اخيرا اثمر الضغط الشعبي والاعلامي العراقي على الاردن فأتى أُكله
باقالة حكومة فيصل الفايز وتكليف الدكتور عدنان بدران تشكيل الحكومة
الجديدة. يجمع اكثر المراقبين للشأن الاردني على ان اقالة الفايز جاءت
كرد فعل على فشل حكومته في التعامل مع الازمة العراقية التي جاءت على
خلفية مجزرة الحلة التي نفذها الاردني (رائد منصور البنا) والتي أودت
بحياة اكثر من ثلاثة مائة مدني مما اثار حفيظة الشارع العراقي والقوى
السياسية الوطنية وفي طليعتها حزب المؤتمر الوطني العراقي الذي يتزعمه
الدكتور احمد الجلبي وكذلك المجلس الاسلامي الاعلي الذي يتزعمه السيد
عبد العزيز الحكيم في الوقت الذي لاذت فيه حكومة السيد اياد علاوي
بالصمت حيث يرتبط عدد من اعضائها بعلاقات مشبوهة مع الاردن خصوصا وزيري
الدفاع والكهرباء.
وفي رسالته الى السيد عدنان البدران اكد عاهل الاردن على (ضرورة تعزيز
العلاقات الاردنية مع الدول العربية) وطالب بان( يبقى الاردن سندا
للعراق وشعبه) كلمات العاهل الاردني جاءت على خلفية تدهور العلاقت
الاردنية مع عدد من الدول العربية وغير العربية بسبب التصريحات
والتصرفات اللامسؤولة لحكومة الفايز المُقالة والتي على مايبدوانها
اغاضت الملك عبد الله لانها لم تستطع ترقيع فلتات لسانه ذاته كفلتة (الهلال
الشيعي ) وفلتت تحذير اسرائيل من (مؤامرة) سورية ايرانية حزب اللهيه
الى غيرها من الفلتات والشطحات والتي كان اخرها شطحة زيارته لصحيفة (الغد)
التي تسببت بتصعيد الازمة العراقية الاردنية بعد نشرها لخبر (اعراس
الشهادة) التي قامت بها اسرة الارهابي منفذ مجزرة الحلة.
كذلك فشل حكومة الفايز في اعطاء تفسير واضح لتصريحات وزير خارجيتها
هاني الملقي في قمة الجزائر الاخيرة حول القرار 1959 مما افسد العلاقة
السورية الاردنية والتي تعاني اساسا من الفساد بسبب مواقف الاردن
العدائية ضد سوريا ودعمها لمجموعة (الاخوان المسلمين) الذين ساهموا
بحوادث حلب المعروفة في الثمانينيات بالاضافة الى فشل الفايز وحكومته
في ضبط الاعلام الاردني المخترق من القوى الرديكالية التي زادت
بكتاباتها الطين بله. لكن الجميع يكاد يتفق على ان تصاعد حدة الازمة
بين العراق والاردن على خلفية العملية الارهابية في الحلة كانت القشة
التي قصمت ظهر البعير فأودت بالفايز وحكومته بعد ان شعر الملك عبد الله
بحراجة الموقف وبالورطة التي سببتها له تلك الحكومة الفاشلة بالرغم من
الاعتذار الخجول الذي تقدمت به للعراق عما حدث والذي جاء متأخرا كثيرا
الا ان ذلك لم يكن كافيا لأطالة عمرها .
لقد ضمت تلك الحكومة الكثير من الرؤوس المتشددة التي وترت اجواء
العلاقة المتوترة اصلا بين الشعب العراقي والاردن بسبب مواقف الاخير ضد
الشعب العراقي تأريخيا ابتداءا بالعهد الاموي حيث كانت فيه الاردن جزء
من الشام الذي ناصب العراق العلوي العداء مرورا بالعهد الملكي ثم ثورة
قاسم وانتهاءا بعهد صدام الذي شهد تعاونا اردنيا بعثيا ضد الشعب
العراقي غير مسبوق من قبل اذ لا تزال ذاكرة العراقيين تختزن صورة الملك
حسين وهو يطلق اول قذيفة مدفع تجاه ايران معلنا الحرب ضدها وضد الشعب
العراقي الذي عانى الويلات وذاق المرّ بسبب تلك الحرب التي مثلت
للاقتصاد للاردني المنهك باب الفرج وموقف الاردن من غزو الكويت ودعمه
لذلك الغزو والذي انتهى بتدمير العراق والقصة معروفة للجميع.
