عندما أصبحت الآلة تحل محل الإنسان في القيام بأدق الأعمال وأصعبها
وأخطرها دون تعب أو ملل ازدادت نسبة العاطلين عن العمل الذين يرهقون
أصحاب العمل بالضمانات الصحية ورفع الأجور والاضطرابات والاعتصامات وما
إليها مما لا يتناسب مع جشع أصحاب المال. ولكن الرهانات كانت على عدم
استطاعة الآلة للحلول محل الإنسان بشرط أن نكون بشراً بكل معانيه.
أما اليوم فهل تستطيع التجربة اليابانية كسر الرهانات السابقة.
بتصميم روبوت آلي يؤدي كافة الاحتياجات الإنسانية حتى العاطفية منها
على الأغلب كما في (بريموبيويل) وهي عبارة عن دمية تتفاعل مع محيطها
وتتكلم وتقهقه، حتى أنها تطلب الاحتضان، وتؤمن (بريموبيويل) صحبة جميلة
للوحيدين خصوصاً عند المساء.
واللافت أن هذه الدمية صممت بالأساس لتكون صديقاً بديلاً للشابات
العاملات العازبات، لتصبح مطلوبة بشكل غير متوقع من جانب كبار العمر
عبر اليابان وذلك ليؤنسهم ويكسر وحدتهم من خلال الحديث والمناقشة
والخدمة. ومنذ إطلاق هذه الدمية في السوق قبل نحو خمسة أعوام، بيع منها
حتى الآن أكثر من مليون قطعة. لكن فكرة إيجاد بديل للرفقة البشرية تدور
في المختبرات منذ فترة طويلة ويشغل (المعهد الوطني للعلوم المتقدمة)
نفسه في تصميم فقمة آلية خصيصاً لكبار السن الذين يعانون من الوحدة.
وتكلفت الفقمة الصغيرة (بارو) 12 عاماً ونحو (10) ملايين دولار
لصنعها. ووضعت (بارو) لتؤمن الاسترخاء والتسلية والرفقة عبر التفاعل
الجسدي، بناء على الخصائص المعروفة للمعالجة النفسية بواسطة الحيوانات،
وتغطي جسد (بارو) طبقة ناعمة من الفرو المضاد للبكتيريا، وهي تتمتع
بدماء اصطناعي بمعنى أنها تستطيع تقليد تصرّف الحيوانات وتنمية شخصيتها
مع تقدم الوقت. وهي مزودة بمجسات تحت فروها تحرضها على التحرك والتجاوب
بمجرد لمسها وتدليلها، وهي تستيطع فتح عينيها وإغلاقها، كما أن زعانفها
تتحرك.
كما أن (بارو) مزودة بمجسات أخرى تجعلها تتجاوب مع النظر والصوت
ودرجة الحرارة وحتى مع الحالة النفسية. ورغم أنها لا تتكلم إلا أن آخر
نسخة من هذه الدمية تستطيع التجاوب مع سبع لغات مختلفة.
وخلال تجارب عيادية، أظهرت (بارو) قدرتها على تخفيف حدة الإجهاد
والاكتئاب والقلق لدى كبار السن، عن طريق منحهم فرصة إظهار أحاسيسهم،
وعلى تقديم البعض منها بالمقابل.
لكن الأمر لا ينتهي هنا، فأصدقاء التكنولوجيا العليا ليسوا
بالمساعدين الوحيدين لكبار السن في اليابان، فلدى المسنين نظام كمبيوتر
رائد يراقب صحتهم بشكل دائم، ويسجل كل تحركاتهم عبر المنزل مدوناً بذلك
مسجلاً حول عاداتهم اليومية، ويحوّل الكمبيوتر هذه المعلومات بشكل دوري
إلى كمبيوتر مركزي يحلل المعلومات التي يتلقاها وإذا أحس أن هناك تغيراً
مفاجئاً في هذه العادات، ينذر مركزاً يقوم أحد موظفيه بالاتصال
للمشتركين للاطمئنان عليهم.
هذا وربما يطور الإنسان الروبوت إلى نصف بشري ونصف آلي لها خصائص
بشرية وقدرات عقلية وعاطفية وجلد بشري خلال زرعها ونموها يغطي كامل جسم
الآلة كما في الخيال السينمائي، خصوصاً بمساعدة العادات التربوية في
المجتمعات المتقدمة وتعويد الطفل على الوحدة والعزلة وعدم كثرة
الاختلاط فهل يمكن للآلة لعب دور الإنسان؟
الجواب يتعلق في مدى إيماننا بالقدرة البشرية الخارقة. |