إذا كان إلغاء مصطلح الاستعمار وإخراجه خارج دائرة الشرعية الدولية من
أهم ما قرره ميثاق الامم المتحدة باخضاع المستعمرات للاشراف الدولي في
إطار نظام الوصاية أو الانتداب، فان تدخل اجهزة الامم المتحدة لمصلحة
البلدان التي فقدت حكوماتها أو ضعفت أهم الحسنات التي تحسب للامم
المتحدة.
فايام نظام الوصاية ونظام الاقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، حددت
الامم المتحدة جداول زمنية، لاستقلال هذه الاقاليم من خلال ترقية اهالي
الاقاليم المشمولة بالوصاية في امور السياسية والاجتماع والاقتصاد بما
يتفق مع رغبات هذه الشعوب وبمحض إرادتها، وعن هذا الطريق وجدت عشرات
الدول طريقها إلى الاستقلال وعضوية الأمم المتحدة.
ولم تجد الامم المتحدة بدا من أن تتدخل في شؤون الدول المضطربة لتقديم
المعونات الاقتصادية تارة، أو للمساهمة في ترتيب اوضاعها السياسية
بالاشراف على تشكيل حكومة وطنية تنبثق من إدارة الشعوب وتصميمها تارة
اخرى، كما حصل في البوسنة والهرسك وأفغانستان، وغيرها من الدول.
واليوم، الماضي يكرر نفسه في العراق، فالعراق دولة فقدت حكومتها، تحت
تأثير خارجي، ووجدت الامم المتحدة نفسها مضطرة للتدخل في شؤونه
الداخلية مرة بالتحكم في صادراته واستيراداته، ومرة في تهيئة حكومة
تدير شؤونه الداخلية مؤقتا، فمن إدارة قوى التحالف الدولية، إلى إدارة
مشتركة بين الاخيرة وهيئة عراقية وإشراف الامم المتحدة، إلى حكومة
وطنية مختارة من قبل المندوب الخاص للأمم المتحدة السيد الاخضر
الابراهيمي، والعراق الآن مشغول في التهيئة لحكومة وطنية منتخبة مباشرة
من الشعب العراقي نفسه.
في هذه المرحلة يدور حديث حول مدى شرعية الانتخابات العراقية 5 200 ،
وسبب هذا الحديث يعود إلى تواجد قوات متعددة الجنسية في العراق مرة،
وعدم مشاركة بعض العراقيين في الانتخابات مرة اخرى. فهل الانتخابات في
ظل الاحتلال إن صح، أو بامتناع بعض العراقيين من الادلاء باصواتهم هي
انتخابات شرعية أم غير شرعية؟
قبل الاجابة على هذا السؤال علينا أن نفهم معنى شرعية، حتى نقول في ضوء
المعطيات التعريفية إن العمل الانتخابي في العراق هو عمل شرعي، أو انه
عمل غير شرعي. فللشرعية معنى دولي ومعنى وطني، والمعنى الدولي: يعنى أن
الهيئة الدولية تقر صحة العمل السياسي وتتعامل معه، وفق معايير دولية
نصت عليها مواثيق الامم المتحدة ، والمعنى الوطني: يعنى أن الشعب مصدر
السلطة، فان كانت الحكومة منتخبة من قبل شعبها كانت حكومة شرعية، وإن
لم يشترك الشعب في انتخاب حكومته، كانت الحكومة حكومة غير شرعية.
