في مقال سابق ذكرنا ان الخطر السعودي على العراق ليس باقل من خطر
الاردن وغيرها من الدول التي تتامر من اجل اجهاض التجربة الديمقراطية
في العراق عبر اساليب الاغتيال والتفجير والارهاب من خلال السيارات
المفخخة والاجساد الانتحارية. وذكرنا ان النظام السعودي يشكل الاخطر
على امن العراق لتملكه اسلحة دمار الفتوى الشاملة التي يصدرها الى
العالم من خلال علماء "الجهاد" والقتل الذين يكفرون البشر وكل من
يخالفهم في الرأي والمعتقد.
وقد برز خطر النظام السعودي على الامن العالمي بعد احداث 11 سبتمر
الارهابية التي نفذها السلفيون الارهابيون الذين تربوا في افغانستان
باموال سعودية وبافكار وعقائد سلفية تم تصديرها الى افغانستان في فتاوي
معلبة تقضي بتكفير كل من لا يؤمن بالفكر الوهابي وعقائدهم .. وقتل كل
من يوجههم او يتحدى منهجهم التكفيري ..
واليوم تجلى هذا الخطر من خلال تسلح معظم الذين يقومون باعمال
ارهابية بفتاوي جاهزة تم استيرادها من المدرسة السلفية الوهابية وهي من
اخطر الاسلحة يفوق في قوتها التدميرية اسلحة الدمار التقليدية والغير
تقليدية كاالسلاح النووي والكيماي والصواريخ ذات القوة التدميرية
العالية .. لعل سلاح "الفتاوي" التي يتسلح بها الارهابيون (المقاومون)
يشكل سلاحا ماضيا من حيث اعطاءه الشرعية الكاملة لكل عمليات القتل
والذبح التي تمارس باسم "الدين" و"الاسلام" وهذا الاخير منهم براء
كبرءة الذئب من دم يوسف ..
بعض السعوديين كانوا ومازالوا سباقين في مجال الفتاوي المتطرفة التي
تشرعن لهم ممارسة كل ما يخدم مصالحهم ويحقق لهم أجندتهم الظلامية التي
يسعون من خلالها السيطرة على العقول حيث "الفتوى" ومنذ قيام الدولة
السعودية وبتحالف مع حركة "الاخوان" السلفية والوهابية كانت الوسيلة
المثلى بيد آل سعود لاخضاع الاخر المخالف لهم في فكرهم لحكمهم الظلامي
.. والملاحظ ان اغلب الذين يمارسون القتل والارهاب ويشرعنون عملية
الذبح وقطع الرؤوس يستندون في اعمالهم البهيمية تلك إلى مجموعة فتاوي
تأتيهم بالدرجة الاولى من السعودية ومن علماء البلاط وهيئات دينية
منتشرة على طول وعرض الاراضي السعودية وهي تتواجد في كل مكان حتى في
غرف نوم حكام البلاد .. الواضح في الاونة الاخيرة تزايدت في العراق
ظاهرة اعتقال مجموعات ارهابية عربية وسلفية وفي حوزتها مطبوعات دينية
وفتاوي كلها صادرة عن علماء ومشايخ في السعودية وهي تحرض على التكفير
والقتل وشرعنة الخطف والذبح ..
كما كثرت عمليات اعتقال اعداد كبيرة من الارهابيين كانوا يسعون
للتسلل الى العراق من الحدود السعودية وفي حوزتهم تلك الفتاوي التي
حصلوا عليها من مشايخ السلف وعلماءها. والغريب ان معظم الذين يتم القبض
عليهم كانوا قد امضوا فترة في السعودية حتى ان العديد منهم كانت
السلطات السعودية قد حققت معهم وسلمتهم الى السلطة العراقية ! وهو امر
يثير الشك حول كيفية تمكن هؤلاء من التسلل الى العراق وبالعكس بعد ان
تم التحقيق معهم من قبل اجهزة امن النظام السعودي ..
