جرت الانتخابات الفلسطينية في جو من الهدوء والوئام وصفقت لها اجهزة
الاعلام العربية وعلى رأسها الجزيرة التي خصصت لها برنامج خاص من داخل
الاراضي الفلسطينية يديره (كبير) مراسلوا الجزيرة، واوفدت الى هناك عدد
غير قليل من كوادرها الاعلامية المعروفين بتشنجهم تجاه "المشهد العراقي"
الجديد من امثال جمال الريان وكريشان وهذا الاخير وصف الانتخابات
الفلسطينية التي تجري تحت الاحتلال والاستيطان الاسرائيلي بانها نوع من
انواع النضال والمقاومة. بل و لم يكتفوا العرب واعلامهم بذلك حيث
اطلقوا كل الصفات الحسنة والايجابية على المشاركين والناخبين
والمنتخبين رغم ان نسبة المشاركة لم تتعدى الـ60 الى 65 % من عدد
الناخبين الذين يحق بهم التصويت والذي يقارب المليونين ناخب ورغم
مقاطعة حركات التشدد ( الحماسية والجهادية) لتلك الانتخابات ورغم الفشل
الذريع الذي لحق بمشروع المقاطعة الذي دعت اليه تلك الحركات الا نسبة
النجاح غدت مقبلولة لدي الرأي العام العالمي ولدي الشارع الفلسطيني
الذي شارك بزخم في الانتخابات المذكورة وارسل اشارة "السلام" الى
الاسرائليين ورسالة سياسية الى الرئيس الامريكي بوش مفاده ان شعب
فلسطين مع ابومازن "محمود عباس" ونهجه السياسي وانه ضد التصعيد العسكري
والنهج الذي تتبعه الاقلية داخل فلسطين علما ان الحماسيون والجهاديون
قد تعاملوا بكل ايجابية ولغة حضارية مع انتخاباتهم الفلسطينية ولم
يصفوها بانها تدعم سلطة الاحتلال والاستيطان ولم يمارسوا اي نوع من
انواع العنف مع المشاركين او يقوموا بحرق صناديق الاقتراع او تهديد كل
من يشارك في الانتخابات باالقتل والتفجير ولم يختطفوا او يقتلوا احدا
من اعضاء اللجان
الانتخابية المشاركة في تنظيم الانتخابات ..
والامر ينطبق ايضا على الاعلام العربي وخاصة الجزيرة والعربية و
غيرها من الفضائيات العربية والتي تعاملت مع الانتخابات الفلسطينية
وكانها هي انتخاباتها وانها هي التي ستشارك فيها وتدلي باصواتها في
صناديقها واستخدمت كل وسيلة فن اعلامي على انجاحها في الشارع
الفلسطيني وحثت بشكل غير مباشر ومن خلال تعاطيها الايجابي مع مسئلة
الانتخابات الفلسطينية الجميع على المشاركة فيها وكان موقف مراسلي تلك
الفضائيات واضحا ومنحازا بشكل جلي نحو المشاركة وانجاحها وهو امر نحسده
عليهم ونعتبره شيئا حسنا...
الا ان الامر سوف سيختلف تماما وينقلب الموقف مليون درجة عندما
تتعلق المسئلة باالمشهد العراقي والانتخابات المزمع اجرائها في نهاية
الشهر الجاري من عام 2005 حيث كل الجهود والطاقات والامكانيات
الاعلامية والخبرات الفنية مع كثير من الاملاءات الذهنية والخلفيات
السياسية وحتى الطائفية التي يحملها مراسلوا تلك الفضائيات والقائمين
عليها تزج في اتون معركة افشال الانتخابات في العراق او عدم اجرائها
واعطاء صورة مشوهة ومشوشة وسلبية عنها وتحرض الاقلية التي حكمت العراق
في عهد المنبوذ الساقط صدام بالحديد والنار وبالطائفية المقيتة ولغة
المقابر الجماعية على مقاطعتها وتشجع عناصر (المقاومة) على تخريبها من
خلال خطاب التحريض والمعادي للانتخابات وتتمنى ان يتحول يوم الانتخابات
الى بحر من الدماء يغرق فيه العراقيون تتحول اجسادهم الى اشلاء وقطع
متناثرة وتكثر طوابير من السيارات المفخخة واجساد انتحارية بالية عربية
واجنبية تقتحم الاسواق والبيوت والمساجد والحسينيات والمؤسسات وتحولها
الى ركام وانقاض ..
هذه الصورة الكارثية الفجيعة التي تجري بشكل يومي في العراق ضد
الامنين من الناس هي التي يرسمها الاعلام العربي للعراق ويحرض على
ايجادها كي لا يهنأ العراقيون بيومهم ولا غدهم بعكس الصورة في "فلسطين"
التي رسم لها بتلك الالوان الخلابة والجميلة ذات الافق المشرق وما يزيد
الامر حيرة هو هذا التناقض الغريب في الموقف والتعامل وعلم الاطراف
العربية وا علامها على خطا النهج المتبع في تعاطيها مع المشهد العراقي
والاصرار على فرضه وتسييده على العراقيين وخاصة الرافضين لمنطق
الابتزاز العربي الطائفي الذي يحمل حقدا دفينا وعجيبا على العراق وشعب
الرافدين...
