عن الإمام الصادق (عليه السلام): (طوبى
لمن أهدى إليّ عيوبي).
إن الدافع لإبداء النقد والملاحظة والرأي للآخر، يحدد المضمون
والشكل، فإما أن يكون نقدنا صفعة أو بسمة. وإما أن تكون ملاحظتنا حصاة
أو وردة، وإما أن يكون ما نبديه من رأي سهماً دامياً أو هدية مؤنسة.
هذا كله من جهة الملقي.
أما من جهة المتلقي، فلا بد أن ينظر بعين بصيرة، وقلب واع، ونفس
صافية، لتبقى الملاحظة بسمة يفرد لها أساريره، وليبقى النقد وردة يشم
عبقها، ويأنس بلونها، وليبقى الرأي هدية يأخذها بيد شاكرة، ويعمل على
صونها ورعايتها.
بل هو في حال كهذه، يجرّد الملقي من دوافعه السلبية، ويفصل بينه
وبين أهدافه السيئة وغاياته الخاصة، ليجعل صفعة ملاحظته دفعةً منبهة،
ومن سياط فقده هزات موقظة، ومن سهام آرائه الدامية مشارط جرّاح ماهر
يجرح ليُعالج، ويؤلم ليعافي.
فالمتلقي في النتيجة، هو الذي يحفظ إيجابية النقد، وفائدة الملاحظة،
وصوابية الرأي، فيتقبل ذلك بقبول حسن، ويبادر إلى الإصلاح والتصويب
والتسديد.
والمتلقي هو الذي يمكنه أن يرفض كل ما يبدي له، صحّ أم لم يصح،
حقيقة كان أو وهماً، نتج عن مشاعر طيبة ونية صادقة، أو عن بغض أو حسد
أو كراهية.
فبالوعي ونفاذ البصيرة يقدر المتلقي الإيجاب بالإيجاب، ويحوّل السلب
إلى إيجاب. همّه من ذلك كله أن يعي أخطاءه، ويرى عيوبه، ويلتفت إلى
هفواته، لا فرق عنده من لاحظ: أخ حبيب أم رقيب لئيم، ولا من انتقد: أب
عطوف أم مترصد عسوف، ولا من يقدّم الرأي: طيب عن حسن نية، أم خبيث عن
سوء قصد.
ودأب المتلقي الواعي المتبصر كالينبوع، يلتفت إلى اعتكار مائه، أو
ضعف جريانه، سواء أحس بذلك من تغريد العصافير أو من نقيق الضفادع،
وكالحقل يدرك ضعف جناه من أسراب الطيور وأمواج النسيم، أو من زواحف
البر أو من هوام الجو، وكالبحر يدرك قوة موجه وعظيم اندفاعه من صراخ
الصخر أم من حنين الرمل.
إذن لنفتح قلوبنا لمن ينتقدنا، ونصغ بكل جوارحنا لمن يقدم لنا
ملاحظاته، ونعتبرها هدية ثمينة لا تساوى بثمن، ونحدّق بتفاصيل ما يُهدى
إلينا من آراء، فيما نفكر وفيما نقول، أو فيما نفعل، ولنجعل من ذلك
أضواءً تنير الطريق، ومعاول تحطم الصخور وترفع الحواجز أمامنا وحبالاً
نشدّ بها أشرعتنا وسوارينا، لتمضي مراكبنا من بحر لبحر، ومن أفق لأفق،
حتى نرسو على شاطئ الأمان في الحياة. |