وقد نشرت صحيفة المدى العراقية تقريرا مقتضبا بتاريخ 5ـ04ـ2005 حول
تسلل اكثر من
130 شخصا ارهابيا عبر الحدود السعودية كانوا يحملون معهم فتاوي رجال
دين سعوديون زودوا بها خلال وجودهم في السجن في السعودية قبل ان يتم
اطلاقهم وتسفيرهم ! ولم تشير الصحيفة لكيفية تسلل هؤلاء والى دور
النظام السعودي في تسللهم خاصة وان عدد أولئك المتسللون لم يكن ضئيلا
وهو ما يتناقض مع ما قيل عن وجود تنسيق بين الجانب السعودي والعراقي
والا كيف يمكن اطلاق تسمية "متسللين" من قائد الحرس في منطقة بادية
السماوة في محافظة المثنى وهذا الامر يؤكد خلاف ذلك ويدلل على وجود
علاقة بين المؤسسات الرسمية السعودية وخاصة الدينية المتنفذة في مفاصل
الدولة واجهزتها الامنية وبعلم السلطات وبين تلك الاعداد الكبيرة من
الارهابيين الذين تم ترتيب امر تسللهم الى العراق بعد خروجهم من "السجن"..
ان امر مكافحة الارهاب الذي يدعي النظام السعودي انه مهتم به ويعمل
على تفعيله من خلال "المؤتمرات" الاقليمية والعالمية يتناقض كليا مع ما
يجري على الارض وخاصة في العراق الذي تصدر اليه فتاوي القتل التي تعتبر
بمثابة "اسلحة دمار" تهدد حياة الملايين من البشر في العالم وهي موجهة
في الاساس ضد الشيعة وخاصة شيعة العراق الذين وقفوا بقوة في مواجهة
الارهاب ودعموا العملية السياسية السلمية في العراق وشاركوا في تحدى
بارز للارهاب في الانتخابات النيابية الديمقراطية التي حرمها شيوخ
السلفية وكفروها واباحوا دماء الذين يشاركون فيها.
ومن المفارقات التي يلمسها المراقبون والمختصون في شأن الحركات
المتطرفة الارهابية ان النظام السعودي الذي يخوض حربا شعواء في الظاهر
مع المجموعات الارهابية من خلال المواجهات المسلحة التي تحدث بين فترة
واخرى وفي ظروف غامضة ويسعى عبر تلك المواجهات لإثبات ذلك للعالم انه
يحارب الارهاب لن يستطيع لحد هذا اليوم القضاء على بؤر الارهاب
الرئيسية وضرب معاقلهم وتدمير ترسانة الفتاوي المدمرة المنتشرة في
السعودية .. تلك الترسانة التي تشكل الاحتياطي الضخم للارهابيين
ومستودع لتفريخ الارهاب يتجاهل حكام ال سعود عمدا امر محاربته بل
يعملون بشكل من الاشكال الالتفاف على المطالب الدولية حول ضرورة تغيير
مناهج التعليم وكبح جماح علماء السلفية والتكفيريين ‘ وهناك قرائن
كثيرة تثبت بضلوع امراء سعوديون في دعم الارهابيين والتعاون او التعاطف
معهم لا نستطيع حصرها في حالة معينة ولعل غياب الديمقراطية ومشاريع
الاصلاح السياسي في السعودية وقمعهم للشيعة في المنطقة الشرقية ومدينة
المنورة وحرمانهم من ممارسة طقوسهم الدينية واعمال التمييز الطائفي
ضدهم يشكل احد ابرز تلك القرائن التي تفند ادعاءات النظام السعودي
بتبنيه نهج الاصلاح ومحاربة الارهاب ‘ وقد نشرت قبل عدة ايام لجنة
الدفاع عن حقوق الانسان في السعودية بيانا ادانت فيه قيام السلطات
بحرمان الشيعة للممارسة طقوسهم الدينية حيث قالت اللجنة ان ((ان
السلطات السعودية قامت بمنع إقامة مهرجان (آمال اللقاء) الذ كان من
المقرر إقامته بمناسبة أربعين الإمام الحسين عليه السلام بساحة القلعة
بمدينة القطيف والذي صادف يوم العشرين من صفر 1426 هـ - 30 مارس 2005 م
، حيث أن السلطات الأمنية بشرطة القطيف بالمنطقة الشرقية قد أبلغت
القائمين على المهرجان المذكور بالتوقف التام عن المضي قدماً في إقامة
فعاليات المهرجان والأنشطة المصاحبة وذلك قبل يوم واحد فقط من الموعد
المقرر لانطلاق الفعاليات مساء الأربعاء (ليلة الخميس ) المصادفة لليلة
أربعين الإمام الحسين عليه السلام دون إبداء أية أسباب واضحة لهذا
الإجراء ‘ويذكر أن إدارة المباحث الجنائية بشرطة القطيف كانت قد استدعت
صباح الثلاثاء 19 صفر 1426 – 29 مارس 2005 م المشرفين على إقامة
فعاليات المهرجان وهما المواطن سعيد العوامي والمواطن علي خزام ،
وأبلغتهما رسمياً بقرار صادر من جهات عليا في إمارة المنطقة الشرقية -
ولعلها إشارة إلى حاكم المنطقة الشرقية محمد بن فهد المعروف بتشدده
ونزعاته العدائية والطائفية تجاه مواطني المنطقة - يقضي بإيقاف فعاليات
المهرجان فوراً ، مع ضرورة توقيع تعهدات خطية بالالتزام بذلك))..
