ربط ساسة ومثقفون عرب مستقبل مدينة القدس التي قالوا إنها تتعرض
لعملية تهويد مستمرة من جانب اسرائيل بتسوية عادلة كما حثوا على ضرورة
تسليط الاضواء على تاريخ المدينة من خلال الوثائق الموجودة بالارشيفات
العربية والاجنبية.
ويشارك نحو 60 باحثا وخبيرا عربيا وأجنبيا في علوم التاريخ والوثائق
في الندوة التي تنظمها دار الكتب والوثائق القومية في مصر بالاشتراك مع
مؤسسة احياء التراث والبحوث الاسلامية بالقدس التي وصفها عميدها محمد
غوشة بأنها "أكبر أرشيف في فلسطين."
وقال وزير الاوقاف والشؤون الدينية الفلسطيني يوسف سلامة في جلسة
الافتتاح ان المدينة "تتعرض اليوم لهجمة شرسة. يريدون فصل الرأس عن
الجسد بفصل الاحياء عن البلدة القديمة حتى يستأثروا بها ولكن
الفلسطينيين لن يسمحوا بذلك وسيعملون على أن تكون القدس عاصمة للدولة
الفلسطينية."
وأشار الى أن ما وصفه بالاعتداءات الاسرائيلية لا تفرق بين مسجد
وكنيسة "كما حدث مع كنيسة المهد... عميلة التهويد مستمرة ونريد تسليط
الاضواء على تراث القدس وتاريخها والمؤامرات التي تتعرض لها."
وفي كلمته نيابة عن المشاركين شدد الامين العام لدارة الملك عبد
العزيز السعودي فهد السماري على دور الوثائق التاريخية في الوقوف أمام
"الهجمات الشرسة لتزييف التاريخ... القدس معركة هوية."
ونوه الى أهمية أن تصدر الندوة "اعلان القاهرة" كي يكون عنوانا خاصا
بوثائق القدس وخطوة عملية وميدانية لصياغة استراتيجية لجمع ودراسة
وتحليل هذا التراث "من أجل تأصيل الهوية العربية الاسلامية للمدينة."
ووصف رئيس الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية في مصر محمد
صابر عرب ما تتعرض له مدينة القدس بأنه هجمة تستهدف محو الذاكرة
التاريخية والحضارية للمدينة حيث تقوم اسرائيل بتنفيذ "أكبر عملية
تزوير في التاريخ تستهدف تبديد ملامح القدس الشرقية ولعل هدم 88 منزلا
خلال الفترة الاخيرة في حي البستان وسلوان بحجة أن هذه البيوت قد بنيت
بدون ترخيص يعد دليلا على ما تتبعه الادارة الاسرائيلية دائما لهدم
الاحياء العربية وازالة البنايات والتكايا والمساجد بهدف تهويد المدينة
وترحيل أهلها."
وأشار الى أن محامين فلسطينيين من القدس اكتشفوا وثيقة تلخص مخططا
اسرائيليا يعود الى عام 1977 "يقضي بتحويل كافة المناطق المحيطة
بالبلدة القديمة في القدس الى حدائق عامة بحجة أن منطقة البستان منطقة
أثرية قديمة وأن الملك داود كان يتريض فيها قبل 3000 سنة."
وأضاف أن اسرائيل احتفلت "قبل أيام بيوم القدس وانبرى المتعصبون
والقتلة بالتأكيد على ما أسموه بعاصمة اسرائيل التاريخية وهي حالة أقرب
الى السارق الذي يشد على غنيمته ويقسم بأغلظ الايمان أنه ورثها عن
ابائه... وبحكم عملنا في البحث التاريخي والوثائقي والجغرافي والاثري
نؤكد أن تحت كل حجر وشجر دما ولغة وروحا عربية متأصلة."
ووقعت مدينة القدس في قبضة اسرائيل عام 1967 في حرب يونيو حزيران
التي احتلت فيها اسرائيل شبه جزيرة سيناء المصرية وهضبة الجولان
السورية.