فمن حيث الشرعية الدولية: فأنا نجد أن الامم المتحدة تشترك في إعداد
العملية الانتخابية وتشرف عليها بشكل مباشر بواسطة خبراء دوليين تابعين
لها، وبإدارة عراقية معينة باسم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات
في العراق، وبالتالي فان الانتخابات العراقية تتمتع بشرعية دولية كاملة،
ولكن كيف تكون للانتخابات شرعية دولية، وهي تتم تحت سيطرة المحتلين؟
اولا: أن العراق طبقا لمفهوم الشرعية الدولة تحت سيطرة حكومة عراقية
اختارتها الأمم المتحدة بالتنسيق مع القوى السياسية الرئيسة في العراق،
وثانيا: أن الامم المتحدة حددت جدولا زمنيا لاجراء الانتخابات في
العراق اقصاها 30 من الشهر الجاري، وثالثا: أن قوات المتعددة الجنسية
لا تمتلك قرارات تنفيذية، ولا تتدخل بالشؤون العراقية إلا بحدود حفظ
امن واستقرار بعض دوائر ومؤسسات الدولة، حتى تتمكن قوى الامن العراقي
من النهوض لوحدها بالمسؤولية الوطنية، ورابعا: لو فرضنا أن الانتخابات
تجري تحت سلطة الاحتلال، من الذي قال: إن الانتخابات التي تجري تحت
الاحتلال هي انتخابات غير شرعية؟ فشرعية الانتخابات على مستوى الداخلي
تبقى مرهونة بقدرة الشعب على ممارستها ممارسة حرة ونزيهة، فربما تعد
الانتخابات التي تجرى تحت سيطرة حكومة وطنية انتخابات غير شرعية، فيما
لو حرمت الجماهير من حقها في الترشيح والاقتراح، وربما تعد الانتخابات
التي تجرى تحت سيطرة المحتل وحرابه، انتخابات شرعية مادام الشعب اشترك
فيها ترشحا واقتراعا بمحض إرادته واختياره كما في الانتخابات
الفلسطينية، لان معيار شرعية الانتخابات من عدم شرعيتها، هي قدرة الشعب
على ممارستها دون ضغوط أو تدخل.
ومن حيث الشرعية الداخلية: فان شرعية الانتخابات العراقية تعتمد على
اشتراك الشعب العراقي فيها، وإتاحة فرصة أكبر للمشاركة دون تميز بين
طرف وطرف على اساس الجنس أو اللون أو اللغة أو الطائفة أو الدين. ومن
اجل ضمان الشرعية بجانبيها الدولي والوطني فقد شكلت لجنة محايدة بارادة
دولية محضة لادارة العملية الانتخابية على وجهها الصحيح، وهي المفوضية
العليا المستقلة للانتخابات في العراق، ولم يحدث حتى الساعة أن اخلت
المفوضية بالأعمال الإجرائية الموكلة لها، ولم يقدم حزب أو كيان سياسي
أو جهات مستقلة أي اعتراضات تذكر. وفي ضوء ذلك تقدمت مئات الأحزاب
والكيانات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني بطلبات الترشيح من غير قيود
إلا القيود الموضوعية. ونحن على ابواب الاقتراع بعد أن سجل الملاين من
العراقيين اسمائهم في المفوضية استعدادا للمشاركة في الانتخابات سواء
في داخل القطر أو خارجه.
ويبقى هناك تسائل مشروع، هو هل إن الانتخابات تكون شرعية فيما لو لم
تتمكن مناطق معينة من الادلاء بصوتها، أو امتنعت عن التصويت لأسباب
مختلفة؟
أن من صميم العملية الديمقراطية والانتقال السلمي للسلطة، أن يكون جميع
الناس أحرارا في الاشتراك في الانتخابات هذا اولا، وأن يكون جميع الناس
احرارا في انتخاب القائمة التي يطمئنون لها ثانيا، ولا يمكن في كل
بلدان العالم بما فيها العالم الغربي، أن يشترك جميع المواطنين في
الانتخابات، ولا يجبر المواطن أن يدخل المركز الانتخابى بغير رضاه، لان
هذا خلاف ثقافة الديمقراطية، وخلاف حرية الافراد، بل الجميع لهم الحق
في الدخول في الانتخابات كما لهم الحق في الامتناع عنها، ويكفي ان
يشترك نسبة من السكان في اختيار ممثليهم، وإذا ما حال ظرف قاهر دون
اشتراك بعض المواطنين في مناطق معينة، فيمكن أن يدلوا بأصواتهم في
مرحلة لاحقة مع شرعية الانتخابات شرعة كاملة.
* مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث
http://shrsc.com
info@shrsc.com
|