q
إسلاميات - اهل البيت

يوم الغدير

من كنت مولاه، فعلي مولاه، ولماذا قرن العترة بالكتاب؟ وجعلها قدوة لأولي الألباب إلى يوم الحساب؟ وفيم هذا الاهتمام العظيم من هذا النبي الحكيم؟ وما المهمة التي احتاجت إلى هذه المقدمات كلها؟ وما الغاية التي توخاها في هذا الموقف المشهور؟ وما الشيء الذي أمره الله تعالى بتبليغه...
بقلم: السيد محمد كاظم القزويني، من كتاب الامام علي (ع) من المهد الى اللحد

قال الله تبارك وتعالى: (يا أيها الرســـول بلغ ما أنـــزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس)(1).

أيها الأخوة كلامنا ـ الليلة ـ حول واقعة الغدير، تلك الواقعة التي أكمل الله فيها الدين وأتم فيها النعمة، يوم تتويج الإمام المرتضى (عليه السلام) بتاج الخلافة العظمى والإمامة الكبرى.

وهذا البحث من أهم البحوث الإسلامية، وهنا مفترق الطرق بين المذاهب الإسلامية، ويمكن لنا أن نقول: إن الكتب والمؤلفات التي كتبت حول هذا الموضوع بالذات وحول الإمامة والخلافة بصورة عامة ـ قد جاوزت العد والضبط والإحصاء، من إثبات أو رد أو مناقشة وما يدور في هذا الفلك.

ولا تسألوا عن الأرواح التي زهقت في سبيل هذه الواقعة ومضاعفاتها في خلال أربعة عشر قرناً، وما هناك من مآسي وكوارث ومصائب ومجازر وفتن تتعب القارئ وتجهد السامع.

وحيث إن الإمامة ـ عندنا ـ تالية للنبوة من حيث كونها وظيفة إلهية ومنصب رباني ليس لأحد حق الانتخاب أو الرد فيها، كما قال تعالى (وما كان لمؤمن ولا مؤمنه إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة)(2) ولهذا لا بأس بذكر هذه الواقعة وما يتعلق بها من أقوال الصحابة وأهل البيت والتابعين وتابعيهم من المحدثين والمفسرين والمؤرخين والشعراء والأئمة والأعلام والحفاظ.

ومن العجب أن عدداً من النصارى ذكروا هذه الحادثة نظماً ونثراً ولعلنا نشير إلى بعض أقوال هؤلاء بصورة موجزة رعاية للاختصار.

ومن أعجب العجب أن بعض المسلمين بعد إقامة الأدلة الكافية والبراهين الشافية والحجج القاطعة على خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام) وبعد المناقشة في سند الحديث ودلالة متنه ومفهومه قال: إن عليا هو الأفضل ولكن غيره أصلح!! سبحان الله هذه كلمة تضحك الثكلى! لأن معناها، إن الله ورسوله ما كانا يعرفان الأصلح؟ أو كانا يعرفانه ولكنهما قدما غير الأصلح، نعوذ بالله من الباطل.

والأفضل أن نذكر الواقعة بصورة موجزة ثم ننظر أين ينتهي بنا الكلام؟ وأقوال المفسرين والمحدثين تختلف من حيث الإيجاز والتفصيل، ولكن المفاد واحد، وهذه صورة الواقعة: لما قضى رسول الله مناسكه وانصرف راجعاً إلى المدينة ومعه من كان من الجموع الغفيرة ووصل إلى غدير خم من الجحفة التي تتشعب فيها طرق المدنيين والمصريين والعراقيين وذلك يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجة نزل إليه جبرائيل الأمين عن الله بقوله: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك)(3) الآية.

وأمره أن يقيم علياً علماً للناس ويبلغهم ما نزل فيه من الولاية وفرض الطاعة على كل أحد، وكان أوائل القوم قريباً من الجحفة فأمر رسول الله أن يرد من تقدم منهم، ويحبس من تأخر عنهم في ذلك المكان ونهى عن سمرات خمس متقاربات دوحات عظام أن لا ينزل تحتهن أحد، حتى إذا أخذ القوم منازلهم فقم (كنس) ما تحتهن حتى إذا نؤدي بالصلاة صلاة الظهر عمد إليهن فصلى بالناس تحتهن، وكان يوماً هاجراً يضع الرجل بعض رداءه على رأسه وبعضه تحت قدميه من شدة الرمضاء، وظلل لرسول الله بثوب على شجرة سمرة من الشمس، فلما انصرف الرسول (صلّى الله عليه وآله) من صلاته قام خطيباً وسط القوم على اقتاب الإبل وأسمع الجميع رافعاً عقيرته فقال: الحمد لله ونستعينه ونؤمن به، ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، الذي لا هادي لمن ضل، ولا مضل لمن هدى وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمد عبده ورسوله ـ أما بعد ـ : أيها الناس قد نبأني اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبي إلا مثل نصف عمر الذي قبله، وإني أُوشك أن أُدعى فأُجيب، وإني مسؤول وانتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت ونصحت وجهدت فجزاك الله خيراً.

قال: ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن جنته حق وناره حق وأن الموت حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور؟ قالوا: بلى نشهد بذلك، قال: اللهم أشهد ثم قال: أيها الناس ألا تسمعون؟ قالوا نعم قال: فإني فرط علي الحوض، وانتم واردون علي الحوض، وإن عرضه ما بين صنعاء وبصرى فيه أقداح عدد النجوم من فضة فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين.

