لا يُجسد الخلُق الرفيع إلا المواقف الإنسانية.
الخُلق الرفيع مسؤولية ليس بإمكان أي كان أن يطبقه ما لم تتوفر فيه
حالة من أريحية الانسجام مع الذات بهذا المجال عبر ممارسات مباركة
يقيمها المرء أولاً من أجل إرضاء ضميره أولاً الذي لا يمكن إحياؤه دون
أخلاقيات عالية فوحدة الإنسان تبدأ مع نفسه قبل أن تتوحد مصالحه مع
الآخرين وتلك بديهة لا يفضل إغماض العين عنها.
ففي اليوم الواحد يعقد المرء مع نفسه عدة تأملات محاكياً إياها عما
ينبغي عمله وعما ينبغي تفضيله حفظاً منه لاستمرار سويته التي يعرفها
بالفطرة. وتجسيد الأخلاقيات العالية فيها من التنوع ما يتجاوز
الاستجابة لاستغاثات الغير مادياً أو معنوياً حيث أن أوج العزة تأتي
لما يشعر المرء أنه أدى واجباً شرعياً له أو لعائلته أو لمجتمعه إذ أن
هذا العصر الذي يشهد تغييرات سريعة في كل شيء تقريباً يشعر المرء أن
عليه أن يواكب كثيرا من الأمور فيه وهذا ما لم يكن قد حدث قبل هذا
الزمان حيث كانت عمليات التغيير تتم ببطئ مشهود حتى أن (عصر السرعة) قد
طرح لأول مرة منذ ستينات القرن العشرين وبطبيعة الحال فهذا لا يعني أن
فلسفة السرعة كانت معدومة قبل ذلك إذ أن السرعة كـ(مصطلح) كانت دوماً
مطلوبة لإنجاز العديد من الأعمال والمكاسب وتقديم الخدمات لكن السرعة
حين عمت على مجالات عديدة وأخذت تتمظهر كإحدى الظواهر حدث شعوراً
بضرورة الإياب إلى الماضي قليلاً حين أن عملية اكتساح سريعة أخذت تشمل
الجميع في التأثر والتأثير أخذت الحركة بين الناس تزداد في المجتمعات
نظراً لمقتضيات متطلبات السرعة في التعويل على أسئلة كثيرة.
ومن بين ركام الحياة المعاصرة تبرز الآن مسؤولية ما ينبغي المحافظة
عليه من مناسك الخلق الرفيع التي تبدأ مع المرء مع ما يوصى به منذ عهد
الطفولة من قبل والديه الذين تقع على عاتقهم المسؤولية المبكرة لتنبيه
أولادهم إلى مسألة شائعة بين الناس كـ(الحلال) و(الحرام) إذ لا بد من
التفكير بهما وإلا فإن الحق سوف يكون متراجعاً. ما لم تخضع النفوس إلى
مراقبة ذاتية – لا يشرفها إلا العمل الصالح.
إن عملية انتقاء لماهية السلوكيات الحسنة مع الآخرين ليس فيها ما
يتناقض مع المطلوب والواجب أولاً أن يرأف المرء بنفسه ومع الآخرين ضمن
ثوابت حياتية يكون الجميع مدعون لتطبيقها حتى لا يكون هناك طرف ملتزم
بها وآخر يشاكسها فقضية تجسيد الخلق هي نوع من الامتحان اليومي الذي
يوضع الإنسان أمامه كي يجتازه بلا اقتراف أي حماقة ممكن أن يجلبها سلوك
غير ملتزم.
والمنطق الصحيح هو أحد الحراس الأشداء الذي يحمي النفوس من الانزلاق
نحو منحدر اللارفعة أو الانتقام الجهول أحياناً ففي كل لحظة من لحظات
يقظة المرء يحتمل أن تظهر أمامه دروباً عليه اجتياز مخاطرها أو سلبيتها
ضمن رؤية حازمة تشفي الغليل وتسيطر على الأحاييل أينما ظهرت.
ولا يخفى أن تجسيد الأخلاق العالية يقتضي قبل كل شيء تواصلاً
إنسانياً مع المحيط الاجتماعي العام المدرك لكيفية المسير على ألغام
الجهال المزروعة في الأرضيات الخصبة لكل البذور. |