ذكرت دراسة حديثة أن نحو ثلاثة من كل أربعة منازل يمتلكون واحدا أو أكثر من أجهزة الكمبيوتر الشخصية في سنغافورة البارعة في التكنولوجيا. وترتفع الارقام الواردة من هيئة تنمية إتصالات المعلومات بنسبة  68 في المئة عن عام 2002. وقالت الهيئة ان هناك وعيا كبيرا بين العائلات عن أهمية استخدام تكنولوجيا المعلومات وبرامج التعليم الوطني.. كما ساعدت الصفقات المالية الجذابة على تزايد دخول الانترنت إلى المنازل. وأسفرت خطط نظام الاشتراك الشهري لخدمة الانترنت الممكن تحملها إلى اشتراك  40 في المئة من المنازل التي جرى استطلاع آرائها في النظام العام الماضي 2003 مقارنة بنسبة  24 في المئة عام 2002.

 

إنَّ سكينةَ القلبِ تُوجبُ الاتزانَ في التفكيرِ، وهو بدورهِ يوجبُ التحرُّكَ الصحيحَ نحوَ الأهدافِ الرفيعةِ.

ايران في جولة ثانية: انكشاف اوراق اللعبة.. انتخاب السيئ لتفادي الاسوء
إغلاق صحف إيرانية جديدة بسبب إشكالات الانتخابات الأخيرة
استجواب صدام واعوانه تمهيدا للمحاكمة الكبرى
إنجاز 70 - 80% من صياغة الدستور العراقي الجديد
75 بالمائة من الفلسطينيين يؤيدون تخلي حماس عن العنف
ندوة الوثائق التاريخية للقدس محاولة عقلانية لإيقاف تهويدها
التغذية السليمة تضمن للانسان ذاكرة نشطة حتى سن التسعينات
 
 
 
 

 

الأستاذ احمد شهاب في حوار شامل مع النبأ:

الاصلاح السياسي كان مطلبا دوليا وخارجيا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر لكنه تحول منذ السقوط المدوي لنظام البعث العراقي إلى حاجة مجتمعية ولم يعد أمام الأنظمة العربية والاسلامية الا ان تختبر مقدرتها على الصمود أمام زحف الشعوب نحو الديمقراطية..

 

* يؤدي العنف الى ازدياد حدة الاحتقان بين الطوائف والتيارات والمذهبيات المختلفة، وتضعضع السلم الاهلي، واتساع الجفوة بين اعضاء المجتمع الواحد لأسباب ثقافية / تاريخية.

* المطلوب الانتقال الى مجتمع الحوار بما يعنيه من تعدد قنوات التعبير عن الرأي، والاستماع الى مختلف الآراء برحابة صدر، وتفهم احتياجات ومبرارت كل أطراف المجتمع، وأخيرا مناقشة كل الشؤون العامة مع الناس بوضوح وشفافية

* هذه المنظومة تحتشد فيها صور التطرف و العنف والاقصاء، لاسيما وهي ترتكز على تراث معادي لنهج السلم الاجتماعي، وتستبطن رغبة في تهميش الآخر ومعاداة المختلف، وتبرير الظلم والعدوان، وقد حشرت هذه " المخلفات " كجزء من المنظومة المعرفية العربية.

* العصيان المدني أحد أرقى الأشكال الحضارية المعاصرة للتعبير عن رفض الأخطاء والممارسات السلبية التي تقع خارج نطاق القانون أو الأخطاء الناجمة عن فرض القوانين التعسفية، وهو دلالة على صحة وعافية الضمير الجماعي.

تبرز أهمية المثقف في أنه يخط دروب المعرفة ويأخذ بأيديهم نحو شواطئ الآمان

ويكرس لديهم مفاهيم تسهم في بناء الحياة بطريقة سليمة

من خلال التركيز على بناء نظام معرفي حضاري يتعاطى مع الكليات

والتفاصيل من حوله بطريقة عصرية وحضارية دون عنف وإقصاء وتهميش ..

وبما أن العالم يشهد حوادث عديدة لعل أبرزها موجة العنف غير المسبوقة

هذه يصبح من المهم التعرف على الكيفية التي يقرأ بها المثقفون هذه الظاهرة وغيرها من الظواهر الأخرى...

وتحمل هذه الايام معها بذورا لتأسيس مراحل مهمة جديدة من التاريخ عبر مفاهيم ظهرت الى الساحة بإشكاليات تبحث عن تغيير للواقع المتأزم، مثل اشكالية الاصلاح وتعريف مفهوم الارهاب وتزلزل الديكتاتوريات المهترئة ونزول الجماهير الى الشوارع.

ومن هنا استطلعنا رأي الاستاذ احمد شهاب حول هذه الموضوعات، واجابنا عن اسئلتنا مشكورا.

