سألني صديق مصري عن زيارة الأمام الكاظم وعن هذه الحشود الكبيرة وهي تقطع مسافات طويلة سيرة نحو مرقد الأمام، بل لأكون دقيقا في تساؤلي فمن هو الأمام الكاظم الذي تشدون الرحال نحوم رقده؟ ولماذا كل هذا الارتباط بالماضي وشدد بقوله: (لماذا كل هذا النفخ بالماضي؟)، وهل تحقق الزيارة مكاسب معينة للشعب العراقي؟
الحقيقة أن هذه التساؤلات أحيانا تنطلق من أناس تبحث عن الحقيقة، وتريد معلومة تريح نفسها، وأحيان أخرى تنطلق من أناس لا هم لها الا التشكيك والطعن، والسعي لإثارة الضغائن، لكن اعتقد الإجابة لهذه التساؤلات أمر مهم للكل، ويمكن أن نشكر من يسال لأنه يعطينا فرصة للتفكير.
● من هو الأمام الكاظم؟
هو خليفة سلفه الطاهرين وجده النبي الأمين (ص)، وهو الإمام السابع، موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الكاظم سلام الله عليهم أجمعين، ولد الإمام موسى الكاظم (ع) في قرية يقال لها (( الأبواء)) تقع بين مكة والمدينة المنورة، يوم الأحد في اليوم السابع من شهر صفر من سنة ثمان وعشرين ومائة للهجرة، كان الإمام موسى الكاظم عظيم الفضل رابط الجأش واسع العطاء، وقال الشيخ المفيد في الإرشاد "كان موسى بن جعفر عليه السلام أجل ولد أبي عبد الله قدرا، وأعظمهم محلا، وأبعدهم في الناس صيتا، ولم ير في زمانه أسخي منه ولا أكرم نفسا وعشرة، وكان أعبد أهل زمانه وأورعهم وأجلهم وأفقههم واجتمع جمهور شيعة أبيه على القول بإمامته والتعظيم لحقه والتسليم لأمره".
وقال ابن شهر آشوب في حق الأمام الكاظم " كان أفقه أهل زمانه وأحفظهم لكتاب الله وأحسنهم صوتا بالقرآن فكان إذا قرأ تحزن وبكى وبكى السامعون لتلاوته وكان أجل الناس شأنا وأعلاهم في الدين مكانا وأفصحهم لسانا وأشجعهم جنانا قد خصه الله بشرف الولاية وحاز إرث النبوة وبوئ محل الخلافة سليل النبوة وعقيدة".
عاصر الأمام الكاظم بقية حكم أبي جعفر المنصور العباسي، ومن بعده ابنه محمد المهدي الذي ملك عشر سنين وشهراً وأياماً، ومن بعده ابنه موسى الهادي ابن محمد المهدي الذي ملك سنة وخمسة عشر يوماً، ثم من بعده ملك أخوه هارون الرشيد ثلاثاً وعشرين سنة وشهرين وسبعة عشر يوماً، واستشهد الإمام الكاظم (ع) بعد مضي خمس عشرة سنة منها.
قضى(ع) فترة من حياته في ظلمات السجون يُنقل من سجن إلى سجن، فقد سجنه محمد المهدي العباسي، ثم أطلقه وسجنه هارون الرشيد في البصرة عند عيسى بن جعفر، ثم نقله إلى سجن الفضل بن الربيع في بغداد، ثم نقله إلى سجن آخر عند الفضل بن يحيى، وآخر سجن نقل إليه في بغداد وهو سجن السندي بن شاهك، وكان أشد السجون عذاباً وظلمة، وكان لا يُعرف الليل من النهار فيه، لقد تحمل الإمام من ملوك زمانه، ومن الساعين إليهم في حقه ومن الحساد والفساق، أذى كثيراً ومصائب عظيمة.
وكان السندي بن شاهك شديد النصب والعداوة لآل الرسول (ص) إلى أن أمره الرشيد بسم الإمام، واستشهد الإمام مظلوماً في السجن المظلم تحت القيود والأغلال يوم الجمعة في الخامس والعشرين من شهر رجب من سنة ثلاث وثمانين بعد المائة من الهجرة الشريفة.
● إظهار حقيقة الماضي
دوما السلطة الحاكمة في كل زمان ومكان، تحاول أن تجمل سيرتها، وتسعى بكل ما تملك من قدرات أن تجعل كتابة التاريخ حسب هواها، وقضية الإمام الكاظم تمثل قضية فاضحة للسلطة فهي عبارة عن ممارسة الجور بوجه رمز الأمة، ففي أيام الخليفة العباسي هارون كان هم الخليفة العباسي تثبيت حكمه، فوجدت السلطة أن تغييب رمز الأمة وبكل ما تملك من قوة، أمر هام جدا لديمومة حكمها، فكان السجن الطويل هو السبيل، لكن بقيت الأمة مرتبطة برمزها، ولم يمنعها جبروت الخليفة العباسي من دوام الولاء، الى أن قررت السلطة الغاشمة أن تقوم بسم الأمام الكاظم، لأنها كانت تحس برعب وقلق دائم.