فنادى مناد: وما الثقلان يا رسول الله؟ قال: الثقل الأكبر كتاب الله طرف بيد الله عز وجل وطرف بأيديكم فتمسكوا به لا تضلوا، والآخر الأصغر عترتي، وإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فسألت ذلك لهما ربي، فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ـ ثم أخذ بيد علي فرفعها حتى رئي بياض آباطهما وعرفه القوم أجمعون ـ، فقال: أيها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟ فمن كنت مولاه فعلي مولاه، يقولها ثلاث مرات، وفي لفظ أحمد إمام الحنابلة: أربع مرات ثم قال: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحب من أحبه، وأبغض من بغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار، ألا فليبلغ الشاهد الغائب.

وقد ذكروا لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) خطبة مفصلة جداً رواها الطبرسي في الاحتجاج، ورواها غيره في كتبهم بغير تفصيل، وكيف كان لما فرغ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من خطبته نزل وأمر المسلمين أن يبايعوا علياً بالخلافة ويسلموا عليه بإمرة المؤمنين.

فتهافت عليه الناس يبايعونه، وجاء الشيخان: أبو بكر وعمر إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقالا: هذا أمر منك أم من الله؟ فقال النبي: وهل يكون هذا عن غير أمر الله؟ نعم أمر من الله ورسوله فقاما وبايعا، فقال عمر: السلام عليك يا أمير المؤمنين بخ بخ لك لقد أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنه!! هذه الواقعة من أشهر الحوادث بين المفسرين والمحدثين والمؤرخين، وتعتبر عندهم من أصح الأحاديث لتواتر الروايات الواردة حول الحديث.

أما الصحابة الذين شهدوا بالغدير فالمشهور منهم مائة ونيف وإليك أسماؤهم حسب الحروف:

1 ـ أبو هريرة.

2 ـ أبو ليلى الأنصاري.

3 ـ أبو زينب بن عوف الأنصاري.

4 ـ أبو فضالة الأنصاري.

5 ـ أبو قدامه الأنصاري.

6 ـ أبو عمرة بن عمر بن محضر الأنصاري.

7 ـ أبو الهيثم بن التيهان.

8 ـ أبو رافع القبطي.

9 ـ أبو ذويب بن خويلد.

10 ـ أبو بكر بن أبي قحافة.

11 ـ أسامة بن زيد.

12 ـ أسعد بن زراره الأنصاري.

13 ـ أبي بن كعب الأنصاري.

14 ـ أسماء بنت عميس.

15 ـ أم كلثوم زوجة النبي (صلّى الله عليه وآله).

16 ـ أم هاني بنت أبي طالب.

17 ـ براء بن عازب الأنصاري.

18 ـ أبو حمزة أنس بن مالك.

19 ـ بريرة بن الخصيب.

20 ـ أبو سعيد ثابت بن وديعة الأنصاري.

21 ـ جاب بن ثمرة.

22 ـ جابر بن عبد الله الأنصاري.

23 ـ جبلة بن عمرو الأنصاري.

24 ـ جبير بن مطعم.

25 ـ جرير بن عبد الله.

26 ـ أبو ذر جندب بن جنادة.

27 ـ أبو جنيدة جندع بن عمرو.

28 ـ حبة بن جرير العرني.

29 ـ حبشي بن جنادة.

30 ـ حبيب بن بديل..

31 ـ حذيفة بن أسيد.

32 ـ حذيفة بن اليمان.

33 ـ حسان بن ثابت.

34 ـ الإمام الحسن بن علي (عليه السلام).

35 ـ الإمام الحسين بن علي (عليه السلام).

36 ـ أبو أيوب الأنصاري.

37 ـ خالد بن الوليد.

38 ـ خزيمة بن ثابت.

39 ـ خويلد بن عمر الخزامي.

40 ـ رفاعة بن عبد المنذر الأنصاري.

41 ـ زبير بن العوام.

42 ـ زيد بن ثابت.

44 ـ زيد بن عبد الله الأنصاري.

45 ـ زيد بن يزيد بن شراحيل الأنصاري.

46 ـ سعد بن أبي وقاص.

47 ـ سعد بن جنادة.

48 ـ سعد بن عبادة.

49 ـ أبو سعيد الخدري.

51 ـ سعيد بن سعد بن عبادة الأنصاري.

52 ـ سلمان الفارسي.

53 ـ سمرة بن جندب.

54 ـ سلمة بن عمرو.

55 ـ سهل بن ساعد الأنصاري.

57 ـ أبو أمامة الصدي بن عجلان.

58 ـ ضميرة الأسدي.

59 ـ طلحة بن عبيد الله.

60 ـ عامر بن عمير.

61 ـ عامر بن ليلى.

62 ـ عامر بن وائلة.

63 ـ عامر بن ليلى العقاري.

64 ـ عائشة بنت أبي بكر.

65 ـ عباس بن عبد المطلب عم النبي (صلّى الله عليه وآله).

66 ـ عبد الرحمن بن عبد رب الأنصاري.

67 ـ عبد الرحمن بن عوف.

68 ـ عبد الرحمن بن يعمر.

69 ـ عبد الله بن أبي عبد الأسد المخزومي.

70 ـ عبد الله بن بديل.

71 ـ عبد الله بن بشير.

72 ـ عبد الله بن ثابت الأنصاري.

73 ـ عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.

74 ـ عبد الله بن حنطب.

75 ـ عبد الله بن ربيعة.

76 ـ عبد الله بن عباس.

77 ـ عبد الله بن أبي أوفى.

78 ـ عبد الله بن عمر بن الخطاب.

79 ـ عبد الله ياميل.

80 ـ عثمان بن عفان.

81 ـ عدي بن حاتم.

82 ـ عبيد بن عازب الأنصاري.