س1- ما هي برأيكم الأسباب التي تدفع بعض الجماعات العربية والإسلامية لممارسة التطرف والإرهاب؟ وما هي أهم النتائج التي تتمخض عن التطرف والإرهاب؟

ج: يبدو لي أن تحليل ظاهرة الارهاب يستدعي المرور على عدة عوامل أدت بمجملها إلى تفجر العنف في العالمين العربي الاسلامي، أولها ما يمكن أن نطلق عليه العوامل الداخلية: منها على سبيل المثال ما يتعلق بالقراءة القشرية للنصوص الدينية ومحاولة استلهام سنة السلف واقتفاء اثرهم بصورة حرفية وقشرية، والابتعاد عن القراءة المعمقة والرصينة التي دعى اليها القرآن الكريم في ألفاظ عدة ( يدبر، يدكر، يعقل، ينظر) وما نتابعه يوميا من خروج بعض المسلمين على القانون العام أو انتهاك الحرمات المدنية بقلب بارد في الكثير من الدول يشير إلى حجم الأزمة التي تعيشها بعض الجماعات الدينية، وهو الأمر الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بالتطرف الفكري الذي نعتقد أنه يعيد إنتاج نفسه بصورة مختلفة حسب الزمان والمكان الذي يكون فيه .

ومن العوامل الداخلية فقدان الدولة الوطنية الحديثة للشرعية، لكونها غير قابلة للمحاسبة من قبل شعبها، ولعدم تطبيقها القانون بعدالة ومساواة، كما لا يستطيع أغلب المواطنين الوصول إلى درجة التأثير في العملية السياسية ولذا فإنها لا تنال الرضا الوطني، وعدم الرضا هو مظهر من مظاهر فقدان الشرعية وهو دافع للخروج على الدولة وتخلخل أمنها باستمرار .

ومن العوامل الداخلية غياب التنمية الاقتصادية، وانتشار الفقر والبطالة، وسوء توزيع الثروة، والتفاوت الطبقي الحاد بين الناس، وانعدام العدالة الاجتماعية، والذي يتلازم عادة مع انتشار الفساد وغياب الشفافية . ان سياسات الاصلاح الهيكلي التي قامت بها بعض الدول أدت الى تضخم توقعات الناس بينما كان الواقع يشهد ضعفا في الأداء الاقتصادي العام، وهو ما أدى إلى احباط عام كانت له آثار واضحة على الاستقرار السياسي .

في الجانب الآخر تبرز العوامل الخارجية التي يمكن تلخيصها بالتدخل الأجنبي في المنطقة، وسيطرتها على الثروات، وتحكمها في مصائر الشعوب بما مثل استفزازا للمشاعر الدينية والوطنية، ودائما هناك من الطامحين من لايهاب الموت، ويعتقد فيه سبيلا وحيدا لتحرير الأرض واستعادة الهوية .

ومن العوامل الخارجية سيادة حالة من التوتر على المستوى العالمي، وبغض النظر عن اسباب تلك التوترات فإن الاجواء المشحونة عالميا ساهمت في انبعاث اعمال ارهابية اخذت طابع تحرري عرقي أو جهادي ديني وحفزت الكثير من الخلايا النائمة لإتخاذ إجراءات عنفية متفجرة .

في الشق الثاني من السؤال، يمكن إجمال اهم النتائج التي تتمخض عن تنامي ظاهرة التطرف والارهاب في الآتي :

على المستوى السياسي : نلاحظ تراجع مسيرة الاصلاح السلمي، وغياب التفاهمات الداخلية بين أطراف الساحة المشتركة، وارتفاع حدة التوتر بين النظم الحاكمة والتنظيمات السياسية .

أما على المستوى الثقافي : فتأخر عملية الحراك الفكري، وتراجع مسيرة الابداع الثقافي والعلمي، وسيادة حالة الجمود والتقليد بدل الاجتهاد والتجديد، والتضييق على حرية الرأي، وملاحقة أهل الفكر والمبدعين .

على المستوى الاقتصادي : يؤدي العنف إلى الخمول الاقتصادي، وهروب رأس المال وتعثر المشاريع التنموية، وتعثر الخطط الانمائية، وانخفاض الثقة باقتصاديات الدولة .

وعلى المستوى الاجتماعي : ازدياد حدة الاحتقان بين الطوائف والتيارات والمذهبيات المختلفة، وتضعضع السلم الاهلي، واتساع الجفوة بين اعضاء المجتمع الواحد لأسباب ثقافية / تاريخية .

س2- كيف نتمكن من احتواء حالات التطرف والإرهاب او استصاله جذريا؟

ج: اذا اتفقنا على أن التطرف يعني حالة فكرية نظرية تسبق الارهاب كممارسة عملية، فيمكن أن نتصور الحلول بمنهجية مختلفة تماما عن الحلول الأمنية التي تمارس في مختلف أنحاء العالم . يستلزم تفكيك خطاب العنف والارهاب البدء من تفكيك الايدلوجيا التي تمنح للعنف مبرراته، من خلال تسليط الضوء على الأفكار المتشددة وكشفها تحت أشعة الحوار الموضوعي، ومن خلال المزيد من حقن الانفتاح، فالحوارات الهادئة هي الوصفة الأنجع لفك طلاسم ظاهرة العنف المتشعبة .

المطلوب الانتقال الى مجتمع الحوار بما يعنيه من تعدد قنوات التعبير عن الرأي، والاستماع الى مختلف الآراء برحابة صدر، وتفهم احتياجات ومبرارت كل أطراف المجتمع، وأخيرا مناقشة كل الشؤون العامة مع الناس بوضوح وشفافية لأنه شأنهم .

