يظهر من استطلاعات الرأي الأخيرة أن غالبية الفرنسيين ترفض الدستور
الأوروبي الذي يمثل معاهدة بين الدول الـ(25) التي تشكل الاتحاد، تنظم
قوانين إدارة الوحدة الأوروبية.
ويفترض بالدستور الجديد أن يضفي المزيد من الفاعلية والديموقراطية،
وأن يتيح للاتحاد اتخاذ قرارات أفضل على صعيد العمل والنمو والبحث
العلمي والمنافسة غير العادلة والسياسة الخارجية والجريمة المنظمة
والإرهاب وحماية البيئة وما إلى ما هنالك.
وأضفى الاختصام على أوروبا ألفة غير معهودة بين الفرنسيين، لكن
المواقف التي تُساق في إطاره على درجة من الفردية التي يتعذر معها
التفاهم والتقريب بين وجهات النظر. ولعلها المرة الأولى التي يبني فيها
الفرنسيون مواقفهم بمعزل عن ميولهم السياسية، بل استناداً إلى مواقعهم
الاجتماعية والمهنية والثقافية ونظرتهم الخاصة في شؤون بلدهم.
القاسم المشترك بين مؤيدي الدستور يكاد يكون معدماً، مثله مثل
القاسم المشترك بين رافضي هذا الدستور، فالدعوة إلى الـ(نعم) تنطلق من
الواجب وأيضاً من منطلق الرغبة في الانفتاح والتلاقي مع الشعوب
الأوروبية الأخرى أو بدافع الإعجاب بتجربة (ايرباص) الأوروبية الناجحة،
أو الاستسلام لمسيرة أوروبية انطلقت ولا يجوز وقفها، أو بدافع طمأنة
الذات، أو من زاوية المصلحة الفرنسية التي يمكن أن تتعزز عبر أوروبا،
كل الحجج ممكنة وواردة في معرض التأييد والرفض، مثلاً بسبب اليورو الذي
ضرب القدرة الشرائية، أو بسبب (معاهدة شينغن) التي تجيز التنقل الحر
للأفراد بين الدول الأوروبية، أو نتيجة الخوف على المكاسب الاجتماعية،
أو من منطلق الدفاع عن حق الفرنسيين في أن تكون لهم أولوية في سوق
العمل.
هذا التبعثر في الآراء والمواقف يقسم أوساط ناخبي اليمين الحاكم
واليسار المعارض ويعكس مدى انفلات الفرنسيين عن سيطرة السياسيين عليهم
ومدى الفشل الذي بلغه هؤلاء في توجيههم وتأطيرهم.
ولا يخفى ليست فرنسا الوحيدة في رفض شعبها للدستور الأوروبي بل كثير
من الأوروبيين لا يتحمسون للدستور، ويعتبرون كل خطوة نحو التوسع والدمج
أقل ضرورة من السابقة.
ففي أيام الاتحاد الأولى كانت الرغبة في الحؤول دون وقوع حرب (أوروبية)
حادة، ولكن الضغط الخارجي الذي سمح بتخطي الأنانية القومية تبدد: فلا
الماضي ولا روسيا يهددان أحداً في أوروبا اليوم، وعلى هذا، فالدستور
الأوروبي تأخر أعواماً، وما يود الألمان قوله إلى الفرنسيين هو أن
الدستور هو الخط الأخير في إنجاز اندماج أعمق من الزيادات التجميلية
السابقة. |