83 ـ عطية بن يسر.

84 ـ عقبة بن عامر.

85 ـ علي بن أبي طالب (عليه السلام).

86 ـ عمار بن ياسر.

87 ـ عمارة الخزرجي.

88 ـ عمر بن أبي سلمة.

89 ـ عمر بن الخطاب.

90 ـ عمران بن حصين.

91 ـ عمرو بن الحمق الخزاعي.

92 ـ عمرو بن شراحيل.

93 ـ عمرو بن العاص.

94 ـ عمرو بن مرة.

95 ـ فاطمة الزهراء بنت النبي (عليها السلام).

96 ـ فاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب.

97 ـ قيس بن ثابت.

98 ـ قيس بن سعد بن عبادة.

99 ـ كعب بن عجرة.

100 ـ مالك بن الحويرث.

101 ـ المقداد بن عمرو الكندي.

102 ـ ناجية بن عمرو الخزاعي.

103 ـ أبو برزة فضلة بن عتبة.

104 ـ نعمان بن عجلان.

105 ـ هاشم المرقال.

106 ـ وهب بن حمزة.

107 ـ وهب بن عبد الله.

108 ـ وحشي بن حرب.

109 ـ يعلى بن مرة

إكمال الدين

ولما انتهت البيعة لأمير المؤمنين (عليه السلام) هبط جبرائيل على النبي (صلّى الله عليه وآله) بهذه الآية: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً)(4).

أما المفسرون والمحدثون الشيعة فقد اتفقت كلمتهم على نزول هذه الآية يوم الغدير بعد انتهاء البيعة لعلي (عليه السلام) وأما من حفاظ أهل السنة ومحدثيهم فقد روى:

1 ـ محمد بن جرير الطبري في كتاب: (الولاية).

2 ـ الحافظ ابن مردويه روي عنه في تفسير ابن كثير.

3 ـ الحافظ أبو نعيم الأصبهاني روى في كتابه: (ما نزل من القرآن في علي).

4 ـ أبو بكر الخطيب البغدادي في تاريخه ج8.

5 ـ أبو سعيد السجستاني في كتابه (الولاية).

6 ـ الحافظ أبو القاسم الحاكم الحسكاني في كتابه (دعاة الهداة إلى أداء حق الموالاة)

7 ـ الحافظ أبو القاسم بن عساكر.

8 ـ أبو الحسن بن المغازل روى في مناقبه.

9 ـ أخطب الخطباء الخوارزمي روى في المناقب.

10 ـ أبو الفتح النطنزي روى في كتابه الخصائص العلوية.

11 ـ أبو حامد سعد الدين الصالحي روى عنه شهاب الدين أحمد في توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل.

12 ـ سبط ابن الجوزي ذكر في تذكرته.

13 ـ شيخ الإسلام الحمويني روى في فرائد السمطين.

14 ـ عماد الدين ابن كثير القرشي روى في تفسيره.

15 ـ جلال الدين السيوطي الشافعي في الدر المنثور وفي الإتقان.

16 ـ منير محمد البدخشي روى في كتاب مفتاح النجاة.

نزول العذاب

انتشر خبر واقعة الغدير، وشاع وطار في البلاد فبلغ ذلك الحارث ابن النعمان الفهري، فأتى رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، على ناقة له حتى أتى الأبطح فنزل عن ناقته فأناخها، فقال: يا محمد أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله، وانك رسول الله فقبلناه، وأمرتنا أن نصلي خمساً فقبلناه منك وأمرتنا أن نصوم شهراً فقبلنا، وأمرتنا بالحج فقبلنا ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبع ابن عمك، ففضلته علينا وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه، فهذا شيء منك أم من الله عز وجل؟ فقال: والذي لا إله إلا هو إن هذا من الله.

فولى الحارث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول: اللهم إن كان ما يقول محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم.

فما وصل إليها ـ راحلته ـ حتى رماه الله تعالى بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره وقتله، وأنزل الله عز وجل: (سأل سائل بعذاب واقع، للكافرين ليس له دافع، من الله ذي المعارج)(5).

الذين رووا نزول هذه الآية في شأن الحارث بن النعمان هم:

1 ـ الحافظ أبو عبيد الهروي في تفسيره غريب القرآن.

2 ـ أبو بكر النقاش الموصلي في تفسيره شفاء الصدور.

3 ـ أبو إسحاق الثعلبي النيسابوري في تفسيره الكشف والبيان.

4 ـ الحاكم أبو القاسم الحسكاني في كتابه (دعاة الهداة).

5 ـ أبو بكر يحيى القرطبي في تفسيره.

6 ـ سبط ابن الجوزي الحنفي رواه في تذكرته.

7 ـ إبراهيم بن عبد الله اليمني الشافعي روى في كتابه الاكتفاء.

8 ـ الحمويني في فرائد السمطين.

9 ـ الشيخ محمد الزرندي الحنفي روى في كتابيه معارج الوصول ودرر السمطين.

10 ـ شهاب الدين أحمد في كتابه هداية السعداء.

11 ـ ابن الصباغ المالكي في كتابه الفصول المهمة.

12 ـ نور الدين السمهودي الشافعي رواه في جواهر العقدين.

13 ـ أبو السعود العمادي في تفسيره.

14 ـ شمس الدين الشربيني الشافعي في تفسيره السراج المنير.

15 ـ جمال الدين الشيرازي في كتابه الأربعين.

16 ـ شيخ زيد الدين المناوي الشافعي في كتابه فيض القدير.

17 ـ السيد ابن العبدروس الحسيني اليمني في كتابه العقد النبوي والسير المصطفوي.

