بين زحام عربة السيدات في مترو أنفاق القاهرة تقف نيرمين مُمسكة
بهاتفها المحمول لتسمع صديقتها رنين الهاتف الذي يحمل نغمة أغنية جديدة
لمطرب مصري.
تقول نيرمين وهي طالبة جامعية "أتابع أحدث النغمات من خلال إعلانات
في الصحف اليومية وأتسابق مع زميلاتي وزملائي في الجامعة للحصول على
الجديد في عالم الرنات."
وأضافت نيرمين (21 عاما) "البعض يعتبر ذلك من قبيل الفراغ أو
التفاهة لكن الهواتف المحمولة أصبحت عالما له عشاقه الذين يتابعون كل
جديد خاص به مثل عشاق ألعاب الفيديو."
وتنتشر في الصحف المحلية والقنوات الفضائية إعلانات لشركات تعرض
أحدث النغمات والصور الثابتة والمتحركة للهواتف المحمولة.
وقال أحمد محمود وهو طالب ثانوي انه يسعى باستمرار للحصول على أحدث
النغمات من مواقع على الانترنت أو من المحطات الفضائية الغنائية لانه
لا يتحمل سماع نفس النغمة مدة طويلة. وأضاف "من المُمل الاحتفاظ بنفس
النغمة لفترة طويلة أو حتى استخدام النغمات الاصلية للتليفونات...
خصوصا مع ظهور النغمات المُجَسمة وإمكانية ان يعلو تليفوني بصوت المغني
نفسه."
وتابع محمود "استخدم أكثر من نغمة فمثلا أُخصص لصديقتي أُغنية لعمرو
دياب أما أُمي فنغمتها أغنية لفريد الأطرش... لانها تُحبه."
ويرى خبراء في علم الاجتماع ان الاقبال على شراء نغمات هو تجسيد
لإحساس المصريين خاصة الشباب بالفراغ.
يقول الدكتور احمد المجدوب "رنات المحمول ظاهرة تنتشر بين مختلف
الفئات العمرية... إلا انها لدى الشباب وسيلة لشغل وقت الفراغ والتباهي
ومجال للتعبير عن ميول فردية."
ولم يتسن الحصول على إحصاءات عن حجم تجارة رنات المحمول في مصر لكن
دراسات قدرت قيمة هذه الصناعة في العالم بنحو 3.5 مليار دولار عام 2003
ومن المتوقع زيادتها الى 5.2 مليار عام 2008.
وتنتشر متاجر صغيرة لخدمة حاملي المحمول في كل أنحاء القاهرة حتى في
الأحياء الشعبية حيث لا تمثل التكلفة عقبة أمام الراغبين في شراء أحدث
النغمات.
وتقول يارا ابو المجد (20 سنة) وهي طالبة في كلية الصيدلة بجامعة
عين شمس "كل ثلاثة أسابيع أغير الرنة من محل صغير بجوار الجامعة بسعر
جنيه ونصف (نحو 0.25 دولار) (الدولار يعادل 5.8 جنيه)... هناك مجموعة
محلات حول الجامعة لبيع الرنات والشعارات عن طريق اجهزة الكمبيوتر."
يقول أشرف غانم الذي يملك متجرا صغيرا بالقاهرة لبيع اجهزة المحمول
وخدماتها وهو يجلس على جهاز كمبيوتر لنقل نغمة جديدة لاحد الزبائن
"أحيانا نبيع أربع أو خمس نغمات في اليوم لكن أيام الدراسة أو مع نزول
ألبوم ناجح لمغن مشهور نبيع أكثر من عشر رنات في اليوم... الاقبال من
الجنسين واحد تقريبا لكن الشباب أكثر ولعا بالالعاب وطبعا طلبة الجامعة
هم أهم الزبائن."
غير ان هذا ليس رأي الجميع. إذ يشكو شاب رفض نشر اسمه من رنين
الهواتف التي تحمل نغمات الاغاني في أماكن لا ينبغي أن تسمع فيها مشيرا
الى أنها تجسيد لمجتمع لا يتمتع أفراده بحرية التعبير عن أنفسهم.
وقال "نكون في المسجد وفجأة تعلو نغمات أغنية لنانسي عجرم أثناء
الصلاة من محمول أحد المصلين أو مثلا في مستشفى أو مأتم... انتشار
الرنات فيه نوع من التعبير عن النفس والتمايز بين الافراد في مجتمعنا
الذي تغيب عنه الديمقراطية ويفتقد فيه الشباب حرية التعبير فنسمع مثلا
الى جانب الأغنيات الجديدة أغاني ام كلثوم القديمة وصوت الأذان وأصوات
حيوانات مزعجة."
ويرى اكرم سالم وهو موظف (33 سنة) أن هذه الظاهرة تعود الى الفراغ
"فلا يجد الشباب ما يشغلون به أنفسهم فضلا عن حب التباهي.
"تجد الشاب بدون عمل ثابت أو يتقاضى مرتبا ضعيفا وأكثر ما يهمه شراء
موبايل حديث ومتابعة أحدث الرنات."
يتفق المجدوب مع ذلك قائلا "الفقير لديه ميل كبير للمحاكاة كي لا
يبدو أقل من غيره... الميل للتظاهر مرض اجتماعي خطير في مصر فتصرفاتنا
لا تعكس واقعنا الاقتصادي أو الاجتماعي."
يقول ناجي مهدي (21 عاما) الذي يعمل في مقهى "أُبَدل النغمة كل
أسبوعين تقريبا. أُتابع النغمات الجديدة في الصحف واشتري النغمة بجنيه
واحد." |