نقول ذلك دون ان ننزلق في تعميميات الحلول الجذرية، فثمة حالات يصعب احتوائها لتغلغل الخلل في تراكيبها الفكرية، وربما أبرز مثال تسعفنا به الذاكرة موقف الخوارج المتمرد على حكومة أمير المؤمنين عليه السلام على رغم ما تميز به حكمه من عدل، وسعة في التعبير عن الرأي، فقد جاء أحدهم ذات يوم الى المسجد وعلي (ع) جالس وحوله أصحابه . فصاح ـ لا حكم إلا لله ولو كره المشركون ـ فتلفت الناس، ثم صاح لا حكم إلا لله ولو كره المنافقون، فرفع علي رأسه إليه، ثم صاح الرجل، لا حكم إلا لله ولو كره أبو حسن، فقال (ع) ان أبا حسن لا يكره أن يكون الحكم لله . ثم قال حكم الله انتظر فيكم، فقال له الناس هلا ملت يا أمير المؤمنين فأفنيتهم ؟ فقال (ع) انهم لا يفنون وان منهم لفي أصلاب الرجال وأرحام النساء إلى يوم القيامة .

نعم، هذه الحالات يمكن التقليل من شأنها وخطرها بالمزيد من الحريات، وبالمزيد من الحوارات التي تسلط الضوء على مكامن الخلل، ووضع تلك الجماعات في دائرة الصراع مع النفس والأفكار، وعلى كل حال تفيد التجارب المشابهة أن الايدلوجيا الصارمة إن وجدت متسعا ربيعيا في مناخ الضغط والسرية، فإنها لا تستطيع الصمود طويلا في مناخات الانفتاح والتعددية، وبالتالي فإن ترسيخ الديمقراطية والانفتاح السياسي على المستوى الفكري والسلوكي كفيلان بإنهاء بوادر العنف .

س3- ماهي علاقة المنظومة المعرفية العربية بانتشار التطرف والارهاب؟ وهل النظام المعرفي معبأ بالعنف، التطرف و الكراهية للآخر؟ وهل يشكل النظام المعرفي العربي عقبة أمام التطور نحو الإصلاح و الديمقراطية؟

ج: هناك ما يجب توضيحه قبل الدخول في الاجابة على هذا التساؤل الدقيق، وهو ما يتعلق بماهية المنظومة المعرفية العربية، أي ماذا نقصد من سؤال النظام المعرفي ؟

ابتسار المنظومة المعرفية العربية بكونها منظومة واحدة يمكن الحكم عليها بدرجة واحدة هو أحد المشكلات المعرفية الراهنة، فالمجتمعات العربية تختلف وتتفاوت في تراكيبها، وليس صحيحا أن نحكم عليها بطريقة واحدة . هذا الابتسار هو أحد أسباب فشل الحلول التي جُبلنا على تقديمها لأزماتنا المتفاقمة .

نحن نعتمد عادة على استيراد الحلول ونكتشف لاحقا وبعد تجارب واخفاقات كثيرة أنها غير ملائمة وغير مجدية لمجتمعاتنا، فنجاح استراتيجية في بلد ( وإن كان عربيا ) لا يعني انها صالحة لكل البلدان العربية الأخرى، فوجود نسق عربي في مواجهة انساق كلية أخرى لا يعني أنه لا توجد تعددية داخل هذا النسق .

هذا التحرير للمنظومة المعرفية العربية هام جدا ويعطينا قدرة أكبر على اكتشاف حلول مبتكرة من سنخ هوية وتركيبة كل مجتمع والخروج من حالة التعميم، وإن كنت لا أنفي امكانية الاتكاء على ثلاثة مكونات أساسية يمكن – بعد ملاحظة التباينات المجتمعية – الاطمئنان بأنها تشكل ملامح جامعة للمجتمعات العربية وهي الدين والتراث واللغة العربية . ومن خلال ملاحظة تفصيلية لهذه المنظومة سنجد الكثير من جوانب التعقيد وربما التناقض يختلط فيها المقدس بالأرضي، والديني بالعلماني، والتراثي بالتجديدي، والعقلاني بالخرافي، والعلمي بالخيالي، والرمزي بالواقعي .

وفي ظل غياب رؤية واضحة ومنهجية في التعامل مع هذه الثنائيات بين من يريد إلغاء احد طرفيها، وبين من يريد التلفيق بينهما قسرا تولدت حالات من التطرف الفكري مرة الى اليمين وأخرى الى اليسار، بما أفقد الأمة سمة الاعتدال والشهود والوسطية، خذ على سبيل المثال موقف بعض تيارات العمل الاسلامي من الديمقراطية، ستلاحظ مقدار الغبش الذي يعتري رؤيتنا العربية لها، فبعض الجهات تصر على معاداة الديمقراطية كممارسة ودعوة وحتى كـ ( كلمة )، ولا تتردد من اخراج المختلفين معها عن الدين والعقيدة والمبدء، وتلجأ إلى الغاء وتكفير التوجهات الوطنية والاسلامية الموسومة بالاعتدال والقابلة للديمقراطية. والأمر لا يختلف عند توجيه النظر إلى جماعة الليبراليين العرب في موقفهم المتشنج ضد التيارات الاسلامية والمحافظة، وسعيهم الدائم لإلغائها وتهميشها وتحريض السلطات عليها، بما يكشف عن مثالب الخطاب العربي بما فيه خطاب أولئك الذين يدعون حراسة الديمقراطية وصيانتها .