18 ـ الشيخ أحمد ابن باكثير الشافعي ذكره في وسيلة المآل في عد مناقب الآل.

19 ـ الشيخ عبد الرحمن الصفوي روى في نزهته.

20 ـ الشيخ برهان الدين علي الحلبي الشافعي في السيرة الحلبية.

21 ـ السيد محمود بن محمد القادري المدني قال في تأليفه الصراط السوي في مناقب النبي.

22 ـ شمس الدين الحنفي الشافعي في شرح الجامع الصغير للسيوطي.

23 ـ الشيخ محمد صدر العالم سبط الشيخ أبي الرضا قال في كتابه معارج العلى في مناقب المرتضى.

24 ـ الشيخ محمد محبوب العالم رواه في تفسيره المعروف بتفسير شاهي.

25 ـ أبو عبد الله الزرقاني المالكي حكاه في شرح المواهب اللدنية.

26 ـ أحمد بن عبد القادر الشافعي ذكره في كتابه ذخيرة المآل.

27 ـ السيد أحمد بن إسماعيل اليماني ذكره في كتابه الروضة الندية.

28 ـ السيد مؤمن الشبلنجي الشافعي ذكره في كتابه نور الأبصار.

29 ـ الأستاذ الشيخ محمد عبده المصري في تفسير المنار.

أما المحدثون والمفسرون من الشيعة فلا يشك منهم أحد في نزول هذه الآية في شأن الحرث أو الحارث.

معاني المولى

ذكر اللغويون لكلمة (المولى) عشرين معنى، وهذا هو سبب المناقشة في مفهوم الحديث، فيقول أصحاب القلوب المريضة: لم يظهر لنا المقصود من كلمة (مولاه)، ونجيب عن هذه المناقشة أو التشكيك بهذه الرواية المفسرة لمعنى المولى، فقد روي أن عماراً سأل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن معنى قوله: (من كنت مولاه فعلي مولاه) قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): الله مولاي: أولى بي من نفسي لا أمر لي معه، وأنا مولى المؤمنين: أولى بهم من أنفسهم، ولا أمر لهم معي، ومن كنت مولاه: أولى به من نفسه لا أمر له معي، فعلي مولاه: أولى به من نفسه لا أمر له معه.

سبحان الله! ما يصنع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يعد هذا التفصيل والتشريح والبيان الكافي الموضح لكلامه والمبين لمقصوده؟ وهل أبقى لأحد شكا؟ وهل بقيت لأحد حجة على الله؟ بل أتم الحجة على الجميع، وأدى رسالة ربه على أحسن ما يرام، وأفضل ما يمكن.

ولسيدنا الحجة المغفور له عبد الحسين شرف الدين (عليه الرحمة) بحث لطيف وتحقيق ظريف حول كلمة المولى نذكره تتميما للفائدة:

(فلو سألكم فلاسفة الأغيار عما كان منه يوم غدير خم فقال لماذا منع تلك الألوف المؤلفة يومئذ عن المسير؟ وعلى م حبسهم في تلك الرمضاء بهجير؟ وفيم اهتم بإرجاع من تقدم منهم وإلحاق من تأخر؟ ولم أنزلهم جميعا في ذلك العراء على غير كلاء ولا ماء؟

ثم خطبهم عن الله عز وجل في ذلك المكان الذي منه يتفرقون ليبلغ الشاهد منهم الغائب، وما المقتضي لنعي نفسه إليهم في مستهل خطابه؟ إذ قال: (يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، وإني مسؤول وإنكم مسؤولون) وأي أمر يسأل النبي (صلّى الله عليه وآله)، عن تبليغه؟ وتسأل الأمة عن طاعتها فيه؟ ولماذا سألهم فقال: ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن جنته حق، وأن ناره حق، وأن الموت حق، وأن البعث حق بعد الموت، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور؟ قالوا: بلى نشهد بذلك ولماذا أخذ حينئذ على سبيل الفور بيد علي فرفعها حتى بان بياض إبطيه؟ فقال: يا أيها الناس إن الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، ولماذا فسر كلمته ـ وأنا مولى المؤمنين ـ بقوله: وأنا أولى بهم من أنفسهم؟ ولماذا قال بعد هذا التفسير: فمن كنت مولاه فهذا مولاه، أو من كنت وليه فهذا وليه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، ولِمَ خصّه بهذه الدعوات التي لا يليق لها إلا أئمة الحق وخلفاء الصدق؟؟ ولماذا أشهدهم من قبل، فقال ألست أولى بكم من أنفسكم؟

فقالوا: بلى.