هذا الظلم حاولت السلطة العباسية إخفاءه، أو جعله من ممارسات السلطة المباحة للحفاظ على استقرارها، وهكذا ردد عبر التاريخ بعدها أبناء السلطة عبر القرون المديدة، حتى كانت المناهج المدرسية تضج بالمديح لهارون العباسي ولا تذكر الإمام الكاظم بسطر، مما جعل الأمة تتربى على منهج السلطة ووفق رؤيتها.
تأتي زيارة الإمام للكشف عن تلك القضية عبر فضح القاتل ونصرت العدل، فالناس تريد حقائق ولا تريد أن تستمر بنومها، فبعد أن تربى المجتمع على أن الخليفة هارون الرشيد هو الطيب الصالح الودود العالم الزاهد، تكشف الزيارة لنا انه مجرد طاغية مستبد ظالم المهم عنده عرشه، عبر سرد للقصة بواسطة مراسيم العزاء، لترسخ في وعي الأمة التي الحقيقة التي اجتهد الحكام في إخفائها.
● ما بين الماضي والحاضر
البعض يقول لماذا النفخ بالماضي؟ ما لنا وما فعل السابقون؟ فنقول أن مصيبة الأمة الحالية بفرق التكفير وجماعات الذبح ما هي الا نتاج نصوص الماضي التي عمد البعض على تقديسها رغم مخالفتها للقران والسنة النبوية، ومع ضعفها لكنها لأنها تسهم في ضرب الآخر فتضخم وتصبح عند البعض كل الدين وليس بعضه، فانظر الى التصاق الماضي بالحاضر،
الماضي ليس منفصل بل هو الزمن هو عملية تراكم للأيام، ومن المعيب أن يطلب من احد أن يلغي الماضي، يمكن أن يكون الماضي عبارة عن أحداث تمثل تجارب غنية للأمم في حاضرها، فيتم استلهام القيم العليا من رموز الأمة، حيث يصبح الرمز مشعل نور ومثال راقي لأجيال الحاضر.
● فرصة لرد الشبهات
يمكن اعتبار أيام الاحتفال بالإمام الكاظم مناسبة جيدة لرد الشبهات، حيث يسلط الضوء عبر الفضائيات والمنابر مع قبل كل الأطراف، ونحن نعيش زمن يرتفع فيه صوت الطائفية، فهنالك فريق من المخادعين لا هم لهم الا نشر الأكاذيب، ومحاولة الطعن بالاحتفالات التي تجري برموز الأمة.
فتاتي هكذا مناسبة لرد الشبهات في شرح مكانة الإمام، وعدم شرعية تصرف الخليفة العباسي، ورد الكثير من الأكاذيب التي تلصق بالشيعة، مثل أكذوبة التحريف واللعن ومصحف فاطمة والتي أوجدها البعض فقط ليقسم الأمة، ويمنع أي تواصل بين مذاهب المسلمين.
هكذا تعمل منابر الحق وكتاب الوعي في كشف الزيف، والإفصاح عن حقائق غابت لقرون عن جزء كبير من الأمة.
● تحقق الترابط الاجتماعي
الزيارة هي عبارة عن سلوك جماعي للمجتمع، يتحقق من خلالها تواصل اجتماعي وتلاقي وتعارف وتبادل للأفكار والرؤى كالذي يتحقق من الحج، فليس مجرد مسير وطقوس دينية، بل أن للمناسبة بعد اجتماعي كبير، التعاون السمة المميزة حيث نشهد حالة مميزة لتعاون السائرين نحو مرقد الإمام، ونشهد مواكب التعزية بآلاف، وهي تعطي من مالها ووقتها الكثير ومن دون مقابل، فقط لخدمة الزائرين.
فالإيثار والتعاون والخدمة كلها حاضرة في أيام زيارة الأمام الكاظم، الكل يسعى لإظهار أفضل ما عنده بهدف نجاح المناسبة.
● خروج من سطوة السياسيين
تمثل هذه الايام المباركة فرصة للخروج من سطوة الساسة الذي سعى بعضهم لرفع نفسه لرتبة الإله، عبر فرض تقديسه وتعظيمه كي يستمر كبيرا بأعين الناس، فتاتي زيارة الإمام الكاظم وهي تتحدث عن تواضعه وعن سلوكه مع الأمة وعن عيشه البسيط، لتسقط أكذوبة الساسة ويتضح نفاقهم لمن يملك عقل ووعي ويفكر، لذا تمثل الزيارة تهديد حقيقي للأصنام العراقية.
هذا الجانب لو يفعل بشكل اكبر، لانكشف للأمة نفاق الساسة، ومدى انحرافهم عن منهج أهل بيت النبوة، بل وتشبههم بآل أمية وبني العباس.
اضف تعليق