أظهرت نتائج أولية أعلنت يوم الجمعة فوز مرشحين يدعمهم الاسلاميين
على خصوم قبليين ورجال اعمال في انتخابات تاريخية لم يشارك فيها سوى
الرجال بالعاصمة السعودية الرياض.
واشار المرشحون الخاسرون الى حدوث مخالفات قائلين ان ستة من
الفائزين السبعة انتهكوا حظرا على التحالفات الانتخابية عندما وزعت
اسماؤهم من خلال الهواتف المحمولة والانترنت على الناخبين مع رسائل
تشير الى تمتعهم بدعم الاسلاميين.
وقال المرشح المهزوم ظافر اليامي انه توجد اجراءات تمنع اي تحالفات
وقد تم انتهاك هذه الاجراءات .
واردف قائلا عن الفائزين انه لا يعرفهم بصفة شخصية ولكن كانت لهم
سمات دينية مضيفا انه يعتزم الطعن في النتائج.
ومثلت الانتخابات التي أجريت يوم الخميس في الرياض وفي المناطق
النائية حول العاصمة المرحلة الاولى في انتخابات لم يسبق لها مثيل على
مستوى المملكة التي تتقدم ببطء صوب الاصلاح السياسي تحت ضغط من
الولايات المتحدة ونشطاء محليين.
وسجل مئات المرشحين اسماءهم لخوض المنافسة على سبعة مقاعد في
العاصمة. وسيتم شغل المقاعد السبعة الاخرى عن طريق التعيين ومن المرجح
ان تكون سلطة المجالس البلدية محدودة. ومنعت النساء من التصويت او
الترشح.
واشارت تقديرات الى ان مرشحا واحدا على الاقل انفق ملايين الريالات
(مئات الالاف من الدولارات) على الملصقات الانتخابية والاعلانات في
الصحف والتجمعات الانتخابية في اطار حملته التي لم تكلل بالنجاح.
وبلغت نسبة الاقبال على التصويت في العاصمة 65 في المئة من الناخبين
المسجلين على الرغم من انه لم تقم سوى شريحة صغيرة من الناخبين الذكور
الذين لهم حق الانتخاب بتسجيل اسمائهم في ديسمبر كانون الاول مما يعكس
تشككا في السلطة التي ستتمتع بها تلك المجالس نصف المنتخبة.
ولم يتضح على الفور الطريق الذي قد يرسمه الناخبون الفائزون للمجالس.
ولم يتسن الاتصال على الفور بالمرشحين أنفسهم.
وقال الاستاذ الجامعي احمد عويس انه يتعشم ان يستطيعوا خدمة
المواطنين على الرغم من انه يتشكك في استطاعتهم ذلك لانهم لا يمثلون
سوى جزء واحد فقط من المجتمع.
واضاف ان من الطبيعي ان يبلي المرشحون الاسلاميون بشكل افضل من
الاصلاحيين الليبراليين والمرشحين الاخرين لانهم يملكون الآليات التي
لا يحظى بها الاخرون في مهد الاسلام حيث تحظر الاحزاب السياسية.
ولكنه قال انه لابد من الدفاع عن هذه التجربة ولابد من استمرارها
بصرف النظر عمن يكسب.
واختارت الحكومة السعودية التي تواجه ضغوطا متناقضة طريق الانفتاح
ولو بخطوات صغيرة غير مضمونة المستقبل ولكن اي عودة الى الوراء ستكون
صعبة جدا وفقا لعدد من المحللين الغربيين والسعوديين.
ورغم استبعاد النساء من عملية الاقتراع اكدت الانتخابات البلدية
التي بدأت الخميس هذا الخيار.
وفي الواقع ان الانتخابات البلدية المخصصة للرجال فقط التي بدأت
الخميس في الرياض ومنطقتها وستتواصل في الثالث من آذار/مارس في
المحافظات الشرقية والجنوبية الغربية وفي 21 نيسان/ابريل في محافظات
الشمال والغرب تهدف الى اختيار نصف الاعضاء ال 178 في المجالس البلدية.
ولكن النصف ألاخر سيعين من قبل السلطة التي تعين ايضا الامناء.