فقال: من كنت مولاه، فعلي مولاه، أو من كنت وليه، فعلي وليه؟ ولماذا قرن العترة بالكتاب؟ وجعلها قدوة لأولي الألباب إلى يوم الحساب؟ وفيم هذا الاهتمام العظيم من هذا النبي الحكيم؟ وما المهمة التي احتاجت إلى هذه المقدمات كلها؟ وما الغاية التي توخاها في هذا الموقف المشهور؟ وما الشيء الذي أمره الله تعالى بتبليغه إذ قال عز من قائل: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس)(6) وأي مهمة استوجبت من الله هذا التأكيد؟ واقتضت الحض على تبليغها بما يشبه التهديد؟ وأي أمر يخشى النبي الفتنة بتبليغه؟ ويحتاج إلى عصمة الله من أذى المنافقين ببيانه؟ أكنتم ـ بجدك لو سألكم عن هذا كله ـ تجيبونه بأن الله عز وجل ورسوله (صلّى الله عليه وآله) إنما أراد بيان نصرة علي للمسلمين وصداقته لهم، ليس إلا؟ ما أراكم ترضون هذا الجواب، ولا أتوهم أنكم ترون مضمونه جائزا على رب الأرباب، ولا على سيد الحكماء، وخاتم الرسل والأنبياء وأنتم أجل من أن يصرف هممه كلها، وعزائمه بأسرها إلى تبيين شيء بين لا يحتاج إلى بيان، وتوضيح أمر واضح بحكم الوجدان والعيان، ولا شك أنكم تنزهون أفعاله وأقواله عن أن تزدري بها العقلاء، أو ينتقدها الفلاسفة والحكماء بل لا ريب في أنكم تعرفون مكانة قوله وفعله من الحكمة والعصمة، وقد قال الله تعالى: (إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثـــم أمين وما صاحبــــكم بمجنون)(7) فيهتم بتوضيح الواضحات وتبيين ما هو بحكم البديهيات، ويقدم لتوضيح هذا الواضح مقدمات أجنبية ولا ربط له بها ولا دخل لها فيه، تعالى الله عن ذلك ورسوله علواً كبيراً وأنت ـ نصر الله بك الحق ـ تعلم أن الذي يناسب مقامه في ذلك الهجير ويليق بأفعاله وأقواله يوم الغدير، إنما تبليغ عهده، وتعيين القائم من بعده، والقرائن اللفظية، والأدلة العقلية، توجب القطع الثابت الجازم بأنه (صلّى الله عليه وآله) ما أراد يومئذ إلا تعيين علي وليا لعهده، وقائما من بعده، فالحديث مع ما قد حفّ به من القرائن نص جلي في خلافة علي لا يقبل التأويل، وليس إلى صرفه عن هذا المعنى من سبيل، وهذا واضح (لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد)(8).

أما القرينة التي زعموها فجزاف وتضليل، ولباقة في التخليط والتهويل، لأن النبي (صلّى الله عليه وآله) بعث عليا إلى اليمن مرتين، والأولى كانت سنة ثمان وفيها أرجف المرجفون به وشكوه إلى النبي بعد رجوعهم إلى المدينة، فأنكر عليهم ذلك حتى أبصروا الغضب في وجهه، فلم يعودوا لمثلها، والثانية كانت سنة عشر وفيها عقد النبي له اللواء وعممه (صلّى الله عليه وآله) بيده، وقال له: امض ولا تلتفت.

فمضى لوجهه راشداً مهدياً، حتى أنفذ أمر النبي، ووافاه (صلّى الله عليه وآله) في حجة الوداع، وقد أهلّ بما أهلّ به رسول الله فأشركه (صلّى الله عليه وآله) بهديه، وفي تلك المرة لم يرجف به مرجف، ولا تحامل عليه مجحف، فكيف يمكن أن يكون الحديث مسبباً عما قاله المعترضون؟ أو مسوقاً للرد على أحد كما يزعمون.

على أن مجرد التحامل على علي، لا يمكن أن يكون سبباً لثناء النبي عليه، بالشكل الذي أشاد به (صلّى الله عليه وآله) على منبر الحدائج يوم خم، إلا أن يكون ـ والعياذ بالله ـ مجازفاً في أقواله وأفعاله، وهممه وعزائمه، وحاشا قدسي حكمته البالغة، فإن الله سبحانه يقول: (إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون تنزيل من رب العالمين)(9) ولو أراد مجرد بيان فضله، والرد على المتحاملين عليه، لقال: هذا ابن عمي، وصهري وأبو ولدي، وسيد أهل بيتي، فلا تؤذوني فيه، أو نحو ذلك من الأقوال الدالة على مجرد الفضل وجلالة القدر.

على أن لفظ الحديث لا يتبادر إلى الأذهان منه إلا ما قلناه، فليكن سببه مهما كان، فإن الألفاظ إنما تحمل على ما يتبادر إلى الإفهام منها، ولا يلتفت إلى أسبابها كما لا يخفى.

وأما ذكر أهل بيته في حديث الغدير، فإنه من مؤيدات المعنى الذي قلناه، حيث قرنهم بمحكم الكتاب وجعلهم قدوة لأولي الألباب، فقال: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي.

وإنما فعل ذلك لتعلم الأمة أن لا مرجع بعد نبيها إلا إليهما، ولا معول لها من بعده إلا عليها وحسبك في وجوب إتباع الأئمة من العترة الطاهرة اقترانهم بكتاب الله عز وجل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فكما لا يجوز الرجوع إلى كتاب يخالف في حكمه كتاب الله سبحانه وتعالى، لا يجوز الرجوع إلى إمام يخالف في حكمه أئمة العترة، وقوله (صلّى الله عليه وآله): إنهما لن ينقضيا أو لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، دليل على أن الأرض لن تخلو بعده من إمام منهم، وهو عدل الكتاب، ومن تدبر الحديث وجده يرمي إلى حصر الخلافة في أئمة العترة الطاهرة، ويؤيد ذلك ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض الخ...

وهذا نص في خلافة أئمة العترة (عليهم السلام).

وأنت تعلم أن النص على وجوب إتباع العترة نص على وجوب إتباع علي، وهو سيد العترة لا يدافع، وإمامها لا ينازع، فحديث الغدير وأمثاله، يشتمل على النص على علي تارة، من حيث أنه إمام العترة، المنزلة من الله ورسوله منزلة الكتاب، وأخرى من حيث شخصه العظيم وأنه ولي كل من كان رسول الله وليه، انتهى كلام السيد (ره).

