قد ننتصر لجامعة الدول العربية المؤسسة الأم الحاضنة للآمال والآلام
العربية اللامنتهية بأنها قد عقّها أبنائها الدول العربية ولم يقوموا
بواجب الرعاية للمسكينة التي شابت قبل أوان شيبها. وأيضاً من الصحيح أن
لا أحد (لا حكم عليه) بل الكل محكوم بالموت منذ لحظة الولادة ولكن هناك
مسببات مادية ومعنوية لتأخير الموت والوأد حين الولادة.
ففي حين يعقد وزراء الخارجية العرب اجتماعاً يناقشوا فيه قضايا
أساسية كانت مدرجة على جدول الأعمال، وفي طليعتها: مشروع إصلاح الجامعة
– إنشاء برلمان عربي – وإنشاء محكمة عربية – ومجلس أمن عربي.. ينادي
الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى عن واقع المؤسسة وضرورات
التغيير وتوفير الإمكانات المالية لضمان الحد الأدنى من الاستمرار في
تسيير شؤونها لناحية تأمين رواتب العاملين فيها. وجدير ذكره أن دفع
رواتب العاملين في الجامعة يتأمن من الاحتياطي وأن ثمة عجزاً يقارب
المئة مليون دولار أمريكي وليست ثمة حماسة لدى عدد كبير من الدول
العربية لدفع المال المتوجب على كل واحدة منها أو لتمويل مشاريع
معينة!!
الجامعة العربية، المؤسسة الأم للعمل العربي المشترك، تعاني هذا
الوضع في وقت نرى فيه الاتحاد الأوروبي يمتد إلى الإسكندرون وإلى عدد
من دول أوروبا الشرقية، ويصبح له دستور واحد بعد نقاش طويل وعميق على
مستوى برلمانات الدول الأعضاء، بل على مستوى القوى السياسية المختلفة
في تلك الدول.
العالم يتغير في اتجاه بناء مؤسسات مشتركة ومنظمات وأطر مشتركة تكرس
التعاون السياسي والاقتصادي والمالي والأمني بين قواه. والتكتلات تقوم
في أكثر من موقع، أما في العالم العربي، فالدول تنهار واحدة بعد
الأخرى، سياسياً واقتصادياً وأمنياً.
والتكتل الوحيد الجامع لكل الدول العربية يترنح والتكتلات الإقليمية
الأخرى، وأبرزها مجلس التعاون الخليجي يعاني أزمات يجري العمل على منع
تفاقمها والمحافظة ولو على الشكل مع حرص بعض العقلاء على محاولة
تطويره، لذلك لم يكن مفاجئاً فشل اجتماع مجلس الجامعة الأخير، وفشل
مشروع الإصلاح ومجلس الأمن والمحكمة العربية. فعندما نتحدث عن إصلاح
على مستوى الجامعة يجب أن تكون كل دولة مؤمنة أولاً بالعمل الجماعي
وبالإصلاح في داخلها ثانياً. والأمران غير متوافرين في العديد من دولنا
وللأسف رغم البيانات والمقالات والخطابات وإعلان النيات المستمرة، ومن
يقود الإصلاح ما دام معظم المسؤولين هم مصدر الشكوى من الفساد والتحكم
والتفرد؟.
وكيف يمكن لمجلس أمن عربي أن يقوم في وقت لم يعد ثمة فعالية
لاتفاقية الدفاع المشترك؟ وفي وقت تتهم الدول العربية بعضها البعض
بالتدخل في الشؤون الداخلية أو بتهديد الأمن هنا وهناك؟ وكيف تكون
محكمة عربية، عندما لا يكون العدل قائماً في كل دولة من دولنا ومرتكزاً
على القانون الذي يحترم حقوق الإنسان، وإن اختلفت الأحوال والوقائع بين
دولة وأخرى؟
إذا كنا نريد الجامعة فلنقل كيف نريدها؟ وماذا نريد منها؟ وبالتالي
ما هو المطلوب لها؟ ودون أوهام وتكبير أحلام ولنبدأ بخطوات بسيطة كما
ذكرها غازي العريضي.
تفعيل مؤسساتها، وتوفير حضورها في العواصم الكبرى على المستويين
الثقافي والإعلامي، والتركيز على دورها في متابعة العمل العربي
المشترك، ولو بحدود معالجة ما هو قائم من مشاكل أو ما يستجد، وتعزيز
حضور الخبراء والعلماء والمفكرين والباحثين فيها لرسم استراتيجيات
التعاطي مع القضايا الأساسية المطروحة، البيئية والتربوية والسكانية
والمائية والثقافية وغيرها... |