المتابعون للوضع العالمي يلمسون جيداً أن عالم اليوم غير هادئ البتة..
حتى ليكاد الإنسان السوي أن يختنق روحياً بسبب شيوع الإسفاف الذي وصلت
أياديه اللاأمينة إلى الإبداع ونتاجاته المادية والفنية والأدبية
والمعنوية أيضاً.
للحياة قدسيتها وبعض الناس لا يريدون أن يفهموا هذه الحقيقة الساطعة
لذا تراهم يرخصون مآلاتها ضمن أقوالهم وأحياناً بمواقفهم وكأنهم يريدون
صياغة الحياة على مقاييس تفكيرهم الناقص ولعل هذه الحالة تدفع
بالمتطلعين إلى رحمة القدر بهم كون نظراتهم تتجه دوماً نحو الخلاص
الجاد من ظلم الإنسان لأخيه الإنسان.
والإبداع المعنوي اليوم في هذه المرحلة الزمنية المرتبكة على أكثر
من صعيد معرض إلى أكثر من خراب بسبب كون القوى المهيمنة على مقدرات
الأمور هي قوى سياسية بحتة اتخذت من مجال السياسة مهنة للربح على حساب
حقوق المحرومين.
ونظراً لكثرة أن محاربة جوهر الإبداع أمسى أحد ظواهر الحياة
المعاصرة فإن التوفيق لدى الناس الأسوياء أصبح من الأمور الصعبة المنال
بسبب كون الالتزام بشفافية الإبداع قد أضحى بعيداً عن المستحبات إذ
تنتشر أعمال إبداعية في مجال الفنون والثقافة والإعلام والفكر أحياناً،
ولكنها تصب في خانة إعطاء مغايرات شنيعة لما هو غير معهود من أن يكون
عليه المبدعون فهذا الفنان يعمل نصباً لقائد سياسي سلبي لكن جزئيات
تعبيراته النحتية فيه تظهر ذلك القائد وكأنه قائد سوي وبذاك فإن إدارة
ظهر المجون للحقائق الشخصية ومواقفه لا تعكس صورة من صور (الفن المنافق)
بل وتوضح أن القائد في الدولة المحددة يحاول أن يجير عمليات الإبداع
وبالذات في مجال الفنون والصحافة وغيرهما تصالح عبر مجموعة من رجالات
حكمه وبحسب توصية صادرة منه إليهم.
وسعة النفاق أضحت اليوم ضمن عملية الإبداع وأعمالهم الإبداعية
المعطية صورة أو تعبيرات عن الشخص الأول في الدول ما يظهره وكأنه شخص
استثنائي في نظراته الخيرة للأمور بينما يلاحظ في العديد من الدول وبغض
النظر عن نوع أنظمتها أن لا استثناء بين من يحكم البلاد بالحديد والنار
لذا فإن أي تجيير للإبداع في نصب تذكاري أو لوحة فنية أو قصيدة مديح أو
مقال إعجاب لا يستحق أي احترام إذا كان المخاطب المقصود به من خرج عن
سرب مجتمعه ووقف ضد بني جلدته مهما كانت الحجة المصرّح بها.
إن عالم اليوم يسوده الارتباك الشديد ولم يتضح بعد فيما إذا كانت
دروس التاريخ قد أعطت حكمة فعلها ضد من تنكر للحقائق والحقوق عند
الآخرين لكن ما ينبغي أخذه بكل اعتبار موضوعي أن الجمهور لا يجد أي صدى
إيجابي جراء إبداع التعبيرات المنافقة التي يحاول أصحابها التقرب بها
من الظالمين أو على الأقل يبتعدون بواسطتها عن شرورهم وتلك هي المسألة
اللامعلنة أو التي يتهيب المبدعون عن ذكرها في أزمنة قمع الحرية.
إن رفع الوصاية عن الإبداع الرخيص هو اليوم حديث مهمل ولكنه في الغد
لا بد وأن تكون هناك التفاتة جادة لإعادة مصداقيته. |