بيد ان هذه الخطوة الاولى في نظام ملكي مطلق ليست بلا جدوى كما تظهر
ردود فعل العديد من الناخبين السعوديين.
وقال رجل الاعمال عبد الكريم السبيعي (43 عاما) "انها خطوة".
واضاف "سيليها انتخابات اخرى انها خطوة صغيرة بنظر دول اخرى ولكن لا
مجال للعودة الى الوراء".
ومن جهته قال جون بورفيس العضو في البرلمان الاوروبي الذي كان يزور
مكاتب اقتراع في الرياض "انها عملية بطيئة" ولكن سيكون "من المستحيل
عمليا" العودة الى الوراء.
والتقى الوفد الاوروبي ولي العهد الامير عبدالله الذي يدير المملكة
في الواقع بسبب الوضع الصحي للملك فهد.
ولخص بورفيس النائب الاسكتلندي في البرلمان الاوروبي في ستراسبورغ
موقف الامير عبدالله كالتالي "علينا ان نسير على وقع المجتمع لان تخطي
ما يقره المجتمع امر خطير". واضاف النائب "لكن لا بد احيانا من دفع
المجتمع الى الامام لارغامه على التكيف".
ويعتبر البعض في الرياض ان الامير عبدالله اصلاحي اكثر من قسم كبير
من المجتمع السعودي.
واكد السبيعي "ان النخبة هي التي تتطلع الى الديموقراطية اما الشعب
فيريد الاستقرار".
ومنذ اعتداءات 11 ايلول/سبتمبر تواجه الحكومة السعودية ضغوطا قوية
من قبل الولايات المتحدة للسير في طريق الديموقراطية وخصوصا عبر اعطاء
الكلمة للمواطنين واجراء اصلاحات في التعليم معتبرين انها افضل السبل
لقطع الطريق امام القاعدة.
ولكن يجب على النظام السعودي ايضا ان ياخذ بعين الاعتبار ضغوطا في
الاتجاه المعاكس تمارسها عليه السلطات الدينية التي تحظى بنفوذ قوي في
بلد مسؤول عن حماية الحرمين الشريفين ابرز مكانين مقدسين في الاسلام.
ومن جهتها قالت النائبة الفرنسية الاشتراكية ماري لين رينو العضو في
الوفد الاوروبي ان الامير عبدالله "كان يحبذ تأييد" مشاركة النساء في
الانتخابات البلدية لولا "ضغوط رجال الدين".
وهذا ما يفسر الاصلاحات بخطى بطيئة. وكانت الحكومة السعودية اعلنت
ان اعضاء مجلس الشورى الذي انشئ عام 1992 ويعين الملك اعضاءه سيرتفع
عددهم هذه السنة من 120 الى 150 عضوا.
وقال عدة اعضاء لوكالة فرانس برس انه "قد تكون هناك فرصة لتعيين
نساء للمرة الاولى في مجلس الشورى بمناسبة توسيعه".
الى ذلك عبر العديد من الناخبين الخميس عن اعتقادهم بان انتخاب ولو
جزء قليل من اعضاء مجلس الشورى لم يعد سوى مسالة وقت.
لكن رئيس المجلس الشيخ صالح بن حميد امام المسجد الحرام في مكة
المكرمة اعتبر الاربعاء ان مسالة انتخاب الاعضاء في مجلس الشورى
ومشاركة المرأة في المجلس ليس امرا واردا الآن.
الا ان امين الرياض الامير عبد العزيز بن عياف المقرن كرر امس انه
سيوصي "بان تتمكن النساء من التصويت" في الانتخابات البلدية المقبلة
بعد اربع سنوات.
وفي وقت سابق هذا الاسبوع استضافت المملكة مؤتمرا عن مكافحة الارهاب
ضم وفودا من 50 دولة في الرياض ويوم الخميس جرت في عاصمة السعودية
المرحلة الاولى من انتخابات محلية لم يسبق لها مثيل على مستوى البلاد.
