الزهراء (عليها السلام) في هذه الخطبة هذا المعنى، أن الإسلام والدين وبعثة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تحقق الاستقرار والأمن والسعادة للمجتمع، فالنظام الاجتماعي الذي يحقق الاستقرار والأمن يقوم على مجموعة قيم وأصول، وأسس أخلاقية وعبادية تعبر عن الدين كغاية وفلسفة وتشريع.
فهذا النظام الاجتماعي قائم على تشريعات، وعلى سلوكيات أخلاقية، لابد أن يسير عليها الفرد، وأن يلتزم بها، إدراكا وفهما وعلما وتطبيقا وتربية وتعليما، حتى يستطيع أن يحقق الغايات الأساسية لوجوده في الحياة كإنسان حرّ مختار.
فمن خطبة السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام):
(فجعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك، والصلاة تنزيهاً لكم عن الكبر، والزكاة تزكية للنفس ونماءً في الرزق، والصيام تثبيتاً للإخلاص، والحجّ تشييداً للدين، والعدل تنسيقاً للقلوب، وطاعتنا نظاماً للملّة، وإمامتنا أماناً من الفرقة، والجهاد عزّاً للإسلام، والصبر معونة على استيجاب الأجر، والأمر بالمعروف مصلحة للعامة، وبرّ الولدين وقاية من السخط، وصلة الأرحام منسأة في العمر ومنماة للعدد، والقصاص حقناً للدماء، والوفاء بالنذر تعريضاً للمغفرة، وتوفية المكاييل والموازين تغييراً للبخس، والنهي عن شرب الخمر تنزيهاً عن الرجس، واجتناب القذف حجاباً عن اللّعنة، وترك السرقة إيجاباً للعفّة، وحرّم الله الشرك إخلاصاً له بالربوبيّة، فاتّقوا الله حقّ تقاته، ولا تموتنّ إلّا وأنتم مسلمون، وأطيعوا الله فيما أمركم به و ما نهاكم عنه، فإنّه إنّما يخشى الله من عباده العلماء).
ذكرت السيدة الزهراء (عليها السلام) في خطبتها مجموعة من المفردات الأساسية تعبر عن جوهر الاستقرار في المجتمع:
(تطهيرا، تنزيها، تزكية، إخلاصا، تنسيقا، نظاما، توازنا، أمانا، مصلحة)، وأيضا هذه المفردات وقاية وتحصينا ومنعا (من السفك والفرقة والتكبر والرجس والذل وفقدان الحياء والبخس والسرقة والشرك)، هذه المفاهيم تأتي في جانبين، الجانب الإيجابي والجانب السلبي، وتركّز على قضية أساسية وهي الطهارة الذاتية التي يجب أن تكون عند الإنسان.
وهذا هو أساس بناء الاستقرار في المجتمع السليم، وإلا فإن تلوّث النفس والقلب، بالرذائل والسيئات يؤدي إلى رداءة المجتمع، لذلك تؤكد (عليها السلام) على هذا الجانب: (فجعل الله الإيمان لكم تطهيرا من الشرك).
من هو الكائن المختار الحرّ المسؤول؟
فالإنسان أما أن يكون عبدا مخلصا لله تعالى، وإذا لم يكن كذلك، فيكون نسبيا متفاوتا فيتلوث قلبه بالسيئات، عندما لا يكون مؤمنا مطلقا، حيث يكون غير شفاف، غير طاهر نفسيا، وهذا التلوث يقوده إلى المزاجية، والمعاصي، والأهواء، إلى التماس مع الأشياء التي لا ترتبط بوجوده الإنساني المتعقّل، الكائن المختار، الحرّ، المسؤول.
لذا يحتاج الإنسان إلى التطهير الذاتي، وهذا التطهير الذاتي يقي الإنسان من كل عوامل الشرك، لأن الشرك يعني الكفر بالله سبحانه وتعالى بشكل مباشر، وبشكل آخر عندما لا يلتزم الإنسان بأوامر الله سبحانه وتعالى وإن كان ذلك يتم لا شعوريا.
