فقد سمير حسن ساقه في انفجار في بغداد لكن هذا لم يمنعه من الادلاء
بصوته في الانتخابات العراقية يوم الاحد حيث عقد العزم على تحدي الرجال
الذين تسببوا في عجزه.
وقال حسن (32 عاما) في مركز اقتراع في غرب بغداد "كنت لاتي إلى هنا
زاحفا لو اضطررت لذلك. لا أريد أن يقتل الارهابيون عراقيين آخرين مثلما
حاولوا قتلي."
وقال وهو يتكيء على عكازين ليقف في صف للادلاء بصوته في أول
انتخابات يجريها العراق منذ الاطاحة بالرئيس العراقي السابق صدام حسين
"اليوم أصوت من أجل السلام."
كان حسن في أكتوبر تشرين الاول من العام الماضي في المكان غير
المناسب في الوقت غير المناسب حين شن انتحاري هجوما في بغداد.
وهو يعتقد أن الهدف كان على الارجح مركزا للشرطة أو مجموعة من
الرجال اصطفوا ليتم تجنيدهم. على أية حال انطلقت شظية مشتعلة من
القنبلة واستقرت في ساق حسن أسفل ركبته لتدمر عظامها.
وقال حسن "أظلم كل شيء. كل ما أعرفه هو أن الناس كانوا يركضون فوقي
ثم وجدت نفسي في المستشفى."
ولم يستطع الاطباء ازالة القطعة المعدنية وقرروا بتر ساقه واستطاعوا
بالكاد انقاذ ركبته.
أصبح حسن واحدا من الاف العراقيين الذين شوهوا في تفجير مئات
السيارات الملغومة والهجمات الانتحارية على مدى العامين المنصرمين.
لكن حسن الذي ينحدر من حي الحرية الفقير الذي تسكنه الطبقة العاملة
وهو حي يقطنه سنة وشيعة قرب المدينة القديمة ببغداد لا يشعر بالمرارة.
ويقول حسن إنه مهما حدث فان ما حدث له يجعله أكثر اصرارا على
الاستمرار في القتال من خلال صندوق الاقتراع من أجل التغيير في العراق.
وأصر حسن على أن السبيل الوحيد لمضي العراقيين قدما هو الادلاء
بأصواتهم واظهار وحدتهم في مواجهة المسلحين الذين عقدوا العزم على
افساد الانتخابات.
وأضاف "هذا هو السبيل الوحيد. لابد أن نصوت ضدهم."
وفيما تقدم في الصف في حي الحرية بدا على آخرين حوله أن لديهم نفس
العزم. وتقدم المئات إلى مركز الاقتراع يوم الأحد حيث أخذوا يدلون
بأصواتهم ويتحركون بسرعة.
فيما بعد وصل عدد من الشيعة من نفس الحي إلى مركز الاقتراع وبعد أن
أدلوا بأصواتهم وزعوا الحلوى ليضفوا على اليوم الدامي في اجزاء كثيرة
من بغداد بعض البهجة.
واحتفل العراقيون في مدينة البصرة الواقعة في جنوب البلاد والتي
غالبية سكانها من الشيعة بالحصول على فرصة للتصويت في الانتخابات أمس
بينما وقفوا ينتظرون في صبر دورهم في صفوف طويلة أمام مراكز الاقتراع.
وعقب الادلاء بصوتها في مدرسة الحرية بوسط مدينة البصرة ثانية
كبريات المدن العراقية قالت أحلام حمادي التي جاءت بصحبة زوجها
وأطفالها الخمسة «هذا شعور جديد وأنا سعيدة جدا بهذه التجربة.»ووسط جو
من التصميم الهاديء تدفق الناخبون بأعداد كبيرة على مراكز الاقتراع
للادلاء بأصواتهم في البصرة وهي منطقة هادئة نسبيا بالمقارنة ببغداد
ومناطق العرب السنة بوسط العراق.
وقال جاسم محمد جاسم وهو مراقب للانتخابات «اننا سعداء للغاية بهذا
اليوم.انه مثل العيد.»ومع حظر اقتراب السيارات من منطقة وسط المدينة
توجه الناس سيرا على الاقدام من الاحياء التي يقطنون بها في مجموعات أو
بصحبة ذويهم.وانخرط الاطفال في لعب الكرة في وسط طرق عادة ما تكون
مزدحمة بالمرور.
وقال نجم الربيعي المتحدث باسم منظمة «عين»التي نشرت عشرة الاف
مراقب في مجمل المناطق العراقية للصحافيين «ان مراقبينا لاحظوا بصورة
عامة ان الانتخابات جرت بشكل ممتاز ولم تشهد سوى القليل من اعمال العنف
والخروقات».