أقول: وقد نظم الشعراء من المسلمين وغيرهم على اختلاف لغاتهم قصائد متينة فاخرة اشتهرت على مر القرون، تعطر بها المحافل والنوادي، وينشدها الغادي والبادي، ويترنم بها الموالي والمغالي، وقد ألف علماؤنا موسوعات كبيرة تتضمن الكثير من أشعارهم وقصائدهم وتراجمهم، ومن تلك الموسوعات موسوعة الغدير لشيخنا المفضال الحجة المرحوم الشيخ عبد الحسين الأميني (قدس سره)، فلقد كانت موسوعته إحدى مصادر حديثنا في هذه الليالي.

ومن جملة الذين نظموا واقعة الغدير هو سيدنا ومولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقد قال:

محمـد النبــي أخـي وصنوي وحمـزة ســـيد الشـــهداء عمي
وجعفر الذي يضحي ويمسي يطير مـع الملائكة ابـــن أمــــي
وبنـت محمد سكني وعرسي منــوط لحمـــها بدمــي ولحمـي
وسبطـا أحمـد ولــداي منــها فأيكـم لـــه ســــــهم كسـهـمــي
سبقتـكم إلـى الإسـلام طــــراً على ما كان من فـهمي وعلمــي
فأوجــب لـي ولايتـه عليكـــم رسول الله يـــوم غديـــر خـــــم

(الأبيات بصورة أخرى).

أخرج الإمام علي بن أحمد الواحدي عن أبي هريرة قال: اجتمع عدة من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) منهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير، والفضل بن العباس، وعمار، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو ذر، والمقداد، وسلمان، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أجمعين، فجلسوا وأخذوا في مناقبهم، فدخل عليهم علي (عليه السلام) فسألهم فيم أنتم؟ قالوا: نتذاكر مناقبنا مما سمعناه من رسول الله.

فقال علي (عليه السلام) اسمعوا مني ثم أنشأ يقول:

لقد علم الأنـاس بأن سهمــي من الإسلام يفضل كل سهـــــم
وأحمد النبــي أخي وصهري عليه الله صلى وابــن عمـــــي
وإني قــــــائد لـلــــناس طراً إلى الإسـلام من عـرب وعجــم
وقاتل كـــــل صنديد رئـيـس وجبــــار من الكفــــار ضخــــم
وفي القرآن ألزمــهم ولائــي وأوجــب طاعتـي فرضــاً بعـزم
كما هارون من موسى أخوه كذاك أنا أخــوه وذاك اسمـــــي
لذاك أقامنـــي لــهم إمــامـــاً وأخبرهـــم بــه بـغـــدير خــــــم
فمن منكم يعادلني بسهمـــي وإسـلامي وسابقتي ورحمــــــي
فويـــل ثــم ويـــل ثــم ويـــل لمن يلقـــى الإله غـداً بظلمـــــي
وويــل ثــم ويـــل ثــم ويـــل لجاحد طاعــتي ومريد هضمــي
وويـــل للــذي يشقى سفـاهـاً يريــد عــداوتي مـن غير جــرم

ومنهم حسان بن ثابت شاعر النبي (صلّى الله عليه وآله).

ذكر طائفة كبيرة من أعلام الإمامية والسنة أنه نصب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) علياً يوم غدير خم بالخلافة قال حسان بن ثابت: يا رسول الله أقول في علي شعراً؟ فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): افعل، فقال:

يناديهـــم يوم الغدير نبيهـــــــم بخمٍ وأسمع بالنبــــي مناديــــــا
وقد جاءه جبريل عن أمر ربــه بأنك معصوم فلا تــــك وانيــــــا
وبلغهم ما أنـــــزل الله ربهــــم إليك ولا تخشى هنـــاك الأعاديــا
فقام به إذ ذاك رافــــــع كفــــه بكف عــلي معلن الصوت عاليــا
فقال: فمن مولاكم ووليكــــــم؟ فقالوا ولم يبدوا هناك تعاميـــــا
إلهـــك مولانـــا وأنت ولينـــــا ولن تجدن فينا لك اليوم عاصـيـا
فـقــال لـــه: قم يا علي فإننــي رضيتك من بعدي إماماً وهاديـــا
فمـن كنـت مـولاه فهذا وليــــه فكونوا له أنصار صدق مواليـــا
هـناك دعا: اللهــم وال وليــــه وكــن للذي عادى عـلياً معـاديـــا
فيا رب أنصر ناصريه لنصرهم إمام هدى كالبدر يجلو الديـــاجيا

فلما فرغ حسان مؤيداً من هذا القول قال له النبي (صلّى الله عليه وآله): لا تزال يا حسان مؤيداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك.

كانت واقعة الغدير من أشهر الأمور الثابتة عند الصحابة والتابعين، ولهذا روي عنهم ذلك نظماً ونثراً، ويمكن لنا أن نقول: إن ثبوت الخلافة والولاية لعلي (عليه السلام) عند الصحابة كان كثبوت نبوة محمد (صلّى الله عليه وآله) عند المسلمين.