يُنقل عن الملك حسين بعد الخراب الذي حل بالعراق بسبب ذلك الغزو اللعين
انه كان يقول انني سعيد بدمار العراق وحينما سئل عن دواعي تلك السعادة
قال انه ورط صدام بحرب ايران وورطه بغزو الكويت انتقاما من العراقيين
وثأراَ لدم ابن عمه فيصل الثاني الذي قتله عبد السلام عارف صبيحة ثورة
تموز عام 1958. وبالرغم من عدم امكانية تأكيد هذه الرواية الا ان
تصرفات الاردن مع العراق تثبتها.
والان مالذي يمكن لحكومة السيد عدنان بدران فعله ؟ وماهي الخطوات
المطلوبة منها لتصحيح مسار العلاقة العراقية الاردنية؟
المتوقع ان تُجرى تغييرات جذرية في الملف العراقي وكذلك تغييرات جذرية
في الاشخاص المسؤولين عنه. واقل ما هو متوقع اسقاط الرؤوس المتشددة
التي وترت الاجواء مع العراق من قبيل وزيرة الثقافة والناطقة باسم
الحكومة اسمى خضر وكذلك وزير الداخلية سمير حباشنة ووزير الخارجية هاني
الملقي.
من المعروف انه تم تحميل الحكومة المُقالة مسؤولية تخبط الكثير من
وزرائها مع العراق سواء من خلال التصريحات اللامسؤولة او من خلال
المواقف المتشنجة تجاه الرموز الوطنية العراقية كالحملات اللامبررة
التي شنتها اطراف في حكومة الفايز ضد الشخصية الوطنية السياسية
المحبوبة الدكتور الجلبي ومحاولة تهرب حكومة الفايز من مسؤليتها في
تحمل اسباب ما حصل مع العراق بأتهام الجلبي بأنه العقل المدبر وراء
تصعيد الازمة!
على حكومة السيد بدران القادمة ان تقوم ببادرة حسن نية تجاه العراق
والعراقيين لأثبات ان مواقف الحكومة الاردنية السابقة لا تمثل منهجا
ثابتا في التعاطي مع الشأن العراقي وكذلك لا تنطلق من مواقف مبيته تجاه
النظام العراقي الجديد. على السيد بدران ان يغلق والى الابد ملف (استضافة)
دولته لعائلة الديكتاتور البائد وكذلك ايواءها لرجال مخابرات النظام
البائد وللبعثين الذين يقدر عددهم بـخمسن الف يملون العمليات الارهابية
في العراق. اذ من المتوقع من حكومة السيد بدران بذل قصارى جهدها وان
تتعاون في ملف البعثين القاطنين في عمان وكذلك ملف الاموال العراقية
المسروقة والمودوعة في البنوك الاردنية والتي بسببها شهد الاقتصاد
الاردني انتعاشا قُدر بـسبعة بالمائة. غني عن التذكير ان هذه الاموال
سرقت من افواه ابناء المقابر الجماعية والذي ذاق اكثرهم الذل حينما
اضطرته ظروفه للعمل في الاردن.
لا داعي لتذكير الدكتور عدنان بدران وهو الشخصية الاكاديمية المحترمة
ان الحكومة العراقية القادمة مصرةٌ على فتح ملف الفساد الاداري في
بغداد وانه لمن المتوقع ان يوصل التحقيق بالفساد الى عمان والتي تشير
الادلة الى تورطها بشكل او بآخر بفساد بعض وزراء حكومة السيد علاوي ومن
هنا ينبغي على الاردن اذا كان راغبا حقا بترميم علاقته بالعراق ان
يتعاون في هذا الملف الخطير وغيره من الملفات فالعراقيون لاسيما ذوو
ضحايا مجزرتي الحلة والموصل ينتظرون اعتذارا اردنيا رسميا واضحا مشفوعا
بتعويضات مالية وبمعاقبة الاطراف الاردنية المتشددة والتي كانت وراء
ماحصل. هل سينجح عدنان بدران في تهدئة خاطر العراقيين؟ هذا ما ستكشفه
الايام القادمة.
almossawy@hotmail.com |