قد
يتبادر للذهن من العنوان وصورة الغلاف ان الذي بين ايدينا هو قصة او
رواية، غير ان الامر ليس كذلك، ربما تعمد الكاتب او الناشر القاء مثل
هذه الشبهة في ذهن القارئ، ولكن الكتاب مع هذا هو رواية تحكي مسيرة شعب
البحرين والمحطات التي وقفت عندها المعارضة السياسية حتى عودة طائر
المعارضة من المنفى الى جزيرة البحرين، وامتهان العمل السياسي ضمن
قنوات الجمعيات الثقافية والفكرية والخيرية التي مثلت الوجه الاخر من
عملة المعارضة، حيث توخت الاحزاب من اسلامية ووطنية ويسارية العمل تحت
جبة الجمعيات حتى تتأقلم مع قوانين مملكة البحرين التي تحظر العمل على
اساس حزبي.
"جزيرة بلا وطن" هو احدث مؤلفات الباحث والسياسي البحريني كريم
المحروس، صدر عن "الرأي الآخر للدراسات" في لندن، في 370 صفحة من القطع
المتوسط، في فصلين ومباحث عدة، تناول الفصل الاول منه اوضاع البحرين
قبل وبعد المصالحة الوطنية، فيما اخذ الفصل الثاني جانب الحديث عن
الركائز الفكرية والسياسية لشعب البحرين، وعلاقة الامة بالأطياف
الدينية والسياسية والفكرية.
وتتميز الموضوعات التي تعاطها الكاتب بمكاشفتها للواقع الاجتماعي
البحريني بخاصة ما وجدناه في الفصل الثاني، لا سيما وان الكاتب استفاد
من عودته الى البحرين بعد هجرة قسرية دامت عقدين، محتكاً بالمجتمع
البحريني عن قرب، فجاءت كتاباته ملامسة ومتماهية مع الواقع الاجتماعي
والسياسي الذي عليه مملكة البحرين، على ان المحروس لم يتخلص بعد من بعض
المفردات التي كان يتداولها الخطاب السياسي للمعارضة البحرينية في فترة
ما قبل المصالحة الوطنية.
وحول الدافع من تأليف الكتاب الذي حمل عنوان (معايير التجديد
والإصلاح في البحرين) الى جانب العنوان الرئيسي (جزيرة بلا وطن)، يقول
المحروس الذي تزامن صدور كتابه مع مناقشته لرسالة الماجستير في الجامعة
العالمية للعلوم الاسلامية، في لندن حول موضوعة التجديد، لقد: (حفزني
على جمع هذه الاوراق دافع الرغبة في تسجيل بعض وقائع الاحداث لتكون
شاهدا على الدور السياسي الذي لعبناه في هذه الفترة الحرجة -1991/2004-
وحاولنا من خلاله جاهدين كشف ما كانت تضمره الايام والمواقف والسياسات
والحوارات والمبادرات والوساطة السياسية، والاخطار الثقافية المحدقة
التي كانت تراهن على مصير مجتمع البحرين وهويته التاريخية).
واذا كان المحروس قد نقد الوضع السياسي بما له وما عليه كما فعل في
الفصل الاول، فانه أخذ في الفصل الثاني المنحى نفسه ناقدا ظواهر عدة
طفحت على سطح المجتمع البحريني بعامة والوسط الشيعي بخاصة، معتبرا: (أن
هذا العرض جاء مبررا وشرعيا لكون هذه المسيرة الوطنية ملكا للمجتمع
والوطن بأكمله في تاريخه وحاضره ومستقبله).
ولعل من الظواهر التي يرصدها الكاتب هي الاستقطابات الحزبية المصطفة
والمتداعية مع الاستقطابات المرجعية التي في احد اوجهها استقطابات
مندكة بالجهل وافراغ الولاء للمرجعية من محتواه الحقيقي وحصره في دائرة
حزب او مرجعية دون غيره بناء على مواقف مسبقة من هذا المرجع او ذاك، بل
ربما تعدى الجهل الى قطع الاواصر الاجتماعية أو تجميدها لاعتبارات ما
انزل الله بها من سلطان كأن يكون المتقدم لخطبة بنت من حزب او مقلد
لمرجع لا يقول بهما اب البنت او البنت نفسها وان كان الخاطب والمخطوبة
من عائلة واحدة، فيكون الرفض هو سيد الموقف!!.
ولم تبتل البحرين بهذا المرض الاجتماعي لوحدها فحسب، فقد اصاب مثله
مناطق اخرى تدرعت مجتمعاتها واحزابها بجدار هذه المرجعية الدينية او
تلك.
ولا يخفى ان هذا المرض وافد على البحرين او غيرها من البلدان التي
تضم اكثرية او اقلية شيعية، وقد هبت سمومه من طرف العراق الذي ابتلى في
النصف الثاني من القرن العشرين باستقطابات، صنفت المجتمع العراقي على
اسس حزبية ومرجعية اضعفت وشائجه الاجتماعية والسياسية، مع أن التعدد
بحد ذاته اصل في كل جزئية من جزئيات الحياة افرزته الحرية المكنونة في
ذات الانسان.
وحمّل كريم المحروس في ختام كتابه اصحاب التخصصات العلمية وعلماء
الدين مسؤولية محاربة الظواهر السلبية في المجتمع باعتبارها وظيفة
دينية ووطنية، داعيا الى الترفع عن تقديس الذات بإضعاف الاخر أو نفيه.
الرأي الآخر للدراسات/لندن
alrayalakhar@hotmail.com |