وقال عرب ان اسرائيل "لن تفيض بكرمها علينا (العرب) وتعيد الينا
مدينتنا المقدسة... عودة المدينة في حاجة الى سياسات جديدة."
ودعا الى أن تكون الندوة بداية لتشكيل لجنة تنسيق دائمة تمثل فيها
كل الارشيفات والمراكز البحثية "حيث تواصل الحرب بالوثائق والكتابات
والنشر عبر وسائل الاعلام المختلفة ومخاطبة الضمير العلمي والانساني من
خلال الهيئات والمؤسسات العلمية في كل بلاد العالم."
وتناقش جلسات الندوة التي تستمر يومين بدار الكتب المصرية أربعة
محاور رئيسية هي (القدس في الوثائق العربية والاجنبية) و(القدس في ظلال
الاحتلال الاسرائيلي) و(الهوية العربية الاسلامية للقدس) و(القدس في
الكتابات الاسلامية والادبية والحضارية).
ومن القضايا التي ستطرح للبحث (أهمية سجلات محكمة القدس الشرعية في
تاريخ القدس) و(وثائق العائلات كمصدر تاريخي لمدينة القدس) و(الموقف
الامريكي من قضية القدس) و(الاجراءات الاسرائيلية في القدس بعد عام
1967) و(الاستيطان في القدس في التراث الصهيوني 1912 - 1947) و(الهوية
العربية والاسلامية لحائط البراق) و(القدس في كتابات الرحالة الغربيين
في فترة الحروب الصليبية) و(المستشرقون اليهود والتهوين من مكانة القدس
في الاسلام).
من جهته أرجع كاتب فلسطيني موافقة بريطانيا على تقسيم فلسطين الى
دولتين عربية ويهودية الى ثورة 1929 التي قال انها شملت معظم المدن
الفلسطينية بسبب الخلاف على هوية الحائط الغربي للحرم القدسي الذي
يسميه اليهود حائط المبكى في حين يُطلق عليه العرب حائط البراق.
وقال زهير غنايم أستاذ التاريخ بجامعة القدس ان الثورة الفلسطينية
بدأت يوم 15 أغسطس اب 1929 عندما قام اليهود "بمظاهرة وصلوا خلالها الى
حائط البراق ورفعوا العلم اليهودي وأنشدوا النشيد الوطني اليهودي
وهتفوا.. الحائط حائطنا.. وقام المسلمون بمظاهرة احتجاجية (في اليوم
التالي) احتجاجا على مظاهرة اليهود وانتزعوا الاسترحامات التي وضعها
اليهود في حائط البراق."
وأضاف في بحث عنوانه (القدس في الوثائق البريطانية 1917 - 1947.
السكان والاماكن المقدسة) أن ثورة الفلسطينيين استمرت بين يوم 16 و29
من الشهر نفسه وامتدت الى "معظم المدن الفلسطينية وترافقت مع هجمات على
الاحياء والمستعمرات اليهودية."
وأشار في بحثه الذي يشارك به في ندوة دولية عنوانها (القدس في
المصادر التاريخية) تنتهي مساء يوم الاثنين بالقاهرة الى أن بريطانيا
لم تتمكن من القضاء على الثورة الا بعد احضار قوات عسكرية من خارج
فلسطين. وتغير موقف بريطانيا بعد تلك الثورة فدعت "لتقسيم فلسطين الى
دولتين.. دولة عربية وأخرى يهودية ووضع منطقتي القدس وبيت لحم تحت
الانتداب البريطاني" على أن تقوم بحراسة الأماكن المقدسة.
ويشارك نحو 60 باحثا وخبيرا عربيا وأجنبيا في علوم التاريخ والوثائق
في الندوة التي افتتحت يوم الاحد بمقر جامعة الدول العربية وتنظمها دار
الكتب والوثائق القومية في مصر بالاشتراك مع مؤسسة احياء التراث
والبحوث الاسلامية في القدس.
وقال غنايم (50 عاما) ان الوثائق السياسية البريطانية عن الاماكن
المقدسة في المدينة تثبت أن الحكومة البريطانية منعت اليهود عام 1925
من جلب الكراسي والمقاعد والستائر ووضعها أمام "حائط البراق. وهذا ما
فعلته أيضا في الثامن من (أكتوبر) تشرين الاول 1928."
