غداة تبني هيئة الأمم المتحدة بأواخر سني الأربعينات لأهم لائحتين
في تاريخها وهي إقرار (لائحة حقوق الإنسان) و(لائحة إنهاء الاستعمار)
استبشرت البشرية خيراً بعمل الهيئة وتصور الرأي العام العالمي أن
العالم سيشهد أخر فصل من الظلم المحلي والدولي بعد أن نكبت الشعوب
بالحربين الدوليين المفتعلتين الأولى والثانية وبدأ الأمل يزداد نحو أن
(شيئاً ما) سيحدث لصالح نمو بني الإنسان في وسائل عيشه (ملبسه، سكنه،
صحته، حريته ... الخ).
لكن الخيبة كانت هي ما حصدته البشرية لأن النوايا الخبيثة هي التي
دفعت قوى الشر الدولية الكبرى لتحديد موعد تحدي حقوق الإنسان والإبقاء
المتنازل على استمرار الاستعمار فظهرت الإمبريالية كـ(صورة ترقيعية
للاستعمار) وهكذا كان من نتيجة إعلان أكذوبة مراعاة مصلحة البشرية
بقراري اللائحتين أن أخذت مبادئ التضليل والاعوجاج هي التي تغلف
الجرائم البشعة والسرقات الكبرى من خيرات العالم التي إذا ما وظفت
توظيفاً عادلاً في التوزيع على البشرية ضمن عملية تنظيم وتنسيق عادلين
لما وجد إنسان واحد على وجه الأرض يعاني من الفاقة والعوز.
إن البشرية اليوم بحاجة إلى موقف عملي يوحد المصالح العليا لكل
مجتمع وكل حسب بلده إذ من العدالة أن لا يبقى التفكير السياسي الجديد
الذي يحاول أن يسرق خيرات مجتمع ما لتذهب إلى مجتمع آخر دون ثمن وهذا
بحد ذاته يقتضي وضع أسس ناجحة من حيث التبادل الحق في مجالات التجارة
المحلية والإقليمية والدولية مع الأخذ بكل اعتبار أن يتم التوجه لحل
مشكلة تزايد السكان وتنقية البيئة الطبيعية ورفد الصحة العامة بما
تحتاجه.
والاندفاع المخلص ينبغي أن يكون هو تأكيد مخلص أيضاً لترجمته إلى
مشروع صندوق لا يرتبط بأي هيئة دولية سواء كانت تابعة لهيئة الأمم
المتحدة أو غيرها وعلى أن يكون خاضعاً لرقابة نخبة مختارة معروفة
شخوصها حقاً بالنزاهة والأمانة والإنسانية والوطنية بعد أن فشلت من
الناحية الإنسانية المطلوبة كل الدوائر الدولية والإقليمية والمحلية في
ترجمة برامجها نحو المواقع المطلوبة أو على الأقل المدعاة منها إذ أن
أغلب تلك الدوائر تعمل لصالح اسم قوة دولها ومصالح سياساتها حتى لو
كانت على حساب استمرار الخلل في التعامل مع المحتاجين في مجتمعاتها.
إن التفكير بمشروع سياسي واقتصادي وثقافي على المستوى المحلي في أي
بلد ممكن أن يكون خير نواة للانتقال إلى المستوى الدولي في مرحلة أو
مراحل لاحقة. خاصة وأن واقع حال الكتل الدولية الآنية لا تحركها مبادئ
الإنسانية بل مصالح الدول القوية وذيولها من الحكومات التابعة.
إن لتوزيع الخيرات على المحتاجين في كل بلد على حدة وجهاً واحداً هو
تأمين سد الحاجات المادية والروحية دون شروط تعسفية لكل البشر بمساواة
دون أي تمييز إذ لا علاقة لإشباع الناس بمواقفهم السلبية أو الإيجابية
في عالم السياسة ومؤامراتها. إن اجتثاث الظلم من مجال المعاملات بين
بني آدم وحواء هو مبدأ يدعوا كل الناس لتبني آفاقه وإلا فإن الاعتماد
على الواقع الحالي والوقائع السياسية الحالية مهما كانت إدعاءتها فهي
فارغة من أي مصداقية. |