ومنهم: قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري سيد الخزرج، قام بين يدي أمير المؤمنين (عليه السلام) بصفين وقال:

قلت لما بغى الــعدو علينـــا حسبنا ربنا ونعــم الوكيــــل
حسبنا ربنا الذي فتح البصـ ـرة بالأمس والحديث طويل

ويقول فيها:

وعلي إمامـــــــنا وإمــــــــام لسوانا أتــــى به التنزيـــــل
يوم قال النبي: من كنت مولا ه فهذا مولاه خطب جليــــل
إن ما قاله النبي على الأمـــة حتم ما فيه قـــال وقـيــــــل

ومنهم عمرو بن العاص العدو اللدود للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) فلقد أشار في قصيدته الجلجلية إلى واقعة الغدير، ومهما حاول العدو كتمان فضائل خصمه فإن الحق قد يطفح من لسانه، قال في خطابه لمعاوية:

معاوية الحال لا تجهـل وعن سبل الحـــق لا تعدل
نسيت احتيالي في جلّقٍ على أهلها يوم لبس الحلي
إلى أن يقول:
نصرناك من جهلنا يا بن هـند على النبأ الأعظم الأفضـــل
وحيث رفعناك فـوق الرؤوس نزلنا إلى أسفل الأسفــــــــل
وكم قد سمعنا من المــصطفى وصــايا مخصصة في علـي
وفـي يوم خــــم رقــــى منبراً يبلغ والركب لم يرحــــــــل
وفـــــي كـــفه كـــفه معلــــــناً ينادي بأمر العزيز العلــــي
ألست بكم منكم في النفـــــوس بأولى؟ فقالوا: بلى فافعــــل
فأنحلـــــــه إمرة المؤمنيــــــن من الله مستخلف المنحـــــل
وقال: فمـــــن كنـــت مولى له فهذا له اليوم نعم الولـــــــي
فوالِ مواليـــــه يا ذا الـــــجلا ل، وعاد معـادي أخ المرسل
ولا تنقضوا الـعهد من عترتي فقاطعهم بـي لم يوصــــــــل
فبخبَخَ شيخـــــك لــــــما رأى عُرى عـقـد حيدر لم تحــــلل
فقال: وليكـــــــم فاحــــــفظوه فـمدخله فـيكــــم مدخلــــــي

إلى آخر القصيدة وهي ستة وستون بيتا.

ومن شعراء القرن الثاني الذين تطرقوا إلى واقعة الغدير هو أبو المستهل الكميت بن زيد الأسدي قال في عينيته:

نفى عن عينك الأرق الهجوعا وهمٌّ يمتري مــنها الدموعــا
إلى أن يقول:
لدى الرحمن يصدع بالمثانـي وكان له أبو حسن قريـــــــعا
وأصفاه النبي على اختيـــــار بما أعيى الرفوض له المذيعا
ويوم الدوح دوح غدير خُـــمٍّ أبان له الولاية لو أطيــــــــعا
ولكن الرجـــال تبايعوهـــــــا فلم أر مثلــها خطراً مبيـــــــعا
فلم أبلغ بها لـــــعنا ولكــــــن أساء بذاك أولهم صنيـــــــــعا
فصار بذاك أقربهم لـــــــعدل إلى جور وأحــفظهم مضيــــعا
أضاعوا أمر قائدهم فضلّـــوا وأقومهم لدى الحدثان ريــــعا
تناسوا حقه وبغوا عليــــــــه بلا ترة وكان لهم قريــــــــــعا

إلى آخر القصيدة.

ومنهم السيد إسماعيل بن محمد الحميري فقد ذكر قصة الغدير في كثير من قصائده فمنها قوله:

يا بايع الدين بدنـــــــــــــــياه لــــــــــــيس بهذا أمــــر الله
من أين أبغضت علي الوصي وأحمد قد كان يرضـــــــــــاه
من الذي أحمـــــد في بينهــم يوم غدير الخم نـــــــــــــاداه
أقامـــه من بين أصحابـــــــه وهم حواليه فسمــــــــــــــاه:
هذا علي بن أبـــــي طـــــالب مولى لمن قد كنت مـــــــولاه
فوال من والاه يا ذا العـــــــلا وعاد من قد كان عـــــــــاداه

ومن قصائده:

هلا وقفت على المكان المعشب بين الطويلع فاللوى من كبكــــب
ويقول فيها:
وبخُم إذ قال الإله بعزمــــــــه: قم يا محمــــد في البرية فاخـطـب
وانصب أبا حسن لقومك إنــــه هاد، ومـــــا بلّغت إن لم تنصــــب
فدعاه ثم دعاهـــم فأقامـــــــــه لهم، فـــبين مصدّق ومكـــــــــذب
جعـــل الولاية بعده لــــــمهذب ما كـــان يـجعلها لغير مهــــــــذب
وله مـــناقـب لا ترام متــى يرد ساع تنــاول بعضـــها يتذبـــــــذب
إنا ندين بحـــب آل محمـــــــــد ديناً ومن يحببهــــم يستوجـــــــب
منا المودة والولاء ومــــن يرد بدلاً بآل محمـــــــــد لا يحبــــــــب
ومتى يمت يرد الجحيــم ولا يــــرد حوض الرسول وإن يرده يضرب

إلى آخر القصيدة.

ومن فرائده القصيدة العينية المعروفة:

