عامان على الحدث السياسي الكبير , عامان على انفجار بركان
الحرية القدير , عامان على ولادة العراق الجديد, نعم الجديد بكل
ماتعنيه الكلمة. ونعني بالعراق النظام لاالدولة فهذه _اي الدولة_
كظاهرة اجتماعية قديمة بقدم العراق, لكن النظام الجديد ولد على انقاض
النظام القديم في التاسع من نيسان العظيم. وحتى يتبين الفرق بين
النظامين نقول ان القديم كان ديكتاتوريا اما الجديد فهو ديمقراطيا.
القديم كان شموليا واحاديا والجديد تعدديا تداوليا. القديم كان مركزيا
والجديد فدراليا. القديم كان فاشيا طائفيا والجديد انسانيا وطنيا.
القديم كان عسكرتاريا والجديد مدنيا. اذاً نظام ما بعد التاسع من نيسان
نظاما جديدا. بعد عامين من التغيير لايزال الجدال في اوجه هل ان ماحدث
كان احتلالاً ام تحريراَ؟ وقبل استعراض الاجابة لابد من التذكيير ان
معظم العراقيين كانوا مع التغيير بغض النظر عن نظرتهم اليه(احتلالا ام
تحريرا) والجميع متفقون على ان ماحصل كان تغييراً هزّ الشرق الاوسط
بأسره. والحقيقة التي يستنكف الحاسدون من ذكرها هي ان ما حصل كان
تحريرا بأعين اغلب العراقيين لكنه احتلالاً بأعين بعض منهم ممن فقدوا
امتيازاتهم السياسية جراء التغيير ومن العرب المنتفعين من هبات انظمة
ما قبل التغيير.
ومهما حاولنا وصف ماحصل في يوم9/4 فان المتفق عليه انه مثل بداية
مرحلة جديدة في تاريخ العراق الحديث. وفي هذا اليوم قد تكون عاصمة
عربية (سقطت) لكن هنالك عواصم اخرى وهنت وتزعزعت دفاعاتها لهذا السقوط
المدوي والذي كان ايذانا بسقوطها ونهاية لأنظمتها التي لاتزال تقارع
رياح التغيير التي هبت عليها من بغداد الحبيبة, لهذا وبدلا من البقاء
في حالة الدفاع عن نفسها تجاه هذا المد الديمقراطي الجارف بادرت تلك
العواصم الى دعم الارهاب من باب الهجوم خير وسيلة للدفاع لذلك رأيناها
كيف فتحت ابوابها لتحتضن الاضداد من سلفيين وبعثيين وقوميين ممن لا
يجمهم جامع سوى عدائهم للتغيير فمالذي يجمع بعثي علماني بسلفي ديني غير
الخوف من الديمقراطية والتغيير! والان هل يمثل هذا التغيير احتلالاً ام
تحريرا؟ وهل العراق حاليا ارض محتله وفقا للقانون الدوليً؟ وفقا للمادة
42 من لائحة لاهاي لعام 1907 فان اي دولة اوارض تعتبر محتلة "حين تكون
تحت السلطة الفعلية لجيش العدو". وطبقا لهذا النص القانوني فان الاراضي
العراقية الان ليست تحت سلطة (العدو) وذلك وفقا لقرار مجلس الامن 1546
والذي تم من خلاله نقل السيادة الى الحكومة العراقية الانتقالية . نعم
قبل صدور هذا القرار كان العراق دولةً مُحتلةً من قبل القوات الامريكية
وحلفائها وذلك طبقا للقرار 1483 الذي حول القوات المحررة الى قوات
محتلة مُلزمة باتفاقية جنيف الرابعة. ان امريكا باسقاطها لنظام صدام
قدمت للعراقيين خدمة عظيمة ومن هنا سارع السياسيون الوطنيون كالدكتور
الجلبي والسيد الطالباني لتقديم الشكر لها على التحرير ولانجانب الصواب
اذا ما قلنا ان شكرهما لامريكا عكس رغبة اغلب العراقيين الذين استقبلوا
اسقاط النظام بارتياح منقطع النظير تمثل بعدم مقاومتهم للقوات المحررة
والكل رأهم وهم يبتهجون بدخولها لساحة الفردوس واسقاط تمثال الديكتاتور,
وعليه فان ما حصل من تغيير كان تحريراً حقيقاً لكن امريكا ارتكبت خطاءاً
فادحاً حينما قبلت بالقرار 1483 نتيجة لضغوط الدول التي وقفت ضد عملية
التغيير منذ البداية كمعظم دول الجوار وبعض الدول الاوربية المنتفعة
اقتصاديا من النظام السابق كفرنسا وروسيا والمانيا. ان امريكا وقعت بفخ
قانوني ُنصب لها حينما قبلت بذلك القرار والذي حول قواتها وبقية
