شهد العراق يوما تاريخيا غير مسبوق طيلة تاريخه الحديث اذا لم نقل
ماسبقه ايضا، عكس شعب العراق خلال بضع ساعات منه الكثير من الانطباعات
لدى جميع دول العالم وشعوبها على حد سواء، فقد كانت الانتخابات تمثل
اكثر من صورة في اطار واحد.
فالشعب العراقي بمختلف اطيافه عانى الامرين خصوصا في الفترة القريبة
من سقوط صدام ونظامه الشمولي الديكتاتوري وما خلفه من تشكيل ارهابي
بديل عنه ولكن بعباءة اسلامية وقد وضع التاريخ مجددا العراقيين على
المحك في تحد مصيري بالغ الصعوبه..
تعود بنا الذاكره اذا جاز التشبيه الى بدايه استقلال الهند وثورة
اللاعنف بقيادة المهاتما غاندي ولكن مع اختلاف وجوه واشكال التحدي الذي
يواجه العراق وبشاعته ، فقد وضع العراق امام خيارين اما المشاركة
لانجاح الانتخابات وطرح كلمته الفصل واما البقاء بين المطرقة والسندان
( الاحتلال ،الارهاب) وعواقبهما التى كانت دوما تقع على عاتقه، فورقة
الاقتراع كان وقعها على الزمر الارهابية اشد وامضى من سيوفهم التى نزلت
نحرا في ابناء الشعب، كما كانت في الوقت نفسه اشبه بكارت اصفر في وجه
الاحتلال .
فمنذ ساعات الصباح الاولى انطلق العراقيون من منازلهم بحماس وهمة،
لم يشهد لهما مثيل من قبل نحو مراكز الاقتراع غير مبالين بالتهديدات
والتحذيرات التى اطلقتها الجماعات الارهابية المسلحة خصوصا بعد تصاعد
وتيرة العنف في الايام القليلة التى سبقت يوم الانتخابات مدركين الخطر
المحدق بهم..
المراكز الانتخابية شهدت امواجا من المواطنين على غير المتوقع مما
سبب ازدحاما وصعوبة امام فرق التفتيش التى حقيقة قد استبسلت في الوفاء
بالوعود التى قطعتها على نفسها ، وبالرغم من حالة التوتر الامني
المتصاعدة، كان من الملاحظ على وجوه الناخبين بوادر الفرح و الابتهاج
حتى ان الكثير منهم اصطحبوا معهم اطفالهم ليشركوهم في هذا الكرنفال
الكبير على حد قولهم، بل حتى العجزه والمعاقين وكبار السن لم تمنعهم
الاسباب للادلاء بصوتهم تاركين للمراقب تسجيل مدى مستوى الاحساس العالي
بالمسؤولية والواجب الوطني الذي يقع على عاتقهم للمشاركة في انتخاب
اعضاء المجلس الوطني الجديد الذي سيتحمل مسؤولية كتابة الدستور العراقي.
الجنوب العراقي شهد اكبر نسبة من المقترعين، فحسب تقديرات المراقبين
الاولية بلغت نسبة المشاركين 90% من المسجلين لدى المفوضية العليا
للانتخبات في هدوء واستقرار امني جيد في اغلب مدنه باستثناء قذيفتي
هاون سقط على منزل قريب من احد المراكز الانتخابية في البصرة ولم تحدث
اي اصابات تذكر.
اما في وسط وشرق العراق فقد كانت المشاركة بنسب متفاوتة ولكن اجتمعت
على نسبه 60% في بغداد و85% في المدن الشرقية تخللتها بعض المحاولات
الارهابية كانت للعاصمة العراقية بغداد الحصة الكبرى فقد استهدف احد
المراكز الانتخابية في مدينة الصدر واخر في اليرموك والغزالية وزيونة
والدورة والمنصور ولكن الشيئ الايجابي ان الفرق الامنية استطاعت
الحيلولة دون وصول الارهابيين الى المراكز الانتخابية ما عدا عملية
ارهابية واحدة استطاع مخططوها الوصول الى احد مراكز الاقتراع عن طريق
تفخيخ طفل معاق في طريقة استهداف عكست بشاعة المخططين لها .
في حين توجه اكثر من مليوني ناخب في مناطق الشمال العراقي اقليم
كردستان ومحافظة كركوك على اصوات قرع الطبول وزغاريد النساء الى مراكز
الاقتراع التي اصبحت الى حد ما اشبه بقاعات للاعراس علما ان مدن اقليم
كردستان تتمتع باستقرار امني وتجربة ديمقراطيه تمتد لفترة اكثر من اثني
عشر عاما .
بصوره عامة جرت الانتخابات على عكس ما راهن عليه الكثيرون من
المتشائمين لاجرائها او فشلها فاصرار العراقيين وشجاعتهم ابهرت العالم
وفاقت التوقعات وافشلت ما راهن عليه الارهابيون.
من جانبها اعلنت وزارة الصحه العراقيه عن استشهاد 36 مواطن اغلبهم
من المدنيين وجرح 106 جروح طفيفة، فيما اعلن وزير الداخلية العراقي
فلاح النقيب ان الانتحاريين الذين فجروا انفسهم كانوا من العرب فقط وتم
القاء القبض على العشرات منهم حيث احبطت اكثر من 90 عملية ار هابية
استهدفت مراكز الاقتراع.
خارج العراق اعلنت المفوضية العليا انها سجلت نسبة مشاركة بلغت 90%
من المسجلين لديها و70% كانت نسبة المشاركة داخل العراق .
على الصعيد العالمي والعربي وفي اول ردود الافعال ابدى الرئيس
الامريكي شكره وتقديره لشجاعة العراقيين، وعدها الرئيس الروسي فلاديمر
بوتين ووزراء خارجية كل من ألمانيا وفرنسا والا تحاد الاوربي والجامعة
العربية والرئيس المصري حسني مبارك خطوة على الطريق الصحيح فيما ابدى
الكثير من الدول والمنظمات الدولية ارتياحا ملحوظا لسير العملية
الانتخابية في العراق . |