يواجه أكاديمي بالسعودية حكما بالجلد 200 جلدة والسجن لاربعة أشهر
في خضم معركة يخوضها بعض الكتاب في المملكة ضد التيار المحافظ في
البلاد.
لقد استدعى قاض بمحكمة شرعية في الرياض هذا الشهر حمزة المزيني
أستاذ اللغويات بعدما قال أحد زملائه إنه سخر من لحيته الطويلة في مقال
صحفي.
ورغم الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر قضايا الاعلام أمر القاضي
بجلده وسجنه شهرين ثم ضاعف العقوبة على الفور عندما اعترض المزيني.
يقول المزيني إن القاضي قرر تشديد العقوبة من الجلد 75 جلدة والسجن
شهرين إلى الجلد 200 جلدة والسجن أربعة أشهر بالاضافة إلى حظر الكتابة
في الصحف.
إلا أن الاكاديمي البالغ من العمر 57 عاما واثق من أنه لن يتم تنفيذ
العقوبة. وبعد ساعات من صدور الحكم تدخل الامير عبد الله بن عبد العزيز
ولي عهد السعودية في أحدث اشتباك تشهده المملكة بين الليبراليين ورجال
الدين.
قال المزيني في مكتبه الصغير بجامعة الملك سعود "غادرت المحكمة ووجه
الأمير عبد الله رسالة قوية قال فيها إن الحكم لاغ وباطل ولا أساس له
وانه ليس للمحكمة أي اختصاص قضائي بنظر هذه القضية."
ولم ينشر قرار ولي العهد عبر وسائل الاعلام إلا أن الليبراليين
فسروا الامر على أنه يعني أن المحاكم الشرعية لن تكون جهة اختصاص فيما
يتعلق بقضايا الاعلام.
وتفجرت القضية بين المزيني والدكتور عبد الله البراك استاذ الدراسات
الاسلامية في الجامعة نفسها بعد مقال للمزيني عن تفشي التعصب في جامعته
وعبر السعودية.
وتسلط الضوء على المذهب الوهابي في السعودية بعد هجمات 11 سبتمبر
ايلول على الولايات المتحدة في 2001 والتي شنها عرب أغلبهم من السعودية.
ويقول البعض إن الفكر الوهابي يغذي العداء للغرب.
قال المزيني "اعتدنا أن تكون جامعة الملك سعود مركز التنوير في
السعودية." ومضى قائلا إن الطالبات اللواتي يفصل الآن بينهن وبين
الطلبة بل والمحاضرين الرجال كن يواجهن عقبات أقل كما كانت الجامعة
تستضيف أحداثا اجتماعية وحفلات موسيقية وعروض افلام.
وأضاف "كتبت أن شيئا ما حدث للجامعة في السنوات العشرين الماضية مع
قدوم الاخوان المسلمين للمملكة" مشيرا إلى تدفق موجات من الاسلاميين
للسعودية في الستينات والسبعينات وكان كثيرون منهم من مصر.
وتابع "حدث مزيج كيميائي قابل للانفجار بين تعصب هنا والاخوان
المسلمين. وأدى ذلك إلى ظهور نوع من التعصب لم نعتد على وجوده في
السعودية."
ومن جانبه قال البراك إن "التنوير" الذي يدعو إليه المزيني انحرافا
عن الاسلام الحق. ورد المزيني بقوله إن نظرة واحدة على صورة البراك
بلحيته تكفي لمعرفة القوى التي تقود الارشاد في السعودية الآن.
قال المزيني "لقد فهم هو وآخرون أنني أسخر من لحيته. لم أكن أسخر من
لحيته كنت أتحدث عن شيء تجريدي بدرجة تفوق قدرته على الفهم."
ويندر أن يخوض أحد تحديا علنيا لشخصيات دينية في السعودية. إلا أنه
في يناير كانون الثاني سخر بعض الصحفيين من رجل دين قال إن كارثة
الامواج العاتية التي تعرضت لها دول اسيوية في ديسمبر كانون الاول
الماضي هو عقاب من الله بسبب مظاهر الانحلال الخلقي التي تصاحب
الاحتفالات بعيد الميلاد.
وقال المزيني "اخر أربع سنوات كانت بمثابة الربيع. كان هناك قدر من
الانفتاح ودرجة عالية من حرية الرأي... لدينا هذا النوع من الانفتاح
ولا نريد أن نخسره."
