عن الإمام علي بن الحسين زين
العابدين (عليه السلام)
(وحق الصاحب: أن تصحبه بالتفضل، وتكرمه كما يُكرمك، ولا تدعه يسبق
إلى مكرمة، فإن سبق كافيته. وتودّه كما يودّك، وتزجره عما يهتم به من
معصية، وكن عليه رحمة ولا تكن عليه عذاباً. ولا قوة إلا بالله).
لا شك أن الإنسان بطبعه مشدود نحو صحبة الآخرين ويبتدئ هذا الشعور
فيه وهو في مهده، فتراه طفلاً يبتسم لمن يداعبه ويحنو عليه، ويخفق
فؤاده طرباً لابتسامة والديه، ولا تزال هذه العاطفة التي هي أساس
الشعور بالصحبة تنمو بنموه إلى أن تصبح طبيعة ثانية، فإن الإنسان حتى
وهو على حافة القبر ليعلّق قلبه بمن يوليه الجميل.
أليست الصحبة هي التي تعمر القلوب بالسعادة والهناء، وتضاعف من
أفراحها وتبدّد أحزانها، أليست هي الحب والولاء، والتضامن والاصطفاء،
والصدق والصفاء، وتفاعل الروح مع الروح وانجذاب القلب للقلب وكل معاني
الخير.
أليست هي سلالم المجد وأساس التضامن والعمران وسر تقدم الأمم.
أليست هي الفرحة الكبرى عندما تتجلى دلالاتها فيمن يفرح لفرحك ويألم
لألمك.
وهل فوق هذا الشعور ما يحبب الحياة إلى الإنسان ويجعله يحرص على
البقاء. فهي بحق من أعظم نعم الحياة عند من يفهم الحياة ولا يغني عنها
شيء من المخلوقات.
إن صحبة الناس وأخوتهم ليست بالشيء الذي يترك للقضاء والقدر، وليس
القانع بصحبة النزر اليسير من الناس، بعيد الهمة كبير القلب، إنما أرحب
الناس صدراً وأوسعهم أفقاً من كان له في كل الأرض منازل، وفي كل قبيلة
أصحاب، وفي كل مجتمع معارف يُسرون بقربه ويبتهجون لمنظره، ففي كل نفس
حلم جميل ساحر، بأن يكون محبوباً إلى كل إنسان، ومكرماً في كل مكان،
وهذا الحلم يمكن أن يصبح حقيقة بالعمل والسعي الجاد لاكتساب الأصحاب.
ولكن هل كل واحد يصلح للصحبة والمصاحبة معه؟
لا شك أن خير الأصحاب هم الكرام والصلحاء وذو الشرف والفضيلة والعفة
والمروءة وعن الإمام الصادق عليه السلام: (لا تصحب خمسة: الكذاب فإنك
منه على غرور، وهو مثل السراب يقرب منك البعيد ويبعد منك القريب.
والأحمق فإنك لست منه على شيء فإنه يريد أن ينفعك فيضرك، والبخيل فإنه
يقطع بك أحوج ما تكون إليه، والجبان فإنه يسلمك ويفرّ عند الشدة،
والفاسق فإنه يبيعك بأكلة أو أقل منها).
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) (لا تصحب إلا عاقلاً تقياً، ولا
تخالط إلا عالماً ذكياً، ولا تودع سرك إلا مؤمناً وفياً..).
ولكي تستمر الصحبة وتمتن أواصر المحبة والأخوة لا بد من مراعاة أمور:
فعن الإمام الصادق (عليه السلام) (لا تكون الصداقة إلا بحدودها، فمن
كانت فيه هذه الحدود أو شيء منها فانسبه إلى الصداقة، ومن لم يكن فيه
شيء منها، فلا تنسبه إلى الصداقة، فأولها: أن تكون سريرته وعلانيته لك
واحدة، والثاني: أن يرى ما يضرك يضره، وزينك زينه وشينك شينه، وأن لا
يغيره عليك ولاية ولا مال، وأن لا يمنعك شيء تناله مقدرته، وأن لا
تسلمك عنه النكبات)
أو كما لخصه الإمام زين العابدين (عليه السلام) في حقوق الصحبة
بقوله:
(وكن عليه رحمة ولا تكن عليه عذاباً)
بأن يفعل كل شيء فيه رحمة لدنيا صديقه وآخرته ويبتعد عن كل شيء فيه
عذاب صديقه وشقائه. |