لايخفى على المراقبين حجم الاختلاف في الرؤى بين اغلب زعماء التيارات
السياسية العراقية وبين رئيس الوزراء الذي انتهت عمليا رئاسته منذ اول
يوم لاعلان النتائج الانتخابية التي جرت في نهاية يناير الفائت. كما
لايخفى حجم الحرج الذي يحاول السيد رئيس الوزراء ان يُخرج نفسه منه
والذي وضعته فيه تلك الانتخابات حينما حصدت قائمة الائتلاف العراقي
اكثر من نصف مقاعد الجمعية الوطنية! وبغض النظر عن الملابسات والطريقة
التي حصدت بها تلك القائمة 140 مقعدا من مجموع 275، فانه كما قلنا في
مقالات سابقة ان هذا الائتلاف لن يُفرّط بمنصب رئيس الوزراء من خارج
القائمة تحت اية ظروف! وعلى حد قول السيد حسين الشهرستاني الشخص الاكثر
حظوة عند مرجعية السيد علي السيستاني فأن اعضائها مستعدون لاعطاء بقية
المناصب السيادية مناصفة بين السنة الاكراد والسنة العرب.
الدكتور اياد علاوي وعلى اعتبار ان قائمته قد حلّت بالمرتبة الثالثة
بعد قائمة الائتلاف والقائمة الكوردستانية، فانه يناظل علنا للاحتفاظ
بمقعده المؤقت لفترة اطول وتحديدا حتى موعد اجراء الانتخابات القادمة
والتي من المؤمّل ان تجري في نهاية العام الحالي كانون الاول 2005. في
الجانب الاخر تبدو قائمة الائتلاف العراقي الموحد وكما هو ظاهر متماسكة
اكثر وتبحث عن المزيد من التحالفات التي يحاول الدكتور اياد علاوي
استمالتها في ذات الوقت بوعود وتطمينات. الفرق بين الفريقين هو ان
الدكتور اياد علاوي يبحث عن التحالفات من داخل الجمعية الوطنية بينما
يبحث الائتلاف عن توسيع حركته من خارج الجمعية الوطنية. في ذلك دلالة
واضحة هو ان قائمة الائتلاف لاتتوجس من الجمعية الوطنية وقراراتها على
اعتبار انها اكبر كتلة متماسكة في الجمعية فضلا عن تحالفاتها مع جماعات
اخرى وافراد في الجمعية وبما يضمن لها الحصول على اغلبية في كل
القرارات التي ستُتخذ. بينما كتلة الاربعين مقعدا وهو ماحصلت عليه
قائمة الدكتور اياد علاوي لاتضمن له شئ بالقدر الذي ستكون فيه اقلية
محجمة غير قادرة على المناورة او حتى الدخول في مفاوضات مع الكتلة
الاكبر.
القائمة الكوردستانية هي الاخرى تبدو متماسكة بمقاعدها الخمسة والسبعين
ولديها جملة من المطاليب هي السقف وهي الحد الادنى في ذات الوقت، لتبدو
تلك المطاليب شرطا اساسيا لمن يريد ضمان 75 صوتا في الجمعية الوطنية
واهم تلك المطاليب هي:
تقديم احدى المنصبين السياديين الى القائمة الكوردستانية (رئاسة
الوزرءا) او (رئاسة الجمهورية)
الاعتراف بكوردستانية كركوك في الدستور العراقي
تخصيص نسبة 25% من ميزانية الدولة العراقية وثروات العراق الى اقليم
كوردستان
الاعتراف بمليشيا البيشمركا كجيش نظامي في حدود اقليم كوردستان
بنظرة خاطفة لمتبنيات الخصمين السياسيين (قائمة الائتلاف) من جهة
وقائمة رئيس الوزراء (العراقية) من جهة اخرى، يتبين لنا ان كان هناك من
هو على استعداد لترجمة تلك المطاليب حبرا على ورق وليس ميدانيا كما
يصبو اليه الاكراد! لكن في الطرف الاخر هل القيادة الكوردية جادة في
تلك المطاليب؟ وهل تقبل بانصاف الحلول والعمل بالمأثور العراقي (منهوب
النص مو منهوب)؟ وماذا سيكون رد الاكراد لو قوبلت تلك المطاليب بتعديل
من الطرف الاخر؟
الاكراد من الاعتداد بالنفس وقراءة الواقع والمستقبل وبناءا على الماضي
القريب والبعيد لايرون في شخص رئيس الوزراء اياد علاوي منقذا لهم من
القبضة الحديدية البعثية التي لاتتوانى لحظة في تدمير كل ماهو كوردي
على وجه البسيطة. هذا لو سلّمنا بان السيد رئيس الوزراء لم يعد بعثيا
ولايفكر بطريقة البعثيين الذين كان هو سببا في اعادة المناصب الامنية
اليهم والذي كان ولايزال سببا في تدهور الوضع الامني في العراق. من هذا
المنطلق لايجد الاكراد في اياد علاوي ومقاعده الاربعين الا ورقة ضغط
على قائمة الائتلاف لحصد المزيد والمزيد من التنازلات للخروج بحصة اكبر
مما لو قبلوا بغير تلك الضغوط وهذا هو العمود الفقري الذي تسير عليه
اليوم السياسة الدولية في المفاوضات تحديدا.
يبدو ان قائمة الائتلاف لايستهويها منطق التحالفات هذا في الجمعية
الوطنية بالقدر الذي تفضل فيه مبدأ "التوافق". كما يبدو انها متحفظة
على المطاليب الكوردية بشكل كبير وخصوصا فيما يتعلق بكوردستانية كركوك
وقوات البيشمركة التي ان اعترفت الحكومة المقبلة بنظاميتها فانها كمن
يعترف بدولة داخل دولة وجيش مقابل جيش وهذا ربما يقود في نهاية الامر
لان تحذو كل الاقاليم العراقية المرشحة الاخرى الحذو نفسه، الامر الذي
سيقود الى تقسيم العراقي والى حرب اهلية ان جوبهت تلك المطاليب بالقوة!
لذا فيبدو من المنطقي والمصلحة ان تنأى قائمة الائتلاف بنفسها رسميا
بعيدا عن تلك المطاليب على امل تتوفر الظروف الموضوعية لترجمتها على
ارض الواقع مستقبلا! الجانب الكوردي يعلم ويعي جيدا ان لا احد بمقدوره
ان يتخذ قرارات مصيرية بهذا الحجم والخطورة. لذا يبدو الامر وكأنه
للاستهلاك المحلي الكوردي من جهة ولتثبيت مكاسب مستقبلية من جهة اخرى.
الحقيقة الميدانية تقول ان السيد رئيس الوزراء محاصر من كل الجهات الا
من الجهة الامريكية. فالاكراد يستخدمونه كورقة ضغط والائتلاف العراقي
لاحاجة لهم به! هو لايملك مايقدمه ويهبه للاخرين بينما من يملك القرار
هو الشعب العراقي الذي سيصوّت في نهاية العام الحالي والذي سيكون بوتقة
اختبار لعلاوي وللائتلاف على حد سواء. فالاكراد متفقون على قيادتهم
بخيرها وشرها بينما يبقى العرب الشيعة والعرب السنة في صراع حول اهلية
من يتقدمهم وهم في ذلك مشارب ومسالك وكل يغني على ليلاه.
*كاتب وسياسي عراقي مقيم في كندا
www.alhusaini.4t.com |