تلوّث الإنسان بالشرك الخفي
قد يكون هناك شرك خفي عند الإنسان يؤدي إلى تلوث قلبه ونفسه، وبالنتيجة يؤدي به هذا التلوّث إلى تآكل شخصيته الإنسانية، واضمحلال وجوده الحر والمسؤول، ويتحول إلى كائن مادي مزاجي تتحكم به أهوائه وغرائزه، وشهواته، وبالنتيجة لا تكون لديه مبادئ نظيفة، وليس لديه طهارة ذاتية، فالتطهير الذاتي (تنزيها)، للإنسان عن الوقوع في المعاصي، في المشكلات، في الأزمات.
(والصلاة تنزيها لكم من الكبر)، أي التكبر والغرور، فهذا التكبر الذي يشعر به الإنسان والاحساس بالاستعلاء فيه مخاطر عليه، كذلك الهيمنة الفوقية التي يمارسها هذا الإنسان عندما يشعر بنفسه إنه ربّ، وليس عبدا.
الإنسان بمثل هذا التكبر يكون هو منشأ الطغيان والرذيلة والاحتقار للحياة، وللآخرين من البشر، فهذا الاحتقار للإنسان يأتي في أساليب عديدة، منها التكبّر والعنصرية، والفوقية، والغرور والاستعلاء الذي يشعر به من خلال المال أو العلم او المنصب، هذه كلها بالنتيجة تلوّث الإنسان، وتمنع عنه التنزيه، ويجعله كالماء الكَدِر غير شفاف ملوث بالخبث والرذيلة.
هذه مشكلة خطيرة عند الإنسان ان لم يكن هناك معالجة في العمق، لذلك فإن الصلاة هي التي تنزّه الإنسان، ولابد له أن يلتزم بها، والصلاة مهمة لأنها تنظف الإنسان من الكِبَر، ويرتقي الى الله سبحانه وتعالى، فيشعر بنفسه عبدا مخلصا شاكرا لله سبحانه وتعالى، منزّها عن أن يكون متكبرا أو مغرورا.
(تزكيةً)، هذه من مفردات التطهير الذاتي، فينمو ويتكامل من خلال التهذيب الذاتي الذي يقوده إلى الإخلاص في سلوكيات الحياة، فيكون مخلصا في عبوديته لله سبحانه وتعالى، وأن لا يُشرك به أحدا آخر، طاغوتا، مديرا، وزيرا، أو دولة، او غنيا. حيث لابد للإنسان أن يكون فقط تابعا لله سبحانه وتعالى، وللقيادة التي وضعها الله سبحانه وتعالى في الحياة، وهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام).
التطهير الذاتي طريق للنظام العام
وحين يكون الإنسان مطهَّرا ذاتيا، ومنزّها ومزكّى تزكية بالاخلاص، فسوف ينبثق من ذلك توازنا وتنسيقا ونظاما، من خلال السمو الذاتي، والارتقاء المعنوي لهذا الإنسان بالتغاضي عن نفسه وتضحية بذاته والتنازل عن متطلباته تحقيقا للتعاون والتنسيق والتكامل مع الآخرين، فالإيثار يؤدي الى التعاون على البرّ والخير والتقوى، والتنسيق لتكريس النظام العام.
هذه العملية المتوالية تؤدي إلى بناء التوازن الاجتماعي، وحماية الميزان الاجتماعي، هذا الميزان الذي يؤدي إلى السير في الطريق السليم، والاستقامة، والاعتدال في مناهج الحياة، بالنتيجة يؤدي ذلك بالإنسان إلى التقدم والتطور.
تأمين الاستقرار العام
(أمانا من الفرقة)، (والجهاد عزا بالإسلام)، و(طاعتنا وإمامتنا أمانا من الفرقة)، تحقيق كل هذه المتواليات، التطهير والتنزيه، ومن ثم التزكية والإخلاص، وهذا يؤدي إلى التنسيق والنظام والتوازن، هذه التركيبة تؤدي إلى تحقيق الأمان من التشتت والتفكك والتنازع وتحقيق الاستقرار العام.
