أخيراً استطاعت تركيا أن تكون الأكثر
أهمية للاتحاد الأوروبي في العام (2005) حيث قرر الاتحاد بدء مفاوضات
حول عضويتها في هذا العام.
فمنذ تأسيس الاتحاد خلال الخمسينات من القرن الماضي محتضناً ست دول
فحسب (فرنسا – ألمانيا الغربية – إيطاليا – بلجيكا – هولندا –
لوكسمبورغ) توسع المشروع الأوروبي على خمس مراحل منفصلة، ليضم اليوم
(25) عضواً، والتوسعة الأكبر والأكثر دراماتيكية حدثت في العام (2004)
حينما استقطب الاتحاد ثماني دول شيوعية سابقة، إضافة إلى قبرص ومالطا،
ومع ذلك ستشكل محادثات العضوية من تركيا الأكثر زخماً من بينها جميعاً.
وهذا يعود جزئياً إلى ضخامة تركيا. فتعداد سكانها يفوق السبعين
مليون شخص مع نسبة نمو عالية: فما أن يحل العام (2015) حتى تتجاوز
ألمانيا لتغدو البلد الأكثر سكاناً في الاتحاد. علماً أن تركيا دولة
فقيرة مع ناتج محلي عام يقل عن ثلث معدل دول الاتحاد، وهذا ما قد يغذي
مخاوف من هجرات ضخمة نحو أوروبا الغربية، والبلد يعتمد أساساً على
الزراعة، مما قد يجعله عبئاً مدمراً على سياسة الدعم الزراعي الأوروبي،
فضلاً عن المساعدات الإقليمية.
إلا أن أشد ما يقلق مواطني وحكومات أوروبا ليس المال، فالأمر يستغرق
عشر سنين على الأقل، تلي الشروع بمحادثات العضوية، قبل أن تنضم تركيا
فعلياً إلى الاتحاد الأوروبي، الهاجس الأكبر يتمثل اليوم بتاريخ تركيا
الطويل في عدم الاستقرار، فضلاً عن سجلها المخيف في حقل حقوق الإنسان،
والأكثر أهمية كونها بلداً مسلماً.
وقد بذلت حكومة حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب أردوغان الجهد
الحثيث لتلبية الشروط المطروحة، فالاقتصاد ينمو بقوة، فيما أوجدت
الغالبية البرلمانية الكبيرة لحزب أردوغان حالة من الاستقرار السياسي،
وبينما تثبت الحكومة أنظارها على عضوية الاتحاد، تعمل على المثابرة في
تنفيذ سلسلة من الإصلاحات، ورغم بعض النقاط الساخنة حول مسائل كقانون
العقوبات الجديد، وحقوق المرأة ووضع الأكراد، فإن هذه التغييرات قد
تمنح محادثات العضوية دفعاً مقبولاً.
إلا أنها لا تجدي مع الهاجس الثاني الكبير، ألا وهو الإسلام. فمعظم
الأوروبيين هم اليوم حتماً علمانيون، كما هم على بينة من وجود (12)
مليون مواطن مسلم بالفعل ضمن دول الاتحاد، من بينهم ما لا يقل عن ثلاثة
ملايين تركي، وهم لم ينسوا التحدث يومياً عن اعتبار أوروبا (نادياً
مسيحياً).
كل ذلك لكن هناك أصوات قوية تدعم عضوية تركيا، بعضها تصدح من خارج
أوروبا، فأمريكا تظهر اهتماماً كبيراً في تطلع تركيا نحو عضوية الاتحاد
الأوروبي، وهذا ما يعكس جزئياً الأهمية الاستراتيجية للبلاد كعضو في
حلف شمال الأطلسي وتمركزها على الحوض الشرقي للبحر المتوسط ومجاورتها
للبحر الأسود. كما أن أمريكا تبدي حماساً لتعزيز الفكرة القائلة بأن
الدول المسلمة يمكنها أن تكون ديمقراطيات حرة مما يهدئ غضب المسلمين
وكسب ودهم وتعزيز الحرب على الإرهاب. |