بالتالي، واجابة على الجزء الثاني من السؤال يمكن الاتفاق على أن هذه المنظومة تحتشد فيها صور التطرف و العنف والاقصاء، لاسيما وهي ترتكز على تراث معادي لنهج السلم الاجتماعي، وتستبطن رغبة في تهميش الآخر ومعاداة المختلف، وتبرير الظلم والعدوان، وقد حشرت هذه " المخلفات " كجزء من المنظومة المعرفية العربية .

أما عن عائقية هذه المنظومة للتطور والحركة نحو الاصلاح والديمقراطية، فلا شك بأن نزعات الغلو والتطرف التي استبطنت هذه المنظومة أسهمت دوما في افشال او اضعاف المشاريع الاصلاحية، إنها تعمل على اشاعة مناخ متوتر على المستوى الاجتماعي والسياسي، وتحاول أن تجد التبريرات اللازمة لإلغاء الآخر وتضييق مساحات العيش المشترك، كما أنها والأهم من ذلك عمدت إلى تضييق فرص " الابداع الفكري "، وأصبح المفكر الجرئ مهددا في حياته وسمعته وحريته إذا مارس عمله الإبداعي فأنتج متنا بدل أن يسجل حواشي . في مثل هذه المناخات كيف يمكن أن تتولد الأفكار الخلاقة ؟ وكيف تتراكم المعارف والعلوم وتتكون ثقافة حديثة تنتشل هذا العالم من مسلسل التأخر الذي يدور فيه ؟ وكيف له أن يساهم في نقد الأفكار والمقولات الثقافية المعطلة لحركة الاصلاح الديني والسياسي والمعيقة للتحول الديمقراطي وهو يعيش رهابا فكريا ؟

س4- هناك حركة إصلاح قوية يمر بها العالم، لاسيما العالمين العربي والإسلامي، تتمثل باندفاع الشعوب نحو الشوارع للقيام بعصيان مدني شامل يهدف إلى إسقاط الحكومات والقيام بالتغيير، برأيكم ما سبب هذا التحرك في هذه المرحلة؟.

ج: الفرضية الاساسية تقول ان انتشار التعليم والانفتاح الاعلامي والنشاط الاقتصادي يؤدي الى تغيرات عميقة في أي نظام اجتماعي، ان رؤية العالم المتقدم وقراءة التجارب المتطورة هي دافع لإحداث تغيرات تستهدف الخروج من الواقع السيء .

غالبية المجتمعات العربية والاسلامية تتفق اليوم على العناوين العريضة للاصلاح وضرورته الغير قابلة للجدل، انها تتفق على عمق الفساد ودرجة السوء التي وصلت اليها الأوضاع العربية الراهنة، فاصبح قطاع عريض من الشعوب اكثر تطلعا نحو المستقبل .

الانفتاح والتعليم وقراءة تجارب العالم المتقدم أحدث تطور في مصدر السلطة .. في السابق كان مصدر السلطة هم النخبة الحاكمة المدعمة بالقوة الدينية أو العسكرية أو المالية، أما اليوم فقد أصبح مصدر السلطة تحقيق رضا المواطنين، لتوضيح الفكرة .. الى وقت قريب نسبيا – ولايزال في بعض الدول – يتم التعامل مع الشعوب كرعايا، وينظر لهم كجزء من متاع الحاكم يتصرف فيهم كما يشاء، اما اليوم فان الرعية تحولت الى مواطنة والمواطنة تعني حقوق وواجبات وشراكة سياسية ومساواة وطنية، ومن المؤكد ان تنامي الفهم الحديث يدفع الجمهور في العالمين العربي والاسلامي الى طرح تساؤل ربما لم يكن من أحد اهتماماته سابقا وهو: هل يحق لأي شخص مهما كانت مواصفاته العلمية أو المالية أو الفنية أن يقرر بمفرده مصير المجتمع ؟

ربما يقال أن مفهوم المواطنة ليس عميقا في بلداننا، هذا القول صحيح وواقعي الى حد كبير، هو صحيح لأننا نفتقر في الداخل وإلى حد كبير لـ " ثقافة المواطنة "، وأستطيع القول أنه وإلى وقت قريب جدا لم يكن للوطنية مكان في أجندتنا السياسية أو الثقافية، بل وتعرض المفهوم لمحاولات التهميش والمصادرة من قبل بعض الجهات ( الدينية أو القومية ) لأنها لم ترى منه سوى جنبة التناقض مع الأممية والقومية .

وهو واقعي لأن الدول العربية والاسلامية تسعى حتى الآن لمقاومة ضغوط التعامل بالمساواة الوطنية و تجاهل قوانين الحقوق الدولية، وتصر على التعاطي مع الشعوب كرعية لاحقوق ولا امتياز لهم، لكن مما لاشك فيه أن مفهوم المواطنة آخذ بالترسخ والتنامى بصورة سريعة وعميقة لأنه أصبح من قوام الدولة الحديثة ونأمل أن يتعمق مصابنا بهذا الداء في أسرع وقت ممكن .

س5- هل يمثل العصيان المدني اسلوبا حضاريا جديدا يكون بديلا عن العنف، وهل برأيك سوف يحقق اهداف التغيير؟

ج: العصيان المدني هو أكثر من كونه بديلا عن العنف، انه تعبير عن الواجب الوطني الذي يلزم على كل انسان ان يتخذه للجهر بنوع الحومة التي يستحقها، فمن حق الناس أن يقولوا في العلن عن شكل الحكومة التي يستحقونها، وماذا يريدون من تلك الحكومة ؟ تحقيقا لفرضية رضا المواطنين و القبول الجماعي .