ومن ثم تؤدي إلى العزّ، إلى القوة، فهذه القوة الحقيقية التي يحققها المجتمع، تبدأ من هنا، هكذا نلاحظ كيف وضعت السيدة الزهراء (عليها السلام) خطة متكاملة لقضية البناء الاجتماعي المتماسك الحقيقي الذي يقوم على قواعد أساسية، وبنى تؤدي إلى تقدم وتطور المجتمع.
بالطبع إذا كانت الأمور على العكس من ذلك، وإذا لم يلتزم الإنسان بالإيمان، ولم ينزّه ولم يزكّي نفسه، ولم يكن مخلصا، وفقد التنسيق والنظام والتوازن والأمان والعزّة والقوة، بالنتيجة سوف تنتشر العنصرية، الطبقية، الفوضى والتشرذم ويصبح المجتمع ذليلا وفاقدا للحياء.
تركيبة بناء الوقاية الاجتماعية
لذلك فإن هذه التركيبة مهمة جدا في عملية البناء الاجتماعي، وضرورة الاستفادة من خطبة السيدة الزهراء (عليها السلام)، في عملية بناء المجتمع، من خلال التركيبة من القيم المتكاملة الشاملة، التي تؤدي إلى بناء أقوى، وهو بناء الوقاية الاجتماعية، إننا نفكر دائما نكافح المرض بالعلاج، ولا نفكر بالوقاية، والتقوى هي وقاية، بحيث تبني البناء الصحيح للمجتمع من خلال نشر القيم الصحيحة فيه، وعندما يصاب المجتمع بأمراض خطيرة مستفحلة فيصبح العلاج صعبا، ويحتاج إلى سنين طويلة وأجيال متوالية حتى نستطيع أن نعالج المرض.
لكن الوقاية تتم من خلال البناء الصحيح في المجتمع، عبر تطبيق هذه المفاهيم التي طرحتها الزهراء (عليها السلام)، حيث تؤدي إلى بناء المنهاج الوقائي الاجتماعي عبر اعتماد الوقاية قبل العلاج، البناء الوقائي مهم جدا (فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون) فالتقوى تؤدي إلى الإسلام الحقيقي، والتقوى تأتي من خلال هذه القيم التي طرحتها الزهراء (عليها السلام) لبناء المجتمع الصحيح الذي يسير في الطريق الصحيح.
النظام الاجتماعي يمكن أن نطبقه من خلال تكامل في المحاور وتسلسلها، فهذه الخطبة بشموليتها وتكاملها واكتمالها، تسير في منهج تسلسلي، حتى تبين معنى الرسالة الإسلامية المحمدية.
المحور الخامس: تطبيق المفاهيم على المصاديق
(أيّها الناس اعلموا: إنّي فاطمة وأبي محمّد صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، أقول عَوداً وبدواً ولا أقول ما أقول غلطاً، ولا أفعل ما أفعل شططاً، "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتّم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم". فإن تعزوه وتعرفوه، تجدوه أبي دون نسائكم، وأخا ابن عمّي دون رجالكم، ولنعم المعزى إليه صلّى الله عليه وآله وسلّم).
تشير السيدة الزهراء (عليها السلام)، إلى عملية تطبيق المصاديق على المفاهيم التي طرحتها، حيث تبيّن من هي فاطمة، ومن هو رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومن هو الإمام علي (عليه السلام).
هذا هو الضلع المثلث الذي تقوم عليه الرسالة الإسلامية، (رسول الله، والإمام علي، وفاطمة الزهراء)، هو الأساس في عملية البناء للمجتمع الإسلامي.
