على حد قول ياسر عبد الحافظ: مهما لعنا الأمريكان فلن نستطيع أن
ندارى إعجابنا بتلك القوة والصلافة التي تميزهم، بعد أحداث الحادي عشر
من سبتمبر قالوا بأنه لا بد من إصلاح العالم العربي، بالطبع كان وراء
الدعوة رغبة في حماية الإمبراطورية الوليدة من خطر المد الإسلامي
المتطرف، وتحجيم تلك القوة المنفلتة من كل سيطرة.
تنوعت برامج الإصلاح المقترحة ولم تكن كلها منصبة على الشأن السياسي،
فهناك برامج ثقافية واقتصادية ودينية واجتماعية وربما عسكرية، غير أننا
لم نلتفت – كالعادة – سوى لقمة الجبل وأهملنا بقية التفاصيل.
كان الرد الجاهز لدى العرب في مواجهة المطالب الأمريكية الحادة
والأوروبية المتعلقة: نحن لا نقبل التدخل في شؤوننا الداخلية، والإصلاح
عملية تأتي من الداخل، وترك الحكام الأمور تمضي هكذا على أمل أن يهدأ
الأمريكيون بعد فترة، غير أن سياسة (الغربال الجديد له شدة) أثبتت فشلاً
ذريعاً، وهو فشل يعني جهلاً تاماً بالخصم وإمكاناته وكيفية ملاعبته.
الأمريكان ليسوا مثلنا، ففي حين أن الأيام عندنا متشابهة وكثيرة، إن
لم نفعل اليوم شيئاً فسنفعله غداً، فتصورهم عن الزمن مختلف: قصير وسريع
ولا بد من استثماره.
التدخلات على المستوى السياسي قائمة وصريحة لدرجة مخجلة وتبعها الآن
محاولات للإصلاح الديني، بدأتها الدكتورة أمينة ودود أستاذة الدراسات
الإسلامية بجامعة فرجينيا كومونولث الأمريكية، ففي إحدى الكنائس
الإنجليكانية فجرت قنبلة مدوية عندما ألقت خطبة الجمعة وأمّت الصلاة
وورائها حشد من نساء ورجال تراصوا كيفما اتفق، مخترقين أحد الخطوط
بالغة الحمرة في الدين الإسلامي، فالمستقر منذ بدأت الدعوة الإسلامية
أن الإمامة للرجل، وأن موقع النساء إن صلين بالمسجد هو الصفوف الأخيرة،
حيث لا يرى جسدهن في الركوع والسجود أحد المصلين، كما أنه لا يجوز لها
الحديث داخل المسجد فصوتها أيضاً عورة.
صحيح أن الرفض جاء من كل المسلمين على أساس التحريم فالشيطان يجري
فينا مجرى الدم من العروق لذا لا بد لنا من أن نتعامل مع أنفسنا بقسوة،
لا بد أن نفعل مثلما فعل السلف تماماً، بغض النظر إن كنا في الألفية
الثالثة أم الخامسة، وغيرها حيث المنطق الذي لا يمكن لأحد أن يقبله أو
يعيش تحت وصايته خاصة وأن الشيوخ ليسوا أنبياء ولا أوصياء على عقولنا.
ولم يكن هناك محاولات إقناع يمكنها مخاطبة تلك العقول المنفتحة التي
تربت على المساواة والحرية بين الجميع.
ولكن لا يصح أن ندخل كل المسلمين في هذا اللوم فأحكام الله غير
قابلة للخضوع لرغبات الناس وأهوائهم وثقافاتهم فعورية المرأة لا تخفى
في مميزات خلقتها الأنثوية المقرونة بالحياء بدل مزاحمة الرجال وهي
ليست في مقام مطالبة حق أو ردّ باطل. وثانياً ثقافة المساواة ليست أفضل
من ثقافة إعطاء حقوقها كاملة حسب طبيعتها الأنثوية وسجيتها الرقيقة، ثم
ألا يمكن تحقق المساواة إلا في مقام تخلي الأنثى عن دورها الملائم لها
ومنازعتها الرجال وخرق ساحتهم، أو في موارد الفساد كما في الروايات
الأدبية الحديثة الرامية إلى تبني الصيد المعاكس حيث النساء المسنات من
ذوي الدخل العالي تتخذ رجالاً حديثي العمر أو صغار السن بغية قضاء وقت
ممتع معهم لقاء أجور وحجتهم في ذلك المساواة بين الجنسين حتى في هذه –
إذ لم تفتهم هذه المزية التي كانت فيما سبق للرجال حيث كانوا يتخذون
عاهرات لقضاء وقت ممتع.
وثالثاً: لو كانت المساواة بمعنى الحقوق ثابتة في ضمائرهم أينهم من
حقوقهم في حق تربية أولادهم حيث لا سيطرة لهم على أولادهم، بل هم تحت
وصاية الدولة تربيهم كيفما تشاء.
ومن حسن الحظ أنهم لن يستطيعوا فهم عمق الإيمان وثقافتهم السطحية عن
الإسلام أوقعهم في أخطاء فاحشة تقابل بالرفض والإنكار الشديدين مما لا
يدع مجالاً للتأثر بمحاولات الإصلاح السخيفة هذه. فالصلاة التي هي عمود
الدين وجوهرها الخشوع والتعبد لله والذوبان فيه وفي حبه لا يمكن أن
تعطي نتائجها الجذابة في مثل هذه البيئات التي هي أشبه بمراكز إغواء
وانحراف. |