قبول المواطنين الجماعي يعني ان وجود حكومة مهما كانت مقبولة لا يبرر تخلي المواطنين عن ضمائرهم وعن دورهم كـ ( شهود ) على المسيرة السياسية في البلد، وعن حق الافصاح عن رأيهم فيما يعتبرونه حقا وخيرا ونموذجا افضل وارقى، والا ما معنى المشاركة السياسية والديمقراطية ؟ وكيف تتحقق مفاهيم العيش المشترك ؟

في هذا السياق يكون العصيان المدني أحد أرقى الأشكال الحضارية المعاصرة للتعبير عن رفض الأخطاء والممارسات السلبية التي تقع خارج نطاق القانون أو الأخطاء الناجمة عن فرض القوانين التعسفية، وهو دلالة على صحة وعافية الضمير الجماعي.

بالنسبة للجزئية الثانية من السؤال .. يصل العصيان المدني الى غاياته كلما تمسك به المجتمع كأحد حقوقهم الأساسية، انت تعلم ( وقد ذكرت ذلك سابقا ) ان مجتمعاتنا العربية تفتقر والى حد كبير المعرفة بحقوقها المدنية والسياسية، حتى في الدول التي فيها برلمانات وانتخابات وديمقراطية نسبية تكاد تلحظ عليها وبصورة مزعجة غياب ثقافة الديمقراطية وثقافة الحقوق المدنية، وهو ما ادى الى تردد الناس من اعلان رفضهم على القرارات والقوانين التعسفية والمجحفة، وتعلموا ان من صفات المواطن الصالح أن يلجم لسانه وقبلها ضميره عن اتخاذ موقف أو الجهر به .

لذلك فان المهمة الأولى التي تقع على عاتق المنابر الاعلامية واصحاب الرأي دفع هذه الفئات الى ممارسة الحرية كأمر واقع، والتعبير عن الحقوق الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والعبادية والمطالبة بها، والتشهير بمن يريد سلبها أو الانتقاص منها فلماذا نُظلم ونخجل من فضح من ظلمنا ؟ لقد حرم الله الجهر بالسوء الا لمن تعرض للظلم والاضطهاد والتمييز وسلب الحقوق فعليه الجهر بالسوء الذي تعرض له دون تردد " لا يحب الله الجهر بالسوء من القول الا من ظلم " .

س6- نلاحظ إن العالم العربي و الإسلامي لا يتقبل عملية الإصلاح إلا بوجود ضغوط خارجية قوية، فما سبب في ذلك؟ و هل بالإمكان قيام الشعوب العربية الإسلامية بحركة الإصلاح دون التدخل الخارجي؟..

ج: هذا الاطلاق يحتج الى تفصيل، اذا تحدثنا عن العالم العربي والاسلامي كشعوب وقوى أهلية ومؤسسات مدنية فيمكن القول انها ترغب في تحسين اوضاعها والانخراط في العملية الاصلاحية لكنها مترددة، وتشعر بنوع من العجز، وهو في الحقيقة ليس عجزا وانما شعور يمكن ان يزول في اللحظة التي تتوفر فيها الأسباب والعوامل الضرورية للانتقال من مرحلة الجمود إلى مرحلة التغيير والاصلاح بمفهومه الواسع، وهي في الحقيقة كامنة وبدءت تظهر في صور عديدة .

اما عن سبب بعض هذا التردد الملاحظ على قطاع من الشعوب العربية والاسلامية فمرده إلى أن التراث الذي ترتكز عليه لا يسعفها على الانتقال الديمقراطي، والمطالبة بالحريات السياسية والحقوق المدنية، التراث كما هو معروض اليوم يسير في عكس هذا الاتجاه إنه يساهم في التأكيد على القبول بالوضع السائد والثبات على القديم لأنه قديم، فالوعي الإسلامي صاغه رواة ووعاظ ودعاة كان همهم تثبيت ما هو موجود لصالح الحُكم والقوة والسلطان، أما المفكرون والفلاسفة وأهل الكلام والعقل فلم يجدوا متسعا لهم إلا في الدوائر النخبوية المحدودة . حتى أننا لو عدنا الى الأمثلة الشعبية الدارجة لأصابنا العجب من تغلغل هذه الثقافة التي ترفع كل ما هو قديم وعتيق الى درجة القداسة والمثالية.

القلق من التحول، القلق من القادم أصبح من الأزمات التي تعترض مسيرة الشعوب العربية والاسلامية بالصورة التي انتهى البعض الى توصيفها بالمجتمعات الجامدة .. بعض القطاعات الاجتماعية تتذمر من سوء الاوضاع وتلعن الظلام دون ان تتخذ خطوة وتشعل شمعة، وبعضها الآخر يتخذ موقف المتفرج من عملية الاصلاح بدل أن يدعمها، وربما يساق رواد ودعاة الاصلاح إلى المعتقلات امام الجموع دون ان تعترض او تعلن احتجاجها واستيائها من هذا التطاول على الرموز الوطنية .