لذلك قالت: (أيها الناس اعلموا اني فاطمة وأبي محمد)، طبعا هذه الكلمة للسيدة فاطمة فيها كلام كثير جدا، لكن الكلمة الأساسية في هذه القضية، من ناحية الخطبة، ومن ناحية الظاهر، أنها أرادت أن تثبت بأنها هي التي خطبت هذه الخطبة، حتى لا يأتي من يأتي ويقول إن هذه الخطبة ليست خطبتها. لأن هذه الخطبة وثيقة تاريخية لابد أن لا تُزيَّف، وتكون ثابتة، وتكون موثّقة وموجودة في التاريخ.
الطريق الى معرفة السيدة الزهراء (ع)
بالطبع أسلوب الخطبة، والألفاظ والمعاني الموجودة فيها، كلها تدل على عظَمة فاطمة (عليها السلام)، (فاعلموا اني فاطمة) ومن هي فاطمة؟، أليست هي فاطمة التي قال عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو آخذ بيدها:
(من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد، وهي بضعة مني وهي قلبي وروحي التي بين جنبي، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله.)، وقوله (صلى الله عليه وآله) لفاطمة (عليها السلام): (إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك)، وهذا هو المقصد من (فاعلموا إني فاطمة)، أي انها تتكلم بما يرضي الله سبحانه وتعالى.
لذلك لابد أولا من معرفتها وهي تقول (اعلموا إني فاطمة)، فعلينا أن نعرف من هي الزهراء، وماذا تقول ونلتزم بكلامها، فالالتزام بالخطبة وبكلماتها، هو طريق لمعرفتها (عليها السلام)، فكيف لمن يريد أن يعرف فاطمة الزهراء ولا يقرأ كلامها ولا يلتزم به.
المعرفة مع الطاعة
ولكن المعرفة تحتاج إلى طاعة والتزام، لأن المعرفة بلا طاعة ولا التزام ولا مسؤولية ليست معرفة، وإنما مجرد معلومات يحصل عليها الإنسان، ولكن عندما يعرف كلمات الزهراء وضميره نقي ونفسه طيبة وقلبه طاهر، يلتزم بكلام السيدة الزهراء (عليها السلام)، وهذا هو الذي أرادت أن تقوله للناس، أن تلتزموا بقولي، وتفهموه وتدركوا كلماتي حتى تستطيعوا أن تفوزوا بهدى رسول الله (صلى الله عليه وآله).
لذلك قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إن الله ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها)، فهذا كله بمثابة تعريف بمن هي فاطمة الزهراء، وهي أكدت على هذا الشيء في كلامها، وتريد أن تؤكد على ما يعرفه المسلمون سابقا في كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله)، عندما كان يتكلم ويتحدث عن فاطمة، في كلماته الكثيرة، ومن ضمن الكلمات التي قالها رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأحاديث التي رُوِيت عنه: (فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها)، وقوله (صلى الله عليه وآله): (فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني). وعن الامام الصادق (عليه السلام): (هي الصديقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الأولى) المقصود بالقرون الأولى الازمنة السابقة والأمم الماضية.
لذلك فإن معرفة الزهراء هو غاية الخطبة، وهذا الكلام (اعلموا إني فاطمة) قالته في الوسط، لأجل إلقاء الحجة عليهم، لأنهم يعرفون من هي فاطمة، لكنها ظلت تؤكد على ذلك حتى يرجعوا عن ذلك الزيغ والضلال والانحراف.