الواضح ان منطلقات رفض اجراء الانتخابات في العراق و المطالبة
بتاجيلها هي طائفية وشوفينية اكثر مما هي منطقية او شريفة ونزيهة رغم
الادعاءات النافية لها حيث كل المؤشرات تؤكد بوجود توجه من هذا النوع
لدي كل الاطراف التي تنازع العراقيين في حقهم السياسي والانتخابي
والحياتي على ارض العراق ولا تتمنى لهم الاستقرار والازدهار والامان
بدليل هذا الكم الهائل من التدخلات العربية والاجنبية في المشهد
العراقي وبدليل هذا التناقض الصارخ ايضا في المواقف ازاء العملية
الانتخابية التي تجري في فلسطين وتلك المزمع اجراءها في العراق ..
ويؤسفنا هنا ايضا هنا ان تنضمن الى تلك الجوقة البائسة اقلام وعقول
تدعي انها محسوبة على العالم الحر والعقلانية في الغرب وهي تردد
كالببغاء ما يردده القوميون العرب واضرابهم من الطائفيين من امثال
الكاتب البريطاني "روسيل" في مقال لن يتوانى من استخدام المفردات ذاتها
السائدة في العالم العربي وفضائياته والترويج لمشروع الارهابيين من
خلال بعض الاراء الشاذة التي تتطرق الى مسئلة تاجيل الانتخابات وربط
نجاحها بمشاركة القوى العنصرية والطائفية التي يسميها الكاتب
بـ"المقاومون" ويغفل اولئك جميعا ان غياب فئة وقلة من المحسوبين على
السنة في العراق لن تتعدى نسبتهم اكثر من 10% لا يمكن في اي مكان من
العالم ان جرت انتخابات على مثلها ان تلغي الشرعية عنها او يطعن فيها
وهذا ما يريد الاعلام العربي والقوميون والطائفيون وبعض المنضوين تحت
لوائهم او المتأثرين بخطابهم تصويره للعالم .. الفلسطينيون شاركوا في
الانتخابات من دون "حماس" و"جهاد" وقوى سلفية ولم يطعن العرب والقوى
التي تبكي اليوم على البعث وسنة العراق في شرعيتها حتى فرنسا التي كان
لها موقف شاذ ومختلف عن جميع الدول العربية بالنسبة للوضع في العراق
الجديد تعتبر الانتخابات الفلسطينية وفوز محمود عباس انتصارا للسلام
والديمقراطية!..
فما الذي يميز الانتخابات الفلسطينية عن مثيلتها العراقية التي سوف
تجري في العراق بنهاية هذا الشهر علما ان الاغلبية التي تتجاوز نسبتها
ال70 % تحبذ بل وستشارك فيها .. فلماذا اذن العرب والطائفيون يباركون
الاولى ويعتبرونها موقفا نضاليا فيما يطعنون في الثانية ويسعون نحو
تخريبها ووضع العصي في عجلاتها ويحرضون الارهابيين ومجموعات اجرامية
وعصابات سلفية وبعثية متطرفة على عمليات التفجير والتصعيد الامني
والتمجيد والتهليل لمظاهر القتل واعمال الخطف تحت اسم (المقاومة)؟! ..
الانتخابات في العراق يجب ان تقام في موعدها ويجب عدم الخضوع
لاملاءات دول الجوار المناوئة لقيام نظام ديمقراطي حر في العراق ويجب
ان تمضي المسيرة الديمقراطية وان تخلفت عنها الاقلية فهي التي جنت على
نفسها بتسليم قرارها لمجموعة من المجرمين وارهابيين وعصابات قطع الرؤوس
.. نحن لم نسمع في اي دولة من الدول ان الديمقراطية او الشرعية لن
تكتمل اذا تخلت اقلية عن الانضمام الى ركبها واشترطت شرعيتها بمشاركة
هذه الفئة او تلك التي لا تمثل الاغلبية من السكان ..فماذا اذن هذا
التهويل والتهديد والتصعيد ؟! ولماذا يحاول البعض عن قصد وتعمد ومن
منطلقات طائفية ان يفرض اجندته على الاغلبية ؟! ولماذا لم يقولوا العكس
؟! هاهي الانتخابات الفلسطينية حظيت باالشرعية الداخلية والاقليمية
والعالمية رغم غياب القوى العنفية والمسلحة والدينية عن المشاركة ..
نحن نرى ان الخطا ليس في الانتخابات واجراءها او ان العرب قبلوا بها
او رفضوها... الاشكال يقع في النوايا والدوافع وفي العقلية العربية
الشوفينية والطائفية التي تنظر الى العراق كمزرعة يجب ان يذهب ريعها
الى جيوب غير العراقيين ويظل ابن البلد معدوما وفقيرا ينكل به .. تلك
العقلية التي لا تستطيع ان ترى العراق حرا وديمقراطيا يقرر ابناءه
مصيره وليس الاغراب الاعراب والهمج من الرعاع الذين لا يؤمنون الا
باالسيف والعنف كلغة وحيدة للتعامل ..
ومن هنا ايضا نفهم لماذا العرب يتعاملون مع الانتخات الفلسطينية
بايجابية ومع نظيرتها العراقية بسلبية ولؤم .. |