ان اللوم يقع بالدرجة الأولى على الثقافة السائدة . هذه الثقافة اذا تغيرت يمكن حينها ان تتخذ الشعوب خطوة في اتجاه الاصلاح، أما كيف تتغير وتتبدل هذه الثقافة ؟ فمن خلال اعادة قرائتنا لتراثنا السياسي والاجتماعي، ومن خلال تغير نظرتنا وتعاملنا مع هذا التراث بنقدية صارمة . أنتم تلاحظون على سبيل المثال أن اضعف حقول الفقه هو الفقه السياسي، اذا قبلنا بالقول ان الفقيه الشيعي عزل عن الشأن السياسي في وقت مبكر نتيجة موقعه المعارض للحكومات المتعاقبة، فما بال الفقه السني ؟؟ صحيح انه كان أكثر توسعا ولكنه لم يدخل دائرة الابداع، وما تم انجازه غير مقنع بالمقارنة مع ما انجز في فقه العبادات على سبيل المثال، لا اعتقد أن هناك سبب سوى مخططات عزل الدين عن الشأن السياسي التي مارستها الأنظمة لتُسخِّر الدين والفقهاء لصالحها، وقد نجحت في تحقيق ذلك الى حد كبير، ولا تزال جهات كثيرة تعمل على تسويق هذا التراث على شعوبنا رغم تعارضه مع نصوص ثابتة .

وهكذا بالنسبة الى نموذج الحكم الصالح أو ما يمكن أن نطلق عليه الحكم المرتبط بالقيم والمعايير الانسانية، هذا الحكم هو مثال غائب تماما عن التراث المتداول والذي يتم تسويقه لنا ويراد تعميمه كمثال للحكم الاسلامي، فهو يختلف اختلافا بينا عن تلك الحكومة التي ثبتها الرسول الأعظم في ممارساته اليومية، كما انها تخالف التعاليم الواردة في نصوص الكتاب العزيز، وتناقض ما ورد من تدابير ووصايا أكارم آل محمد عليهم أفضل الصلاة والسلام .

اما اذا استمرت حالة التحشيد والتعبئة كما هي الآن، دون مراجعة ومذاكرة للوعاء الثقافي الذي تنهل منه هذه الجموع، فلا يمكن ان نتوقع تغييرا منها . وأظن على المستوى الشخصي ان المخاض الداخلي ليس معدوما وهو يمثل نوعا من الحراك الاصلاحي الذي نتامل أن يثمر خيرا كثيرا ولاسيما مع توسع قاعدة المثقفين واتخاذهم ادوارا متقدمة في المجتمعات العربية والاسلامية المعاصرة .

س7- لماذا تتمركز حالات الاستبداد، الديكتاتورية، والمركزية المطلقة في العالم العربي والإسلامي؟ و لماذا تأخر كثيرا في ممارسة الديمقراطية ؟

ج: قلت في السؤال السابق، ثمة مشكلة في التراث الذي نتكأ عليه، مشكلة في قراءة التاريخ السياسي للمسلمين، واذا لم نعتني باعادة قراءة التاريخ السياسي فاننا لن نقوى على تحقيق اي انجاز على مستوى الخروج من دائرة الجمود والتخلف .

لأن الثقافة المتوارثة أرست المشروعية على الكثير من أوجه الاستبداد والديكتاتورية، واستطاعت الحكومات المستبدة ان تصادر حق الحديث باسم الدين والحكم بأمر السماء، وقام العديد من الفقهاء ممن نطلق عليهم ( فقهاء بلاط ) بتسوير الديكتاتورية بالدين، واستنفذوا كافة جهودهم الفكرية والفقهية لتبرير تجاوزات السلطة، وكف الأذى عنها، الا ترى كيف اقترن التدين بطاعة الحاكم ؟ والخروج عليه بالخروج عن الدين ؟ وهل ترى كيف يطرح الاسلام ملازما للاستبداد ومصادرة الحريات، والغاء ارادة الناس ؟

أعتقد ان الكثير من علماء المسلمين اتلفوا وقتا ثمينا في محاربة الحريات ومحاولة اثبات فساد الديمقراطية وضلال القائلين بها، ولو انهم صرفوا جزء من هذا الوقت في سبيل تطوير مفهوم الشورى لأستطاعوا دون شك ان يكتشفوا تدابير سياسية توازي الديمقراطية وربما تفوقها، ولجنبوا انفسهم ومجتمعاتهم آثار وويلات الاستبداد والطغيان الذي جثم على صدور الناس لسنوات طويلة .

ان ضعف القراءات الجديدة لهذا التراث وبقاء جزء كبير من ارث الاستبداد ساهم في ضعف الاستجابة للنداءات الحضارية، ولذا فان ما نشاهده من قبول للديمقراطية وبعض مظاهرها عند الحكومات او عند بعض الجماعات السياسية هو قبول المضطر وليس المؤمن، وثمة فرق كبير بين الايمان والاضطرار . قبول المضطر ينتهي الى تمثل الحد الأدنى من الفكرة فهو لا يفكر مطلقا في تطوير هذه الديمقراطية أو دفعها الى الامام، هذا ان لم يعمد الى زعزعتها واعاقة التجربة الاصلاحية بكل الوسائل المتاحة لديه . بينما قبول المؤمن يبتدئ من الحد الاعلى ولا يقف عند سقف محدد بل يعمد وباستمرار الى التطوير والتجديد والارتقاء بما يخدم الاجتماع الانساني، وبما يوفر ضمانات اعلى للمواطنين .