لأم عـمــرو باللوى مــــــربــع طـــامسة أعلامــــــــــــها بلقـــــع
إلى أن يقول:
عجبت من قوم أتوا أحمــــدا بخطبـــــة ليس لــــــها موضــع
قالوا له: لو شئت أعلمـــــتنا إلى من الغــــــــاية والمفــــزع؟
إذا تــوفيـــــت وفارقــــــــتنا وفيهم في الــــــملك من يطمـع؟
فقـــال: لو أعلمتكـم مفزعـــاً كنتم عسيتم فيه أن تصنــــــعوا
صنيع أهل العجـل إذ فارقوا هارون فالتـــــــــرك له أوســـع
وفي الذي قال بيـــان لمــــن كــان إذا يعقـــــــــل أو يسمـــع
ثم أتتـــه بعد ذا عـــزمــــــة مـــــن ربـــــه ليس لها مدفــــع:
بلّـــــغ وإلا لم تــكن مبلغـــاً والله منهـــــــم عـــاصم يمنـــــع
فعندها قام النبـــي الــــــذي كــــــان بما يأمـــــــر به يصـدع
يخطب مأموراً وفــي كفـــه كف علــــــي ظـــــــاهر تلمـــــع
رافعها، أكرم بكــف الـــذي يرفــــــــع والكف الذي تُرفــــــع
يقول والأملاك مــن حولــه والله فيهم شــــــاهد يسمـــــــــع:
من كنت مـــولاه فهذا لــــه مولى فلم يرضوا ولم يقنــــــــعوا
فاتهموه وحنـــت فيهـــــــم على خلاف الصدق الأصلــــــــع
وضلّ قوم غاظهـــم فعلـــه كأنمــــــا آنافهـــــــــم تجــــــــدع
حتى إذا واروه في لحــــده وانصــــرفوا عن دفنــــه ضيــعوا
ما قال بالأمس وأوصى به واشتروا الضـــــر بمـــــا ينفـــــع
إلى آخر القصيدة وهي أربعة وخمسون بيتا.

عيد الغدير

الأعياد الدينية والوطنية لها أهمية عند الأمم، وتهتم لها بمقدار تلك المناسبة من طقوس دينية وعادات وتقاليد محلية وشعبية، وأصول وقواعد تنسجم مع ذلك العيد.

ومناسبة عيد الغدير كانت ولا تزال ذات أهمية عظيمة عند الله تعالى وعند رسوله وأهل البيت (عليهم السلام) وبقية المسلمين.

أما الأهمية عند الله تعالى، فهو يوم توّج الله فيه عليا بالخلافة والولاية، ونزل جبرائيل من عند الله مهنئا الرسول الأعظم بالتتويج بقوله عز من قائل: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً)(10).

حتى روى الحافظ أبو سعيد في كتابه (شرف المصطفى) عن أحمد بن حنبل وعن أبي سعيد الخدري عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنه قال ـيوم الغديرـ هنئوني، إن الله تعالى خصني بالنبوة وخصّ أهل بيتي بالإمامة.

وعلى هذا كان كل من الشيخين: أبي بكر وعمر يهنّئ علياً بقوله: (طوبى لك.

أو: بخ بخ.

أو: هنيئاً لك، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة) كما ذكره زيني دحلان في الفتوحات الإسلامية والدارقطني كما في شرح المواهب.

وقد روى فرات بن إبراهيم الكوفي عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن آبائه قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): يوم غدير خم أفضل أعياد أمتي، وهو اليوم الذي أمرني الله (تعالى ذكره) بنصب أخي علي بن أبي طالب علما لأمتي يهتدون به من بعدي، وهو اليوم الذي أكمل فيه الدين، وأتم على أمتي فيه النعمة، ورضي لهم الإسلام دينا.

واقتفى الأئمة الطاهرون نهج جدهم الرسول الأعظم في تعظيم هذا اليوم وكثرة الاهتمام به، كما روي عن فرات بن أحنف عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: قلت: جعلت فداك، للمسلمين عيد أفضل من عيد الفطر والأضحى ويوم الجمعة ويوم عرفة؟ فقال لي: نعم، أفضلها وأعظمها وأشرفها عند الله منزلة هو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين، وأنزل على نبيه محمد: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) قال: قلت: وأي يوم هو؟ قال: إن أنبياء بني إسرائيل كانوا إذا أراد أحدهم أن يعقد الوصية والإمامة من بعده ففعل ذلك جعلوا ذلك اليوم عيداً، وإنه اليوم علماً، وأنزل فيه ما أنزل.

وكمل فيه الدين، وتمت فيه النعمة على المؤمنين.

قال: قلت: وأي يوم هو في السنة؟ فقال لي: إن الأيام تتقدم وتتأخر، وربما كان يوم السبت والأحد والاثنين إلى آخر الأيام السبعة قال قلت: فما ينبغي لنا أن نعمل في ذلك اليوم؟ قال: هو يوم عبادة وصلاة وشكر لله وحمد له، وسرور لما من الله به عليكم من ولايتنا، فإني أحب لكم أن تصوموا.

والروايات في هذا الباب كثيرة جداً، وكانت ولا تزال الشيعة تجعل هذا اليوم عيداً في العراق وإيران والهند وباكستان وسوريا ولبنان وغيرها من البلاد التي يقطن فيها عدد من الشيعة.

وكانت البلاد المغربية في عهد الأدارسة والفاطميين وغيرهم تحتفل في هذا اليوم سروراً وبهجة وتشترك الحكومة والشعب في ذلك.

ولكن بمرور الزمن وتطور الأحوال أصبح هذا العيد نسياً منسياً في بعض البلاد العربية الأفريقية.

وإنني أعتقد أن الاهتمام بهذا العيد أولى من بقية الأعياد، وإقامة الحفلات في هذه المناسبة السعيدة أحرى من أية مناسبة أخرى.

لأن المناسبة مهمة جداً، تسترعي الانتباه والعناية والرعاية أكثر وأكثر.

................................................
(1) سورة المائدة، الآية: 67.
(2) سورة الأحزاب، الآية: 36.
(3) سورة المائدة، الآية: 67.
(4) سورة المائدة، الآية: 3.
(5) سورة المعارج، الآيات: 1ـ3.
(6) سورة المائدة، الآية: 67.
(7) سورة التكوير، الآيات: 19ـ22.
(8) سورة ق، الآية: 37.
(9) سورة الحاقة، الآيات: 40ـ43.
(10) سورة المائدة، الآية: 3.

اضف تعليق