عن اللطيف الخبير في قرآنه الكريم: (إن
الله لا يغير ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم...).
لا ريب أن الإصلاح يحتاج إلى أرضية خصبة وقابلة لعملية الإصلاح ولذا
لم يجبر الباري عز وجل أحداً على الهداية وإصلاح نفسه وبالتالي قبول
طاعته والتنور بكلماته بل ترك أمر التغيير إلى العباد أنفسهم، لا لأنه
غير قادر على هداية العالمين بل لعدم قابلية بعض العباد وعدم أهليتهم
للهداية.
وهذا يشمل التغيير في الأمة أيضاً فالأمة التي أرادت المجد والخلود
وسعى لها سعيها فلا بد أن تحصل عليها
إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن تستجيب القدر
فالأمة عندما تريد الحياة العزيزة وهيأت نفسها لذلك واستعدت بترتيب
المقدمات وتأسيس الأصول وتمتين القواعد والبنى الأساسية للتغيير
والإصلاح فلا بد أن تأتيها الفرص لتتلقفها وتستغلها خير استغلال.
وأمة إقرأ بعد ألفة الجهل سنين طويلة وهم لا يعرفون معنى الحرية، بل
لا يحسون باستبداد الحجر الذي يعبدون، عندما بدأت القراءة والعلم وتلقف
الفكرة الإسلامية التي انتصرت على أي مواجهة عقلية ولا عقلية عزفت عن
الحجارة ومضت في طريق بناء مجتمع مدني راشد وفقاً لسنن التاريخ.
فعظمة الفكرة الإلهية دفعت بالقبائل العربية المنعزلة إلى مسرح
التاريخ، لقيادة تغيير شمل كل المجالات، واتسع الأمر بعد ذلك لبناء
حضارة امتدت قروناً طويلة ولكن أزمة المسلم اليوم أزمة قراءة بمعنى
العلم والمعرفة والفكر، وهي لا تتعدى هذا، فالمسلم اليوم لا يطيع أول
أمر في القرآن، ولذلك لا نرى أنفسنا نواجه نقصاً في الأشياء، ولكن نقصاً
في الأفكار.
وإذا كان اختتام النبوات مقدمة ليعول الإنسان على طاقاته الذاتية،
فإن (القراءة) أول طاقة ذاتية يجب استثمارها، وما هذا الذي حلّ بنا إلا
نتيجة حتمية لرفض أمر (اقرأ).
أما حالة العالم الإسلامي اليوم فليست خارجة عن سنن التاريخ، فنحن
نعيش مرحلة ما بعد الحضارة، والأزمة التي نعانيها أزمة إنسان في نفسه
جهل.
أما عن وصولنا إلى حالة يرثى لها مما يهدد وجودنا الحضاري في
التاريخ القابل على النحو الذي ينبغي أن يكون مما يجب معه أن يدفعنا
أفراداً وجماعات، لسلسلة من التحولات جعلتنا أكثر التصاقاً بأسباب
البقاء، مما ألزمنا بالاعتراف بكارثية الحال والرغبة الصادقة في تغييره
لكن المشكلة (كيفية التغيير) فالإرادة والإجماع منعقد على التغيير ولكن
الاختلاف على الكيفية.
الساحة مليئة بالمشاريع لكنها تعاني عدم التفصيل والوضوح وقلة
الملائمة للواقع وضعف الإيمان بها من قبل القائمين عليها وضعف التفاعل
الجمعي معها، بحيث لم تنتهج بعد الفعل اللازم المؤدي للنهضة.
وعن هذه الحالة أيضاً نقول إن سببها الجهل وعدم الوصول إلى مستوى
تخطي الاختلاف وبالتالي الاتفاق والتركيز على نقاط الاتفاق الكثيرة
والتغاضي عن نقاط الاختلاف مع قلتها. |