الكثير من المظاهر الديمقراطية نشاهدها في العالم العربي والاسلامي في السنوات الأخيرة، ولكن لماذا تظل في حدها الأدنى ؟ لماذا لا تتطور وتتجدد ؟ بل تتعثر عند أقل حادث أو طارئ ؟ السبب في اعتقادي لأنها لم تؤمن بضرورة الديمقراطية، ولم ترتقي في نظرتها الى الانسان والى حقوقه الثابته في المشاركة والكرامة، وانما سارت فيه اضطرارا، ورعاية لمصالح داخلية ضيقة أو ضغوط دولية، ومطلوب ان نفكر جميعا في كيفية تحويل هذا القبول الى ايمان راسخ ومتجذر لا يتزعزع حتى تتحرك عجلة التطوير بصورة سليمة وعاجلة .

لا يفوتني ايضا الاشارة الى ان من اسباب تأخر الاصلاح في العالمين العربي والاسلامي الجفوة بين الحكومات والشعوب، فالحكومات لم تخرج من رحم الشعوب بل فرضت عليها فرضا، ووجد الناس انفسهم تحت سلطة نخب عشائرية او عسكرية متغلبة وأن عليهم تقديم فروض الولاء والطاعة لإثبات حسن مواطنيتهم، وانتم تعلمون ان من شروط الاستجابة للتغير وجود درجة من الانسجام بين الرأس والجسد، وهذا مفقود، والحق ان اغلب الحكومات لا تعرف ماذا تريد شعوبها ؟

يتذكر الأخوة عندما خرج احد الحكام متحدثا عن رفض شعبه المسلم للديمقراطية والانتخابات لأنها معادية للشريعة الاسلامية ومخالفة للعادات والتقليد السائدة، وعندما فتح المجال لشعبه ان يشارك في انتخابات جزئية تزاحموا على صناديق الاقتراع في اقبال وتفاعل يؤكد بما لا يقبل الشك ان هذا الحاكم وغيره كانوا في عزلة تامة عن رغبات ونظرات شعوبهم .

والحقيقة أن ثمة تناسب طردي بين انغلاق الطبقة الحاكمة على نفسها وأفكارها واولياتها، وبين ارتفاع وتيرة العنف وتثوير الخطابات السياسية والدينية التي تتكأ عليها الجماعات السياسية والدينية . والحل في وجود حكومات متوافق عليها على المستوى الوطني، واحترام الرغبة العامة عبر انجاز مجتمع الشراكة السياسية بين جميع المواطنين .

س8- ما هي عناصر و شروط نجاح ممارسة الديمقراطية في العالمين العربي و الإسلامي؟

ج: يمكن إجمال أهم هذه العناصر والشروط في النقاط التالية :

أولا : وجود بيئة صالحة للنمو الديمقراطي : ويتم من خلال نمو تشكيلات مدنية متنوعة ومؤثرة تؤمن بالديمقراطية والتعددية واحترام حقوق الانسان والرأي الاخر، فتشكيلات المجتمع المدني هي الحقل العملي للتنشئة السياسية على مبادئ الديمقراطية، ونظام الحقوق والواجبات، والاستماع الى الرأي والرأي الآخر، وإدارة التنوعات في الدائرة الوطنية بأساليب تعايشية مقبولة، والعمل على تحويل الديمقراطية من أفكار ومعلومات الى سلوك اجتماعي واسلوب حياة معتمد في البيت والمدرسة والمؤسسات الأهلية والمدنية .

ثانيا : تطوير الثقافة الديمقراطية : ويمكن تعيين مستوى الوعي السياسي ومستوى التطور الديمقراطي في المجتمع وعند الأفراد بالاستعانة بمعايير منها : مدى مشاركة الأفراد في البناء السياسي والاجتماعي كجزء من الحقوق الفردية للمواطن، وقدرة المواطنين على الوصول الى العملية السياسية والتأثير فيها، وقابلية الحكومات للمحاسبة من قبل شعوبها .

ثالثا : القراءة الجديدة للقيم الدينية : مثّل الدين في الخبرة العربية عامل أساسي من عوامل تكوين الأمة العربية، اذ ارتبطت نشأة الأمة السياسية والثقافية بالإسلام، وهو لا يزال مؤثرا وقادرا على احداث تحولات نوعية في المجتمعات العربية المعاصرة، وهذا لا ينفي أن معظم القراءات الحالية لا تسعف في التحول الديمقراطي، فهي لا تزال مترددة في دعم الحريات وتثبيت دعائمها، وتصر على التوقف عند تجارب غارقة في سلفيتها، وهو ما يؤكد حاجتنا الى حركة تصحيحية ( تجديدية ) مثابرة في هذا المجال تستنهض القيم العليا في الدين مثل العدالة والمساواة المدنية وحرية التعبير .

رابعا : بناء المواطن الفعال الذي يشارك بفعالية وايجابية في البناء الاجتماعي والسياسي، من خلال معرفته بحقوقه واصراره على التمسك بها وانتزاعها والدفاع عنها في حال ما تم التعرض لها من قبل أي جهة سواء السلطة الحاكمة أو الأحزاب والجماعات السياسية .