ولم يشر الى الاعتداءات التي حصلت في بغداد لكنه كشف عن فتح عدد من
مراكز الاقتراع في وقت متاخر قائلا «لم نلحظ اي خروقات من جانب
المفوضية العليا المستقلة للانتخابات».
واكد الاقبال الواسع في محافظات كردستان «لكننا واجهنا مشاكل في
مركزي اقتراع في السليمانية (شمال شرق) عندما رفض الموظفون في المفوضية
دخول المراقبين لكننا سارعنا بحل المشكلة».
وتابع انه لم تكن هناك اي مشكلة في اربيل ودهوك حيث «كانت عملية
التصويت منظمة وشهدت مكاتب الاقتراع اقبالا كبيرا».
واضاف ان «التقارير تؤكد كثافة المشاركة في المناطق التي يسكنها
اكراد في محافظة التأميم، كبرى مدنها كركوك، كما ان نسبة مشاركة العرب
كانت لا بأس بها».
وفي الموصل، ارتفعت اعداد الناخبين بعد الظهر «ورغم ادلاء ثلاثة
اشخاص فقط باصواتهم في مدرسة الزهراء فان مركز الاقتراع في حي النور
شهد اقبالا واسعا».
وقالت انتصار (40 عاما) التي خرجت لتوها من مركز الاقتراع في ابو
الخصيب وهي تستجمع اطراف عباءتها السوداء وعلى وجهها ابتسامة عريضة «جئت
ادلي بصوتي من اجل مستقبل العراق وشعبه.. انني سعيدة جدا ان اؤدي هذا
الواجب المدني».
وفي مدرسة المكارم للبنات في هذه المدينة الجنوبية التي تبعد 15 كلم
عن اكبر مدن الجنوب البصرة تجمع المئات منذ الصباح الباكر للادلاء
باصواتهم وكانت الاعداد الى تكاثر بعد حوالي ساعة من فتح المراكز.
واضافت انتصار التي تفاخر بانها من مدينة «ابي غيلان»رائد الحداثة
في الشعر العربي بدر شاكر السياب «الشعب العراقي كله كان ينتظر هذا
اليوم ..انه يوم تاريخي يشهده العراقيون للمرة الاولى ويتمكنون من
الادلاء باصواتهم».
في الداخل المكتظ بعشرات الناخبين امام الغرف الخمس حيث صناديق
الاقتراع في المدرسة يؤكد مدير المركز ناصر كساب جابر مبتسما «كل شيء
يجري بشكل جيد وبهدوء كما ترون»مشيرا الى اعداد الناخبين من النساء
والرجال الذين ينتظرون دورهم، ويضيف «الاقبال كبير ونأمل ان يستمر كذلك
وان يمر الاستحقاق التاريخي من دون مشاكل».
وتشرح رجاء المسؤولة عن القلم الثالث للناخبين حولها «اختاروا الحزب
الذي تريدون وضعوا صليبا على المربع المقابل لاسم الحزب ..هذه الورقة
هي للانتخابات العامة وتلك للانتخابات المحلية ..بعد ذلك توجهوا الى
المعزل».
واصغى الناخبون العراقيون الذين بكروا في الوصول أمس بانتباه الى
المسؤول قبل ان يملأوا الاوراق ويغمسوا اصابعهم في حبر خاص لمنع اي
تزوير ثم يضعون البطاقتين الانتخابيتين في الصناديق البلاستيكية
الشفافة.
جواد كاظم 65 عاما ادلى بصوته معبرا عن ارتياحه بالقول «نحن سعداء
اليوم ان نتمكن من اختيار حكومتنا ..حكومة ديمقراطية وتعددية سياسية من
دون حزب البعث الذي كان الوحيد في السابق».ويضيف «اننا ننتخب من اجل
مستقبل الشعب العراقي ومن اجل خير الشعب العراقي».
سليم الزبير 22 عاما وصل مع ابيه وامه وكلاهما اميان للاقتراع .يشرح
لهما كيف وفي اي خانة يضعان العلامة ويقول «انتظرنا طويلا هذا
اليوم»مؤكدا انه لا يشعر بالخوف رغم كل التهديدات التي وجهت الى
الناخبين.
تقول شكرية عباس المواطنة الاربعينية في هذه المدينة التي تعد 60
الف نسمة ويمثل الشيعة 65 في المئة من سكانها «على جميع المسلمين ان
يدلوا باصواتهم ..انه تكليف شرعي وواجب وطني».
ولم تشهد ابو الخصيب احداثا تذكر هذا الصباح .مجرد احداث بسيطة
وثلاثة اعتقالات لكن الوضع لافت بهدوئه كما يؤكد العسكريون البريطانيون
الذين يشرفون على الامن مع الشرطة والجيش العراقيين. |