ظلت مسألة طرح الصراع الطبقي لدى العديد من السياسيين العاملين في
حقول وبحوث الأيديولوجيات الوضعية خلال فترة تجاوزت القرن والنصف
تتأرجح في الأذهان ومع احتدامات عالم السياسة فقد وصل الحال إلى أن
هناك من يدافع حتى النفس الأخير عن انتمائه الطبقي بوقت نكر فيه
الآخرون أن يكون هناك من حيث الواقع المعاش أي صراع طبقي!
ومصطلح (الصراع الطبقي) الذي طرحته لأول مرة القوى السياسية ذات
التوجهات العمالية ضد ذوي الرأسمال ممن كانوا يملكون زمام السيطرة على
الإنتاج والبيع للبضائع المصنعة إبان الفترة الأولى للثورة الصناعية
التي بدأت في إنكلترا ثم انتقلت بعد ذلك إلى بعض دول أوروبا القريبة
منها. ومع تنامي قوة الرأسمال لدى أصحاب المصانع بدأت مطالب العاملين
لديهم تتجه نحو الأمل للظفر ببعض المكاسب منها مثلاً زيادة الأجور
وتحسين ظروف العمل من الناحية الصحية وإقلال وقت العمل ولعل ذاك الخلاف
هو الذي جعل الأيدي العاملة أن تقرن مطالبها بصورة جماعية لدى أكثر من
مصنع في مدينة محددة أو بلد معين وهذا جعل الاعتقاد أن الصراع من أجل
تحقيق تلك المكاسب المشروعة يقابل بجحود من قبل أصحاب المصانع الذين
بدوا كونهم متحدين من ناحية عدم استعدادهم لمنح تلك المكاسب بعد أن
استعانوا بقوة وشيكمة الحكومات ولعل هذا ما أدى في مراحل لاحقة إلى
تأسيس (محاكم العمل القضائية) بكثير من البلدان كهيئات قانونية حيادية
لها حق البت بحقوق العمال إينما تواجدوا من أجل التوفيق مع أصحاب
أعمالهم.
وإذا ما تم اعتبار أن تأسيس (النقابات العمالية) كانت هي الأخرى قد
ساعدت على تحقيق مكاسب مالية ومعنوية للطبقات العاملة ثم ظهور (محاكم
العمل) في فترة لاحقة لإزالة أي خلاف ممكن أن ينشأ بين ممثلي العمال
بشخوص أعضاء النقابات وأصحاب الأعمال والمصانع فهذا ما أوحى وكأن مصطلح
(الصراع الطبقي) لا يقصد منه سوى الصراع بين العمال من جهة والتجار
وأصحاب الأعمال من جهة مقابلة بيد أن مثل هذا التصور قد ضعف في تحليلات
الذهن البشري لدى بعض المتابعين لأمور الأيديولوجيا والسياسة فقد
استطاعت قوى الرأسمال أن تتحرك على سكتين الأولى منح إمتيازات لا بأس
بها للطبقة العاملة من توفير غذاء وملبس ومسكن وترفيهات وتقاعد والسكة
الثانية في اختراق تنظيم النقابات العمالية عبر إرشاءها أو ترهيبها.
لكن تشابك المصالح الاجتماعية لم تقتصر على حصر الصراع بين
الرأسماليين من جهة والعمال الأنداد لهم فقد ظهرت الطبقية في مجالات
العمل الفكري والمعنوي وغيره إذ كانت الكفة الراجحة تسير دوماً بالوقوف
مع الأقوى أو الممول أو الداعم فاختلطت الأوراق بين المتصارعين بحيث لم
يعد الفرز بين المصداق والكاذب المدعي نفسه (مصارعاً طبقياً!) أمر
هيّهن.
وبعد أن هدأت مسألة الصراع السياسي الطبقي نتيجة للتداخل القائم
واقعاً بين مختلف الطبقات فالتاجر يبقى تاجراً والعامل يبقى عاملاً
وهذا لا يعني أن النفور بينهما ينبغي أن تكون له حظوة الأولوية واليوم
لا يرى من كان يدعي ضرورة تصنيف الناس إلى طبقات متصارعة أنه كان
تصنيفاً واعياً بل مجرد فلسفة خسرت اجتهادها إذ أن الصراع بين الخير
والشركات ومازال وسيبقى حتى بلا صراع طبقي. |