مهما تكن مقاربات الباحثين حول العلاقة بين الحداثة وعدم الاستقرار
السياسي وبالتالي العنف في الدول النامية إلا أن التقهقر السلبي ونبذ
معطيات الحداثة لا تزيد المشكلة إلا سوءاً في وقت أصبحت الحداثة قدراً
محتوماً لكل شيء في الحياة، فالهروب والانطواء على كل حال هو أسوأ
الخيارات.
صحيح أن الحركة الاجتماعية تزعزع الاستقرار أكثر من النمو الاقتصادي،
حيث الفجوة بين هذين الشكلين من التغيير تفسح مجالاً لتأثير الحداثة
على الاستقرار السياسي، إن الحضرنة والتعليم والثقافة، ووسائط الإعلام
كلها تعرض الإنسان التقليدي إلى أشكال جديدة من الحياة، ومعايير جديدة
للمتعة، وإمكانات جديدة للإشباع.
تكسر هذه الخبرات الحدود المعرفية والمبدئية للثقافة التقليدية،
وتشجع مستويات جديدة من الطموحات والاحتياجات. على أي حال تزداد قدرة
المجتمع الانتقالي على إرضاء هذه الطموحات الجديدة بشكل أشد بطئاً من
الطموحات نفسها. وبالتالي تنمو فجوة بين الطموح والتوقع، بين تشكل
الحاجة وإشباعها، أو وظيفة الطموحات ووظيفة مستوى المعيشة. تولد هذه
الفجوة إحباطاً اجتماعياً واستياء عملياً، ويوفر امتداد الفجوة مؤشراً
منطقياً إلى عدم الاستقرار السياسي، هو نوعاً ما أكثر تعقيداً مما قد
يبدو على السطح. تعود العلاقة إلى حد كبير إلى غياب متغيرين ضمنيين
متداخلين:
الفرص من أجل حركة اجتماعية واقتصادية، والمؤسسات السياسية المتكيفة.
وبالتالي: يعتمد المدى الذي يسبب عنده الإحباط الاجتماعي المشاركة
السياسية، إلى حد كبير، على طبيعة البنية الاقتصادية والاجتماعية
للمجتمع التقليدي.
إن عدم الاستقرار السياسي في البلاد التي تسير في طريق التحديث هو،
إلى حد كبير، وظيفة هذه الفجوة بين الطموحات والتوقعات الناتجة عن
تصاعد الطموحات التي تحدث بشكل خاص في الأطوار الأولى من التحديث، تؤثر
الحداثة في اللامساواة الاقتصادي، وكذلك في عدم الاستقرار السياسي
بطريقتين: فأولاً: الثروة والدخل هما عادة موزعان بشكل غير متساوٍ في
البلاد الفقيرة أكثر من البلاد المتطورة اقتصادياً.
هذه اللامساواة مقبولة في مجتمع تقليدي كجزء من النمط الطبيعي
للحياة. على أي حال، فإن الحركة الاجتماعية تزيد من الوعي باللامساواة،
وبالتالي النقمة عليها.
وثانياً: يسبب النمو الاقتصادي، على المدى البعيد، توزيعاً للإيراد
أكثر عدلاً مما هو موجود عليه في المجتمع التقليدي، ولكن من ناحية
ثانية وعلى المدى القريب، يكون الأثر المباشر للنمو الاقتصادي غالباً
هو تفاقم اللامساواة في الداخل.
إن مكاسب نمو اقتصادي سريع مركزة غالباً في جماعات قليلة، بينما
الخسائر منتشرة بين الكثيرين. ونتيجة لذلك، قد يتزايد عدد الناس الذين
سيصبحون أكثر فقراً في المجتمع فعلياً.
إن النمو الاقتصادي يزيد من اللامساواة الاقتصادية في الوقت نفسه
الذي تقلل فيه التعبئة الاجتماعية من شرعية تلك اللامساواة. ويتحد كلا
جانبي الحداثة ليسببا اللااستقرار السياسي.
كل هذا صحيح إلا أننا نرجح في البلاد التي لم تخترقها الأنظمة
الاقتصادية والاجتماعية تماماً، النموذج البديل عن نموذج التنمية
المتبع في البلاد الغنية.
حيث يمكننا أن نتعلم من الثقافات الأصيلة، لا طرق استخدامهم الطبي
للأعشاب واستخدامهم الأرض فحسب، بل نظرتهم الكونية وقيمهم غير المادية
أيضاً، خصوصاً قيم الإسلام السمحة في كافة المجالات والقابلة للتكيف مع
الحداثة دون التفريط بحقوق الفرد والمجتمع والحفاظ على حق كل من
الرؤساء والمرؤوسين والشعب والقادة والعلاقات الاقتصادية والاجتماعية
والتربوية الصحيحة بالإضافة إلى النظريات الجريئة والحلول الجذرية لكل
المشاكل السياسية والاقتصادية على مبدأ السلم والسلام.
ولا يخفى العامل الغيبي في إصلاح علاقات الأفراد بين بعضهم البعض
والآخرين وعلاقة العبد بربّه وتقديم الفضيلة على الرذيلة والضمير على
هوى النفس. |