وأضاف أن اليهود احتجوا على قيام المسلمين بتحويل دار في حارة
المغاربة "الى زاوية يقام فيها الآذان وحلقات الذكر واعتبروا ذلك معيقا
لهم أثناء صلواتهم. كذلك اعترضوا على إقامة بناء من قبل المسلمين قرب
الحائط الجنوبي للبراق. أما المسلمون فقد احتجوا على جلب اليهود لبعض
الأدوات كالكراسي والمقاعد والستائر الى الحائط وأن لهم الحق المطلق
والمكتسب في الوصول الى الحائط دون قيود أو اعاقة."
وقال ان المسلمين شكلوا لجنة الدفاع "عن (حائط) البراق وجمعية حراسة
المسجد الاقصى والاماكن الاسلامية المقدسة بينما شكل اليهود لجنة
الدفاع عن حائط المبكى "البراق"."
وفي 29 نوفمبر تشرين الثاني 1947 وافقت الجمعية العامة للامم
المتحدة على مشروع القرار 181 الذي يوصى بتقسيم فلسطين الى دولتين
عربية ويهودية ترتبطان معا بوحدة اقتصادية مع وضع مدينة القدس تحت
الوصاية الدولية. ثم وقعت القدسالشرقية العربية في قبضة اسرائيل عام
1967 في حرب يونيو حزيران التي احتلت فيها اسرائيل شبه جزيرة سيناء
المصرية وهضبة الجولان السورية.
وقال غنايم الذي نشر كتبا منها (لواء عكا في عهد التنظيمات
العثمانية 1864 - 1918) و(الخبر الهاشمي في جريدة فلسطين 1937 - 1952/)ان
عدد سكان القدس قفز من 62578 نسمة عام 1922 الى 157503 نسمة عام 1944 "وكانت
الزيادة كبيرة جدا بين اليهود الذين تضاعف عددهم عدة مرات خلال هذه
الفترة... المهاجرون اليهود ازدادوا حوالي 63029 نسمة خلال 22 عاما" في
حين لم يزد عدد مسلمي المدينة خلال الفترة نفسها الا حوالي 17217 نسمة
كما زاد عدد المسحيين 14651 نسمة.
وأرجع سبب تلك الزيادة الى "الهجرة اليهودية المستمرة الى المدينة."
وتبحث الندوة أيضا الملامح التاريخية للمدينة في الارشيف اليمني
ودور الوثائق في بعض العواصم الاجنبية ووثائق الجامع الازهر بمصر اضافة
الى الوثائق البريطانية بين عام 1917 حيث صدر وعد بلفور الشهير عام
1948 الذي أعلن فيه قيام اسرائيل.
ومن الباحثين والمؤرخين المشاركين في الندوة اليمني القاضي علي أحمد
أبو الرجال والاردنيون محمد عبد الكريم محافظة ومحمد عدنان البخيت
وأحمد الطراونة والفلسطينيون محمد ماجد الحزماوي وزهير جابر وعماد
البشتاوي وتيسير جبارة وخليل عثامنة والحاج زكي الغول وعباس نمر واسحاق
البديري ومن مصر قاسم عبده قاسم وعادل غنيم وجمال زكريا قاسم والامريكي
روبرت شيك.
وقال رئيس مجلس ادارة دار الكتب والوثائق القومية بمصر محمد صابر
عرب لرويترز ان الندوة تهدف الى التذكير "بقضية القدس التي بدأت تتراجع
في الفترة الاخيرة نتيجة التطورات في العراق وأفغانستان."
وذكر عرب أن مناقشة القضايا المتعلقة بالقدس والقضية الفلسطينية لا
تحتاج الى مناسبة مشيرا الى أن الندوة تهدف الى التذكير "بالحقوق
العربية التاريخية في المدينة كما سيؤكده 60 باحثا يمثلون عشرات
المؤسسات البحثية في بلادهم من خلال وثائق عربية وأجنبية." |