وتحت الضغوط الامريكية والضغوط الداخلية بعد هجمات 11 سبتمبر ايلول
2001 بدأت السعودية اصلاحات حذرة منها تخفيف بعض القيود على الصحافة.
وربما كانت قضية المزيني قد سويت إلا أن كاتبا آخر اثار غضب رجال
الدين مازال ينتظر صدور حكم.
فقد أثار الكاتب الصحفي عبد الله بخيت غضب هيئة الامر بالمعروف
والنهي عن المنكر عندما قال إن رجالها يمنعنون الناس من مشاهدة أي شيء
بالتلفزيون إلا القنوات الدينية.
قال بخيت "ذهبت إلى السوق لاصلاح جهاز الاستقبال... ولم يتعاون أحد.
قالوا لي إنه ممنوع اصلاح أو بيع أو التعامل مع أي أجهزة استقبال ما
عدا أجهزة استقبال قناة المجد" المتخصصة في بث المواد الدينية.
ومن المقرر أن يمثل بخيت أمام المحكمة الشهر القادم حيث يواجه تهما
بنشر الفساد والانحلال الاخلاقي.
وهو يأمل في أن تقر المحكمة بأن نظر القضية ليس من اختصاصها إلا أنه
يقول إن أمر الامير عبد الله بشأن الولاية القضائية لابد من اقراره
علنا.
وقال "لم ينشر المرسوم رسميا."
ومثل المزيني يعمد بخيت إلى الربط بين قضيته وما تعرض له كتاب
غربيون مقارنا حاله بتهم الانحلال التي وجهت للمؤلف الفرنسي جوستاف
فلوبير عندما نشر روايته "مدام بوفاري" Madame Bovary.
وينقل المزيني عن الفيلسوف الوجودي الفرنسي جان بول سارتر الكثير
ويحتفظ بصورة للكاتب والنشط الامريكي ناعوم تشومسكي يعلقها وراء مكتبه
بعكس ما يفعل الناس في السعودية حيث لا تعلق في المكاتب عادة سوى صور
العائلة المالكة ورجال الدين.
قال بخيت "قبل ثلاثة أو أربعة أعوام لم نكن نستطيع أن ننتقد هيئة
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. كان لزاما علينا ان نبدي كل
الاحترام لشاب عمره 17 عاما إذا ما كان ملتحيا. الآن تتحسن الامور."
إلا أنه قال إنه يتعين اتاحة بعض الوقت للتغيير. وتابع "هذه ليست
دولة محافظة.. انها أكثر من محافظة. انها طالبان."
من جهة اخرى وفي الكويت قال اكاديمي ليبرالي كويتي بارز السبت انه
قرر اعتزال الكتابة احتجاجا على حكم بسجنه سنة مع وقف التنفيذ بعد
ادانته ب "تحقير القرآن الكريم".
وكانت محكمة الاستئناف الكويتية ادانت الاسبوع الماضي احمد البغدادي
بعد ان نشر مقالا في صحيفة "السياسة" ينتقد فيه بشدة وزارة التربية
الكويتية بسبب خطط لزيادة حصص التعليم الديني وحفظ القرآن في المدارس.
وكتب البغدادي السبت ما قال انه مقاله الاخير "بكلماته الاخيرة"
واعلن فيه "الوداع لحرية الكلمة التي انطلقت مقصلة القانون لقطع راسها".
وقال في مقاله "الموضوع ليس حكما قضائيا هنا وآخر هناك بل مناخ مريض
مليء بجراثيم وفيروسات الكراهية والاستبداد".
وكانت المحكمة قد طلبت من البغدادي دفع 6800 دولارا لوقف تنفيذ
الحكم بالسجن وهو ما قام به وامرته كذلك بحسن السلوك لمدة ثلاثة اعوام.
واعتبر البغدادي ان ذلك اشبه ما يكون بلعبة "الروليت الروسية" مما
دفعه الى التوقف النهائي عن الكتابة في الكويت لكنه اوضح انه سيعود الى
الكتابة متى غادر بلاده. وكان البغدادي قال لوكالة فرانس برس الاحد
الماضي انه سيطلب اللجوء السياسي في دولة اجنبية. |