واضاف بيان لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان في شبه الجزيرة العربية: إن((
هذا الإجراء التعسفي غير المبرر شرعاً أو قانوناً يؤكد ما كنا نذكره
دائماً في بياناتنا السابقة من أن ما يجري من أعمال وممارسات طائفية في
هذا البلد إنما يخطط له وينفذ بتنسيق وتوجيه وإشراف مباشر من قبل أصحاب
السلطة والقرار ، وأن الغلو والإرهاب الفكري والديني الذي تجسد إرهاباً
دموياً على أرض الواقع -- والذي أظهر النظام نفسه ولا زال وكأنه أحد
ضحاياه والمتضررين منه – إنما مصدره النظام نفسه بتركيبته الطائفية
المتشددة ذات الفكر المنغلق))..
هذا البيان يكشف بوضوح الى ان خطر الارهاب هو مصدره النظام السعودي
لتبنيه الفكر التكفيري ورفضه تغيير مناهج التعليم ذات التوجه السلفي
والطائفي ..كما ان ما اشير اليه حول تركيبة النظام الطائفية المتشددة
ذات الفكر المنغلق هو في حقيقة الامر ما نريد من تأكيده حول اسلحة
فتاوي التدمير الشاملة التي يمتلكها النظام السعودي في مواجهة خصومه
المذهبيين من كل الطوائف والاديان ويرفض التخلي عنها لانها تمنحه
الشرعية في البقاء والاستمرار في ذلك النهج الظلامي المنغلق الذي يفرخ
الارهاب والارهابيين ..
ان القضاء على الارهاب يتوقف اليوم على القضاء على مصادر تغذيته
الفكرية والفقهية وما يجري على الارض من مشاهد كارثية ودموية بفعل
التفجيرات الارهاربية واجساد انتحارية هي في الحقيقة تطبيق لتلك
الافكار والفتاوي التي يصدرها علماء السعودية ومشايخهم السلفيون وسلاح
"الفتاوي" سلاح فتاك لا يمكن للمجتمع الدولي ان يتجاهله خاصة وان
تداعياته خطيرة ويلمسها العراقيون وخاصة الشيعة بوضوح من خلال القنابل
البشرية الوهابية التي تتفجر بهم ويقتلون بفعلها..
لذلك ندعوا العالم وكل المحبين للسلام وكل الذين يحرصون على السلم
العالمي وحقوق الانسان الى مواجهة الفكر التكفيري بالضغط على النظام
السعودي للتخلي عن اسلحة الفتاوي التدميرية التي تمتلأ بها الترسانة
الوهابية السلفية في السعودية والمرشحة في كل وقت لإنزال الخسائر
بالمجتمع الانساني مهما حاول النظام الاظهار بين فترة واخرى انه يحارب
الارهاب فهذا لايكفي لان ارضية الانتشار السريع للارهاب هي مهيئة
لتفريخ أجيال وأجيال من الإرهابيين كما يؤكده العديد من المحللين
والباحثين .. |