في حين كثرت المطالبات بالمساواة بين الجنسين وأفول العهد الذكوري
فإن قواعد التفكير وعقل الثقافة أيضاً تغير فلا نسمع شيئاً إلا وهناك
اكتشاف للجانب الأنثوي منه. فظهرت فلسفة العلم النسوية كاتجاه واعد
بالجديد في فلسفة العلوم، يرفض اعتبار التفسير الذكوري المطروح هو
التفسير الواحد والوحيد للعلم، فليس الرجل هو الإنسان، وليست الذكورية
مرادفة للإنسانية، وليست المرأة جنساً آخر أو نوعية أدنى من البشر.
الذكورة والأنوثة هما الجانبان الجوهريان للوجود البشري، لكل منهما
خصائصه وسماته ودوره، وتتكامل جميعها في سائر جوانب الحضارة الإنسانية،
وعلى رأسها أمضى الجوانب وأشدها فاعلية وحسماً، أي العلم.
وحين نكشف النقاب عن حقيقة العلم والممارسة العلمية، العلم بوصفه
كياناً تتكامل فيه سائر الخصائص الإنسانية الإيجابية، الذكورية
والأنثوية على السواء، وليس الذكورية كما هو السائد، سوف يغدو العلم
أكثر جاذبية وكفاءة، يؤدي إلى حصائل أكثر سخاءً وتوازناً وأقل أضراراً
جانبية من قبيل تدمير البيئة وتصنيع أسلحة الدمار الشامل واتخاذه أداة
لقهر الشعوب الأخرى.
إن الأنثوية صفات كامنة في الموجود البشري ويمكن للعلماء أجمعين
رجالاً ونساءً أن يبحثوا عن هذه الجوانب ويعملوا على إذكائها، نشداناً
لعلم أكثر دفئاً وإنسانية، وأسخى عطاءً، مادام سيغدو أكثر تكاملاً
وتوازناً.
هذا صحيح لكن المشكلة أنه في الفترة الأخيرة مراعاة للمساواة تم
انتهاج الأنثوية في كل شيء وحق الأنثى فيه من حق الأنثى في إمامة
الرجال في الصلاة وحقها في استغلال عشيق داعر وصغير في السن مقابل
المال، وحقها في قيادة الحروب والتعذيب في السجون كما هناك كتابات
نسوية عن البُعد الجنسي في الموسيقى، من منظوره الأيديولوجي أو السياسي.
وأنه في عالم الغناء ثمة طبقات صوتية أساسية تتراوح بين صوت المرأة
والرجل وهذا التصنيف يجري على الآلات الموسيقية أيضاً، فعندما يقال إن
اليد اليمنى امرأة واليد اليسرى رجل والأصابع العشرة كلها أوركسترا،
يقصد بذلك المفاتيح اليمنى واليسرى للبيانو: المفاتيح اليمنى رفيعة
الصوت واليسرى غليظة.
وكذلك تربط الناقدات الموسيقيات النسويات بين الجنسانية والسياسة
الجنسية وفيما يسمى قالب السوناتا.
فبمقتضى سوزان ماكليري أن العلاقة البنيوية ذات الطابع السياسي
الجنسي في قالب السوناتا في الصراع الدرامي بين البطلين في السوناتا
المتجسد في الصراع بين اللحنين الأول والثاني.
ويحاول الناقد الموسيقي نيكولاس كوك لفت أنظارنا إلى النعوت التي
يوصف بها الموسيقى أحياناً من قبيل (الساحرة) أو (الآسرة) أو (التي
تسلب اللب) مذكراً إيانا بأنها نعوت جنسية، ويتساءل: ترى ما هي
المواصفات الأنثوية والذكورية التي قد تنطوي عليها الموسيقى؟ وكيف يعبر
عنها الموسيقيون عن وعي وغير وعي؟
ولأن الموسيقى لغة غير أبدية أي أنها لا تحمل معنى واضحاً، ففي
وسعنا أن نحملها ما نشاء من المعاني والدلالات، والجنس من بين هذه
الدلالات ومن هنا يمكن أن تحمل الضربات العنيفة على الذكورية والضربات
الرقيقة على الأنثوية.
ليس الموسيقى مما ندلي به ولكن الذهاب إلى مدى بعيد في جنسنة
الموسيقى لا يختلف عن تفسير كل شيء أو ظاهرة من زاوية جنسية بحتة. لا
ينم إلا عن ضيق أفق. |