الحلفاء من قوات محررة الى محتلة. لا نبالغ اذا ما اعتبرناه قرار
المشاكل للامريكيين والعراقيين على حد سواء. اذ نتج عنه تشكيل ادارة
امريكية لحكم العراق هي ادارة بريمر التي ارتكبت الكثير من الاخطاء
وكانت وراء الانفلات الامني والذي كان بالامكان تلافيه لو تم تشكيل
حكومة عراقية بعد التغيير مباشرةً ولكن خطأ الامريكان بقبول (القرار
الخدعة) هو الذي اجهض فكرة تشكيل حكومة عراقية كان بامكانها السيطرة
على الامور بشكل افضل وسحب البساط من تحت اقدام القوى الارهابية التي
عاثت بالعراق فساداً باسم (مقاومة المحتل). وعلى ذلك فان ماحصل في
بداية التغيير كان تحريراً واقعياً للعراقيين من نظام ديكتاتوري ملأ
العراق بالمقابر الجماعية واهلك الحرث والنسل وراح يهدد الجيران
والعالم ويصدر الارهاب. ثم تحول التحرير من الناحية القانونية لا من
الناحية الواقعية الى احتلال وفق (القرار المشكلة) ثم انتهت فترة
الاحتلال وأُعيدت السيادة للعراقيين قانونيا وفقا القرار 1546 الذي وصف
امريكا وحلفائها بالقوات المتعددة الجنسية. علما ان فترة الاحتلال من
الناحية القانونية كانت مؤقتة تطبيقا لأتفاقيتي لاهاي وجنيف الرابعة اذ
" لا يكتسب المحتل السيادة على الأراضي والاحتلال ليس إلا حالة مؤقتة,
وحقوق المحتل تنحصر في حدود تلك الفترة"( لاهاي لعام 1907 (المواد 42 -
56) و جنيف الرابعة (المواد 27-34 و47-78) . ومن نافلة القول ان وجود
قوات متعددة الجنسيات على اراضي دولة ما لا يعد احتلالاً وفق المادة 42
فان" الطريقة العادية لانتهاء الاحتلال هي أن تنسحب القوة المحتلة من
الأراضي أو تدفع إلى الخروج منها. إلا أن استمرار تواجد قوات أجنبية لا
يعني بالضرورة أن الاحتلال مستمر". ومن هنا فوجود القوات المتعددة
الجنسية بالعراق لايعد احتلال هذا من الناحية القانونية وكذلك من
الناحية الواقعية والتي تعني قبول اغلب العراقيين بوجود هذه القوات على
اراضيهم وكذلك نظرة اغلبهم الى التغيير على انه تحرير. ولعل سائل يسئل
اذا كان الامر كذلك فما هو تفسير مايحدث الان من اعمال عنف في بعض
مناطق العراق؟ الجواب ان مايحدث اليوم هو صراع ايديلوجي بين بقايا
تيارات سياسية من القرن المنصرم وما سببته للعالم العربي من مآسي
وويلات وبين تيارات ديمقراطية طموحة تسعى لاخراج شعوبها من عنق الزجاجة
ومن بودقة التيارات الظلامية التي لاتزال اسيرة الماضي. ما يحدث هو
صراع بين اطراف يسعى كل منها ومن خلال تبنيه لاسلوب عمل ما لأثبات صحة
وجهة نظره. فالارهابيون يريدون ان يثبتوا ان اسقاط صدام لايُعد صفحة
مشرقة في تاريخ المنطقة ولهذا يسعون الى افشال التجربة الجديدة بالعراق
بكل الوسائل والطرق ومن اجل هذا التقى السلفي بالبعثي وبالقومي في عرس
بن آوى وهم نقائض ومعروف ان المتناقضين لا يجتمعان ولا يرتفعان ببداهة
العقل على حد تعبير المناطقة. اما انصار التغيير والذين يسعون لانجاح
المشروع التغييري فهم يريدون اثبات ان ما حصل كان لمصلحة الشعب العراقي
وشعوب المنطقة التي تتطلع للحرية والديمقراطية مهما كانت المسميات
احتلالً ام تحريرا. الحقيقة التي يتفق عليها انصار التغيير ان وجهاً
مسخاً واحداً يجمعُ كلّ الوجوه القبيحة المناوئة للتغيير وتعتمد الحالة
على الزوايا التي يُنظر منها الى هذا الوجه المسخ فزاوية تُريك اياه
بصورة بعثي وأخرى تُريك اياه سلفي وزاوية ثالثة تُريك اياه عروبي او
قومي وجوه متعددة لعملة واحدة هي عملة التخشب السياسي والجمود الفكري
الذي يعني في النهاية التطرف والارهاب ووصف تحريرالشعوب المضطهدة
بالاحتلال.
almossawy@hotmail.com
|