والحدثان ليسا كبيرين في النطاق لكنهما يعتبران خطوة مهمة واستغلا
للاشارة الى التغيير الذي تشهده المملكة. فتغلبت السعودية أخيرا على
كراهيتها للتدقيق في شؤونها ودعت عشرات الصحفيين الى جانب مئات
المندوبين لحضور المؤتمر.
وقال وزير الخارجية الامير سعود الفيصل مازحا للصحفيين القادمين من
الولايات المتحدة وأوروبا واسيا هذا الاسبوع "كنا خجولين. لكننا الان
أصبحنا مثلكم لا نشعر بالخجل."
فالتقى الصحفيون الزائرون الذين احتفى بهم المسؤولون وتولت شركة
علاقات عامة مقرها الولايات المتحدة متابعة تغطياتهم مع وزراء من
الحكومة وأعضاء من مجلس الشورى وزاروا معسكرا لتدريب القوات الخاصة
خارج الرياض.
وتزامنت زيارتهم -ربما مصادفة- مع بدء "حملة التضامن الوطني ضد
الارهاب". فظهرت الملصقات واللافتات الالكترونية التي تحمل شعارات
مناهضة للارهاب قبل أيام من المؤتمر. ووجهت محطات الاذاعة والتلفزيون
الحكومية الرسالة نفسها مرارا وتكرارا.
وقال الامير سعود "نحن نبذل ما في وسعنا لتحسين الوضع محليا.
المسألة لا تتعلق بصورتنا أمام العالم."
لكن وزراء اخرين انتهزوا الفرصة لاعلان اجراءات من حوافز لتشجيع
الاستثمار الى اصلاح نظام التعليم اتخذتها السعودية في اطار سعيها نحو
التحرر.
وقال مسؤول حكومي "هذه هي المرة الاولى في تاريخ السعودية التي خاطب
فيها الوزراء هذا الكم من وسائل الاعلام العالمية هنا في الرياض."
وواجهت السعودية موطن أغلب منفذي هجمات 11 سبتمبر أيلول انتقادات
بأن مذهبها الوهابي يهيء المناخ لظهور المتشددين.
ودعا اصلاحيون محليون لمزيد من الديمقراطية بهدف توفير قنوات سلمية
للمنشقين بدلا من اتجاههم للعنف. ويسعون كذلك لمكافحة الفساد وتوزيع
أكثر عدلا للثروة من عائدات النفط التي تقدر بمليارات الدولارات.
والانتخابات التي تجري يوم الخميس هي البداية لعملية يأمل
الاصلاحيون أن تقود الى برلمان منتخب. لكنها حتى الان لا تتعدى كونها
تجربة محدودة تستبعد النساء وتعطي الرجال الفرصة لانتخاب نصف الاعضاء
فقط في المجالس المحلية التي مازالت صلاحياتها غير واضحة.
ولكن رغم منعت المرأة السعودية المعزولة عن الرجال في المنزل وفي
الاماكن العامة من المشاركة في أول تجربة تصويت ديمقراطي تشهدها
المملكة.
فالانتخابات التي بدأت يوم الخميس لاختيار نصف أعضاء المجالس
المحلية تجرى للرجال وبالرجال فقط.
وتقول المؤرخة السعودية هاتون الفاسي الناشطة في مجال الحقوق
المدنية "انتخابات ذكورية فقط هي انتخابات عرجاء عندما يستثنون نصف
المجتمع ويعتبرونه خارج الصورة ويسمحون للسجناء والمجرمين بالانتخاب
هذا يعتبر اهانة لتسعة ملايين امرأة."
وأضافت الفاسي التي شنت حملات عقيمة لتمكين المرأة من التصويت
والترشيح في الانتخابات "الرسالة التي يوجهونها إلينا هي أننا لسنا
مواطنين واننا لا نستحق أن نكون وأنه لا وجود لنا. هذا التمييز وهذه
المعاملة للمرأة كأنها قاصر قاتلة. نحن نواجه ذلك كل يوم في حياتنا."
ولا يسمح للمرأة في السعودية بالعمل أو السفر او فتح حساب مصرفي دون
موافقة الزوج أو ولي الامر.
