ليس عيباً أن يكون إلمام المرء المطلع محسوباً بقدر كم ونوع انتهاله
من مجال أو أكثر في عالم المعرفة لكن العيب يكون جلياً ومحسوباً عليه
إذا ما شعر المرء أنه لم يعد بحاجة لاستمرار مواكبته لما تأتي به علوم
وتجارب الحياة.
ما يحدث من تطور في الحياة عبر ما يلمس في وسائلها على مختلف
المجالات يفترض أن يكون لتيسير أفضل للإنسان والبشرية التي تعتز اليوم
بما أنجزته حتى الآن في العلم والتكنولوجيا والعلوم الإنسانية تبقى
بحاجة أكثر للإنجازات الجديدة وربما مثل هذا التصور يعبّر عن فلسفة
الغاية لكافة العلوم. وإنسان القرن الحادي والعشرون رغم حيرته من
الموقف السياسي العام وعلى كافة مستوياته المحلية أو الإقليمية أو
الدولية نتيجة لما يترجمه هذا الموقف من ابتعاد عن ناصية الإنسانية في
أحيان وأماكن ليست قليلة نتيجة لحالة الإرباك التي تضيع الكثير من
ثوابت حقوق الإنسان مثل افتعال الحروب وإرهاب الدول وعنجهية المسؤولين
في العديد من مناطق العالم التي يمكن اعتبارها بمجملها أنها تشكل
النقيض المتخلف أمام عمليات التقدم العلمي والتكنيكي.
وربما اعتبر التخلف العام الذي يعصف بالعديد من المجتمعات أو شرائح
منها فهذا ما أبعد العديد من السلطات عن مواقع تطبيقات العدل المطلوبة
باستمرار. فخير البشرية لا يمكن أن يأتي لمجرد (ادعاء بعض الحكومات
بأنها تعمل لأجله بل تطبيق ذلك على الأرض، ولذا فإن الحقد الذي تكنه
العديد من المجتمعات ضد حكوماتها هو من باب التعبير عن فقدان الثقة
بتلك الحكومات.
إن الجمهرات العارفة الآن بما يدور حولها من أمور حياتية.. متداخلة
هي أجدر أن تصارح بما لها وما عليها وليس يقوم بأداء هذه المهمة غير
تيسير الحكومات لمجتمعاتها التي إذا ما حدثت فإن التعلم من العلم
والتعلم من الآخرين والتعلم من التجارب الذاتية ستوضح على أوضح محك
يمكن أن يُرسخ الحسبانيات المتنوعة على أرض أكثر صلابة. ولعل في واقع
حال تواضع وجهاء المعرفة ممن هم مستعدون لأن يقولوا دوماً كلمة (لا
أعرف) حين يكونوا غير عارفين بأمر ما أو علم ما أو معلومة ما ما يشجع
أن يقتدوا من قبل الآخرين.
إذ من المعلوم أن العارف حين يقول لا أعرف لأمر ما يعتقد البعض أنه
عارف به فيه من التواضع العلمي والشعور بروحية التلمذة لدى ذاك العارف
الذي يريد فعلاً أن يعرف ما ليس لديه إحاطة تامة بموضوعة ففي ذاك
اعتراف بأن العلم ما زال يتوالى في مجالات لا أول لها ولا آخر وبديهي
جداً أن يكون الإنسان بغير مواكبة لما يأتي به العلم من تطور وكأنه
جامد أمام حركة الحياة.
إن الشخصية العلمية التي تمتاز بالشعور العميق بأنها ما زالت تعيش
على روح التعلم من كل جديد فيها من التلمذة الإيجابية للفرد الإيجابي
الصغير داخل الكون الكبير. |