إن الحرية كل متكامل من أسباب التقدم والحضارية لأي شعب وأمة وغير
قابلة للتجزئة والتخصيص. بأن يلتزم بأجزاء منها ويترك أخرى حسبما
تقتضيه المصالح راهنة كانت أو مستقبلية، بل التجزيئ في مفردات الحرية
لها من المفاسد والأخطار ما لا يحمد عقباها، كما أثبته التاريخ في
شواهد على أرض الواقع كما في فترة العنصرية البغيضة في أوروبا. إضافة
إلى الخدش الفاضح في سمعة البلد الذي يعد من رعاة الحرية ومروجيها
ودعاتها على وجه الأرض.
وعليه إن ما استساغه المسؤولون الفرنسيون من حظر الحجاب في المدارس
بدأ ينشر حبائله الخبيثة وفروعه السرطانية ليطال بقية المراكز الحكومية
في عملية التشديد الحكومي على المواطنين المسلمين خوفاً من أخطار ليست
موجودة حتى على مستوى الوهم.
فمع بداية الاحتفالات بمرور (100) عام على قانون (1905) أو ما يُعرف
بقانون العلمانية بفرنسا، ظهرت توجهات عديدة داخل فرنسا لتوسيع دائرة
حظر الرموز الدينية وعلى رأسها الحجاب لتشمل المستشفيات والجامعات
والإدارات الحكومية بدلاً من اقتصارها على المدارس الحكومية. فيما بدأ
عدد من المؤسسات ولاسيما وزارة الصحة، في تطبيق هذا التوجه على وجه
الأرض دون الاستناد إلى أي قانون. وذلك بإصدار المنشور الداخلي الذي
أصدرته وزارة الصحة العمومية ووزع على المستشفيات، حيث يلزم إدارة
المستشفى بإتباع جملة إجراءات لغرض احترام ما اسماه المنشور (حيادية
الإدارة) أمام المظاهر الدينية.
وينص المنشور الموقع من قبل وزير الصحة الفرنسي على نقطتين أساسيتين:
تتمثل الأولى في علاقات المرضى بالأطباء، حيث ينص المنشور على: أن كل
المرضى يخضعون لنفس المعاملة مهما كانت اعتقاداتهم الدينية، ولا يجب أن
يشك المريض أو المريضة في حيادية الأشخاص العاملين في المستشفى.
كما تتعلق هذه النقطة الأولى بالضجة التي تثار من حين لآخر حول رفض
محجبات مسلمات التداوي لدى أطباء ذكور وهي قضية أثارتها العديد من
وسائل الإعلام الفرنسية أثناء الجدل الذي أثير حول سنّ قانون منع
الحجاب في فرنسا.
وتتعلق النقطة الثانية التي تضمنتها المنشور بالعاملين داخل
المستشفى، حيث ينص على عدم إظهار الأطباء والممرضين لأي رموز دينية
لحماية (حيادية الإدارة العمومية وعلمانية الدولة).
وهذه النقطة الأخيرة تذكر ببداية بروز المشكلات التي تتعرض لها
المحجبات من بين الطبيبات والممرضات في سياق الرموز الدينية. وكان ذلك
في نهاية (2002) حينما أصدرت المحكمة الإدارية الفرنسية قراراً بتأييد
إدارة المستشفى تسريح ممرضة لتمسكها بارتداء الحجاب.
وفي أوائل (2005) مُنعت مجموعة من المحجبات من حضور حفل رسمي أقيم
في قسم للشرطة بالعاصمة باريس بمناسبة حصولهن على الجنسية الفرنسية،
الأمر الذي دفع العديد من الوزارات الفرنسية إلى التفكير في ضرورة
إيجاد ضوابط وقوانين لتقنين أي حظر في المستقبل.
ولكن هذا التفكير قاد إلى المزيد من الحظر وسن قوانين أكثر إجحافاً.
منها ما قالته (لفيجارو ماجازين) على صعيد التعليم العالي: وزير
التعليم العالي بدأ التفكير لإيجاد صيغة لنقل تجربة منع الحجاب من
المدارس الحكومية إلى الجامعات. |