كل البدايات لها نهايات
(أقول عودا وبدءا)، فيها معانٍ جميلة ومعانٍ راقية لابد أن نتأمل فيها. ربما نحن نستنبط بعض المعاني من هذا الكلام، أن العود للبدايات دائما مهم جدا في المعرفة وخصوصا معرفة السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فهناك معان عديدة في جملة (عودا وبدءا) ومنها:
أولا: لابد من معرفة البدايات وفهمها
حتى نصل إلى النهايات والنتائج الصحيحة، الناس حين يعيشون الآن أجواء السلطة والمال والشغف الاعمى بالحرص على الدنيا، ينسون البدايات التي كانوا عليها، وقد قالت لهم (عليها السلام): (وكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَة مِنَ النّار، مذقة الشارب ونهزة الطامع وقبسة العجلان، وموطئ الأقدام، تشربون الطَّرَق، وتقتاتون القدّ أذلّة خاسئين، تخافون أن يتخطّفكم الناس من حولكم، فأنقذكم الله تبارك وتعالى بأبي محمّد)، كانوا يعيشون في الجاهلية والجهل والفقر والموت ووأد البنات، وكانوا يعيشون عيشة بائسة وتعيسة، عودوا إلى البدايات حتى تعرفوا أنفسكم.
وعندما لا تعرفون البدايات بشكل جيد، سوف تقودون المجتمع إلى نهايات سيئة، فعودوا إلى البدايات مرة أخرى، هذه البدايات السيئة التي أنقذكم رسول الله منها، هي نتيجة لبدايات سابقة، فكل بداية كانت لها نهاية لشيء آخر، والآن أنتم في هذه النهاية التي تكتبونها في هذه الأيام (بعد وفاة رسول الله) هذه بداية إلى التعاسة، إلى انحراف شديد، وعودة مجددة لبدايات الجاهلية التي كنتم فيها.
ثانيا: الماضي والحاضر والمستقبل امتداد واحد
لا يمكن القطيعة بين هذه الأبعاد الثلاثة للزمن، كما يفعل بعضهم حسب مزاجه وغروره، بعض الناس كانوا يعيشون عيشة الفقراء، وكانوا يلجأون إلى الله سبحانه وتعالى، ولما أنجاهم الله سبحانه وتعالى وأنعم عليهم نسوا الله سبحانه وتعالى فأنساهم أنفسهم.
الماضي والحاضر والمستقبل ممتد، ولابد للإنسان أن يسير بدون قطيعة مع الماضي، بل علينا أن نتذكر الماضي دائما، ونسعى إلى المستقبل دائما، هناك ماضٍ وهناك حاضر وهناك مستقبل، فلابد للإنسان أن يتكامل في عملية سيره بين الماضي والحاضر والمستقبل، ولا يكون بسبب غروره، يقفز على هذه المراحل، ويقطع مع الماضي والمستقبل ويحاول أن يبني لنفسه مكانا خاصا بعيدا عن كل الأسباب والمسببات والعوامل المؤثرة الأخرى.
ثالثا: النتائج الحتمية التي تفرزها البدايات
لأنها مقادير حتمية لاختياراتنا في الحياة، فعندما نقفز على النتائج ونرجع الى الماضي، ونعود إلى السيرة السيئة في الحياة، يستعيد ويستنسخ الانسان خياراته السيئة في مراحل حياته الممتدة.
لابد أن يتيقن الإنسان إن لكل سلوك نتيجة، وكل عمل يعمله وكل فعل يفعله له عاقبة، فلابد أن يكون فعله مدروسا ومتعقلا ويلتزم به، حتى تكون بداياته ونهايته (عودا وبدءا) واحدة، لا يقفز على المراحل والنتائج، ولا على الوقائع والواقعيات ولاينكر الحقائق.
فهذه الواقعيات التي قفزوا عليها عندما استشهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قفزوا على الواقع، وعبروا المرحلة، وبالنتيجة قطعوا مع رسول الله ومع الإمام علي ومع فاطمة الزهراء، قفزوا إلى مرحلة غامضة، وبالنتيجة أدت هذه المرحلة إلى انحراف شديد، وأدى هذا الانحراف إلى سقوط الأمة في التخلف، لذلك لابد لنا أن نفهم كلام السيدة الزهراء (عليها السلام) حتى نستعيد ونعود إلى البدايات التي كانت عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإلى بدايات أهل البيت (عليهم السلام) حتى نحقق النهايات الصحيحة.
وللبحث تتمة...
اضف تعليق