س9- هل ترغب في أن يكون الإصلاح من الداخل أو من الخارج، وماذا لو لم نتمكن من تحقيق الإصلاح من الداخل بسبب البطش والقمع الذي تمارسه الانظمة الاستبدادية؟. وفي رأيكم ما هي النتائج المترتبة على الإصلاح من الخارج؟

ج: سؤال الاصلاح ان كان من الداخل او من الخارج يستبطن خدعة كبرى تلبسناها جميعا، خدعنا بها من لا يريد الاصلاح ( لا من الداخل ولا من الخارج ) من أجل اعاقة الحركة الاصلاحية عن بلوغ غاياتها المأمولة.

من الذي منع الحكومات على مدى نصف قرن واكثر من الاصلاح ؟ الحكومات التي تتباكى خشية ضغوط الخارج لماذا لم تبادر الى الاصلاح عندما كانت متفردة في القرار ؟ لماذا زجت الآلاف من المطالبين بالاصلاح من الداخل في السجون وأذاقتهم حر الحديد والنار، بدل ان تستجيب لهم وتستمع لوجهات نظرهم ؟

لذلك اعتقد ان من الخيبات العربية والاسلامية الكبرى الانسياق خلف مشروع الأجهزة الأمنية والرسمية للاجهاز على آخر فرص الاصلاح، ولنتحول جميعا الى المتراس الذي يقف في وجه الاصلاح رغم أننا ضحايا الواقع السلطوي الراهن، وتبرير حالة التقاعس بدلا من الاستجابة للمطالب الاصلاحية وتغذيتها .

ويجدر في هذا السياق أن اسجل الملاحظات التالية :

الملاحظة الأولى : ان الاصلاح هو عملية ابداعية تساهم فيها جميع القوى الاجتماعية والسياسية والثقافية، يتم من خلالها تصحيح ممارسة قائمة وابتكار أخرى والاستفادة من تجارب وأفكار متنوعة بعضها من الداخل وأخرى من الخارج كأحد مظاهر الواقع العولمي الجديد .

الملاحظة الثانية : ان الاصلاح ليس نتيجة نهائية بقدر ما هو حركة دؤوبة تستهدف فعل التغيير والتجديد الدائم في البنى والهياكل والأفكار ايضا، وهو بهذا المعنى يظل هدفا متحركا يتطلب الكثير من المهارات الانسانية لمواكبته، كما أنه يتطلب استفادة من الخبرات العالمية وعلى رأسها " خبرة الحرية " وسبل رعايتها، وملاحقة آخر ما توصلت اليه البشرية في هذا المجال .

الملاحظة الثالثة : ان الاصلاح وان تم بدعم أو اثارة من الخارج الا انه لا يمكن الا ان يكون مشروع محلي داخلي يستثمر عناصر القوة في المجتمع، فإن أمكن اسقاط أنظمة دكتاتورية باستخدام القوة الخارجية وتحققت نجاحات لافتة، فيصعب أن نتصور إمكانية تثبيت الديمقراطية وتنميتها بضغط الخارج أو عبر قوة الاحتلال .

الملاحظة الرابعة : تجاوب الداخل مع دعوات الاصلاح المنبعثة من الخارج دليل على الفشل الذي وصلت اليه الأنظمة العربية المعاصرة، فلولا الهزائم والخسائر التي حققتها هذه الأنظمة في كافة المجالات التنموية لما وجد في الداخل من يستجيب لصيحة الخارج، وهو ما يؤكد أن الاصلاح حاجة داخلية قبل أن يكون دعوة خارجية .

الملاحظة الخامسة : ان الاصلاح السياسي كان مطلبا دوليا وخارجيا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر لكنه تحول منذ السقوط المدوي لنظام البعث العراقي إلى حاجة مجتمعية، أي تحول من كونه مطلب إلى شرط من شروط الاستقرار في المنطقة، ولم يعد أمام الأنظمة العربية والاسلامية الا ان تختبر مقدرتها على الصمود أمام زحف الشعوب نحو الديمقراطية، وكلما كان صمودها أكبر كلما تضاعف الثمن الذي يلزمها أن تدفعه، وأبهظ هذه الاثمان فقدانها للمساندة الشعبية في مواجهة ضغوط الخارج المستمرة .

الملاحظة السادسة : أن الاصلاح من الخارج كأجندة تنموية شاملة قد لا تتفق مع أجندة الاصلاح المحلية، وربما يصح التشكيك بصدق رغبة الخارج في احداث اصلاحات حقيقية وشاملة، لكن المعضلة الأساسية تكمن في بقاء قنوات التعبير المحلية مغلقة، واستمرار مساعي الأجهزة الرسمية العربية والاسلامية على تغييب الأجندة الوطنية وبعثرة المطالب الاصلاحية والمماطلة في تنفيذها .

وأخيرا أشكر لكم هذه الحوارية الهادفة والمركزة، آملا لكم كل التوفيق والسداد في مشروعكم المعرفي الراقي، وفقكم الله .


* أحمد شهاب: باحث خليجي من الكويت.

مدير مكتب مجلة الكلمة للدراسات والأبحاث في الكويت.

بكالوريوس شريعة إسلامية .

كاتب أسبوعي في جريدة الوطن الكويتية، زاوية (ضد التيار) .

من أبحاثه المنشورة :

نحو تناول علمي لمفهوم العولمة .

تطور مشروع التغيير الإسلامي ونظرة نحو المستقبل .

إعلام ما بعد العولمة .

تأثير العولمة على وضعيات المرأة المسلمة .

شبكة النبأ المعلوماتية -االثلاثاء 19/نيسان/2005 - 10/ ربيع الأول/1426