حذر علماء التغذية والاجتماع من أن الوجبات الشعبية والاطعمة
المحلية المصرية يتهددها خطر الانقراض والضياع باسم العولمة .
وأكد العلماء ضرورة الحفاظ على تلك الوجبات الشعبية مثل الفول
والطعمية والكشري من الانسحاق أمام انتشار الوجبات السريعة والهامبرجر
بوصفها تمثل حاليا الثقافة الأقوى بدليل انتشار السلاسل العالمية في كل
أنحاء العالم .
ورأوا أن قضية الهوية التي يخاف البعض من تاكل مفهومها باسم العولمة
أصبحت مطروحة بقوة ليس بمعنى توافر الطعام الجيد والصحى للجميع ولكن
بمعنى أن ثقافة الطعام الأقوى سوف تفرض نفسها .
وفي هذا الخصوص قال استاذ الاجتماع في جامعة عين شمس محمود عودة
لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) أنه يبدو أن هذه العربات قررت المحافظة
على التراث أو مقاومة العولمة لأنها مهتمة بتقديم الفول بكافة أنواعه
بجانب الاضافات المهمة من الباذنجان المخلل والفلفل الحار والسلطة
الخضراء وسلطة الطحينة .
واضاف عوده أن قائمة الأكلات المحلية أو الشعبية على غير ما يعتقد
البعض طويلة بل أن هناك حاليا موسوعات تضم هذه الأكلات وتعمل على
تصنيفها وتوصيفها والاهتمام بتاريخها للحفاظ عليها من الاندثار أو
الذوبان في أكلات أخرى بفعل العولمة .
ورأى أن العولمة الغذائية تهدد الشرائح الفقيرة لأنها تفرض أنماطا
من الغذاء لا تستطيع هذه الطبقات تحمل تكاليفها فأغلب شرائح المجتمع
المصرى متوسطة الدخل ولا تستطيع تحمل تكاليف الهامبرجر .
واشار الى انتشار مطاعم الوجبات السريعة ليس فى الاحياء الراقية في
القاهرة والاسكندريه فقط ولكنه اخذه الان في التسلل الى عواصم
المحافظات الريفية حيث نجد احدث محلات الوجبات السريعة والايس كريم
جنبا الى لا جنب مع محلات الاغذية الشعبية والتقليدية الفول والطعمية
والكشري وغيرها - وسارعت دول عديدة الى المحافظة على ثقافتها الخاصة
وذوقها الخاص فى الطعام من خلال الاهتمام بوجباتها الوطنية أو الشعبية
على اعتبار أن الوجبات الشعبية من أهم المظاهر التي تسهم في تحديد
الهوية المميزة لكل دولة .
ويرى البعض ان هناك محاولات عدة لمحو ثقافة المصريين الغذائية
وتهميشها ومن تلك المحاولات الاهتمام بالأكلات الأجنبية بغض النظر عن
قيمتها الغذائية وهناك محاولات لتحويل الفول والطعمية والكشرى وغيرها
الى مأكولات أخرى تناسب عصر العولمة .
وتكاد تختفى المطاعم الشعبية بشكلها التقليدى لصالح مطاعم أخرى
تحاول التشبه بالمطاعم الامريكية التى تقدم الأكلات الشعبية وتستعير
نفس المصطلحات ومنها مصطلح (الديلفري) بمعنى توصيل الطلبات الى المنازل.
فالملاحظ أن هناك حمى من جانب المطاعم الشعبية للتخلص من شكلها
القديم ومسمياتها القديمة فاختفى المطعم الشعبى القديم بمقاعده الخشبية
وموائده وحتى الشعار الذى كان يكتبه البعض على محله من باب الدعابة
والظرف الذى يشتهر به أولاد البلد مثل " ان خلص الفول أنا مش مسؤول " .
في نفس الوقت هناك مطاعم ملفتة للنظر تقدم وجبات شعبية ولكن اتخذت
أسماء أجنبية واضافات غربية اذ تقدم بعض المحلات السياحية الفول مخلوطا
باللحم المفروم والدجاج فيما تراجع الطبق المخلوط بالزيت الحار الذي لا
تحتفي به سوى العربات التى نراها منتشرة في بعض الشوارع. من جهته رأى
أستاذ علوم الأغذية بالأزهر الدكتور مصطفى نوفل أن هناك صراعا على بطون
البشر وتحديد ما يأكله الناس في أغلب دول العالم وأن دول العالم النامى
واقعة تحت سيطرة ثقافة غذائية تهدف الى محو ذاكرتنا الغذائية وانها
تكاد تنجح فى ذلك باسم العولمة الغذائية .
وقال نوفل ان الدول المتقدمة مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا تبذل
جهودا مضاعفة لتحافظ على هوية اطعمتها الخاصة بها فيما ركز أحد المراكز
الزراعية البحثية جهوده لتغيير الوجبات الشعبية والمأكولات المصرية
المألوفة وذلك باضافة فول الصويا ومنتجاته الى تركيباتها الأصلية لتخرج
عن مكوناتها المعروفة منذ القدم .
ويتهم الدول المتقدمة بمحاولاتها دفع الدول النامية لتغير تشريعاتها
الغذائية وانماط استهلاكها المعتادة لتسهيل تسويق منتجات العولمة كما
أنها تعمل علي ايجاد تشريعات لديها لمنع دخول اي منتجات غذائية من
الدول النامية ما لم تتبع في انتاجها نفس النظم المطبقة لديها .
وقال ان الوضع الاقتصادي المتواضع للدول النامية لا يسمح بمثل هذه
المنافسة وبالتالي تظل العولمه قائمة في اتجاه واحد نحو مصالح الدول
المتقدمة فقط مؤكدا ضرورة المحافظة على هويه الطعام المصري الاصيل.
وعلى صعيد متصل رأى الاستاذ بمعهد التغذية الدكتور فهمي صديق أن
المشكلة ليست فى الثقافة ولكن فى الاعلام وقدرته على التأثير فى توجهات
الناس واقناعهم بأنماط استهلاكية بعيدة عن ثقافتهم الوطنية بنحو يشبه
الغزو والسيطرة التى نجدها حتى فى دول حافظت على تقاليدها لعصور مثل
الصين وكوريا .
وأضاف أن " الصينى مثل الكوري مثل الهندى مثل العربى يريد أن يلحق
بالثقافة الغربية والأمريكية بساندوتش هامبورجر وكوب من المياه الغازية"
.
وكانت دراسة حديثة قد أكدت أن ثلث المراهقين المصريين والذي يتخطى
عددهم 15 مليون مصابين بمرض فقر الدم (انيميا) بسبب نقص الحديد وأن 17
في المئة من هؤلاء المراهقين تسبب النظام الغذائى الذى يتبعونه في قصر
قامتهم .
واشار صديق الى تأثير انتشار مطاعم الوجبات السريعة وطغيانها على
الأكلات الشعبية على القيم والعادات الاجتماعية في الغذاء ومنها التفاف
الأسرة حول مائدة تحوى طعاما صحيا. |