وتقول النساء إنهن كن يعلقن الامال بعد تعهدات الحكام بالمضي قدما
في الاصلاح واعطاء المرأة حقوقها. لكن آمالهن احبطت.
وقالت منى (43 عاما) وهي أكاديمية "تغيير وضع المرأة يعتمد أساسا
على ارادة سياسية جادة. إذا كانت هناك ارادة ستتحسن ظروف المرأة فقد
حدث ذلك عندما ظهرت ارادة سياسية لاقامة مدارس للبنات."
وظلت المؤسسة الوهابية القوية في السعودية تعارض لفترة طويلة خطط
أسرة آل سعود الحاكمة لتعليم البنات. لكنها أذعنت في نهاية الامر والان
تزيد أعداد البنات عن الشبان في الجامعات السعودية.
ويدفع ارتفاع مستوى التعليم بين النساء إلى الاعتقاد بأن غيابهن عن
الحياة العامة والعديد من الوظائف يسهم في تخلف البلاد.
ويقول الاصلاحيون إنها لم تعد مسألة حق المرأة في العمل بل ضرورة
اقتصادية. ورغم ارتفاع أسعار النفط تجاهد المملكة أكبر مصدر للنفط في
العالم لاعالة سكانها الذين يتزايدون بمعدلات متسارعة ومكافحة البطالة.
وقالت حنان حمدي "أحد أسباب تخلفنا هو استثناء المرأة وعزلها عن (صنع)
القرار. المسألة ليست مسألة حقوق فقط ولكنه دور المرأة في المساهمة في
تنمية البلد."
وقدمت مجموعة من السعوديات التماسا لولي العهد الأمير عبد الله
العام الماضي لاعطاء المرأة المزيد من الحقوق والفرص. ويقر الاصلاحيون
والمسؤولون على حد سواء بأن حقوق المرأة ستكون المعركة الاصعب مع
المؤسسة الدينية.
وقالت ندى الربيع (44 عاما) وهي واحدة من سبع نساء حاولن دون جدوى
ترشيح أنفسهن في الانتخابات "لا أشعر بالاحباط أو الخسارة. عندي أمل
كبير أن يوما ما سوف نستطيع الانتخاب والترشح."
قال المسؤولون في باديء الامر إن من حق المرأة التصويت وخوض
الانتخابات لكن كانت هناك صعوبات عملية منها فكرة الاختلاط في مراكز
الاقتراع.
وكان من العقبات التي أشاروا إليها كذلك أن غالبية النساء لا تحملن
بطاقات هوية.
وقالت الفاسي "وضعنا عدد من الحلول هي استخدام مدارس البنات لتسجيل
النساء في الانتخابات. وفي مشكلة بطاقة المرأة أن يكون هناك موقع في
وزارة الداخلية في مراكز الانتخابات لاصدار البطاقات."
وأضافت "أما بالنسبة للتواصل بين الرجال والنساء اقترحنا أن تحل
المشكلة عبر شبكة تلفزيونية تفصل المرأة عن الرجل."
ورغم ذلك اثارت الانتخابات مناقشات لم يسبق لها مثيل في هذا المجتمع
المغلق وشجعت العديد من النساء على الاعتقاد بأن حقوقهن لن تظل مهدرة
إلى الابد.
وقال عدد كبير منهن انهن سعداء لمجرد ان هناك انتخابات تجرى في نظام
الملكية المطلقة الذي بدأ يبحث منح بعض السلطات لرعاياه.
وقالت نورا الفايز "مجرد أننا ننتخب هذا انجاز عظيم. هو مؤشر خير
للمستقبل."
لكن ليست كل النساء بمثل هذا التفاؤل.
فقالت الفاسي "إنها معركة طويلة. أشعر بخيبة أمل لأن هذه كان فرصة
غالية للسعودية لاتخاذ خطوات اصلاحية ملموسة لكنها فشلت."
وقالت منى "إن تكوني امرأة سعودية يجب أن تتحلي بدرجة عالية من
المرونة والا جننتي. عندما تكوني مجردة تماما (من حقوقك) لا يمكنك
الوقوف مكتوفة الايدي." |