عن الإمام علي (عليه السلام) (بالصبر تُدرك الرغائب).
وقيل للإمام الباقر (عليه السلام) (يرحمك الله ما الصبر الجميل؟ قال:
ذلك صبر ليس فيه شكوى إلى الناس).
صحيح أن للصبر حدود ولكن به وحدهُ تدرك الرغائب وينال الظفر، فلا بد
من السعي إلى الصبر غير المحدود، الصبر الجميل، وكل أنواع الصبر صعبة
السبيل، ومرة المذاق ولكن أشدها صعوبة، وأكثرها مرارة، الصبر الجميل،
الصبر المتوازن الهادئ، الصبر الذي تتحمل معه الألم وأنت تبتسم. وتتحمل
معه الجراح وأنت منفرج الأسارير، مضاء القسمات.
الصبر الذي تستطيع معه أن تخفي حزنك وتظهر بشرك، وتتحمل معه صروف
الأيام وهزّات القدر وأنت شامخ الرأس، كأن الأيام مقبلة عليك، حيوي
الحركة، كأن القدر معك.
وتتحمل معه إساءة الآخرين، بأفعالهم أو حركاتهم أو كلماتهم، كأنهم
يحسنون إليك ولا يسيئون إلا لأنفسهم، أو كأن ذلك لا يعنيك، فلا يغير من
اتجاهك ولا يحيدك عن هدفك، ولا يخفض من النور في دربك، ولا من اليقين
الذي يحدوك، ولا من الحق الذي يدفعك.
وتتحمل من ادعاءات الواهمين وتخرصات المتبجحين، فلا تصغي إليهم إلا
كمن يصغي لمن يروون أضغاث أحلامه، ولا تلتفت إليهم إلا كمن يلتفت إلى
صغار يرسمون على الرمال، أو يخطون في الهواء، لأن الأوهام لا تبقى،
والخيالات لا تستمر، والحقيقة راسخة رسوخ الجبال، وواضحة وضوح النور في
الشمس.
ذاك الصبر الذي تتحمل معه دفقة الحياة مع الصحة والعافية، فلا تحرك
يدك فيما يؤذي، ولا تخطو بقدمك فيما يضرّ، بل تكون كلك زرعاً يانعاً في
حقول الناس، ونهراً دافقاً يروي العطاشا ويسقي الظامئين، وتتحمل إقبال
الدنيا عليك، فلا يزيدك ذلك إلا التصاقاً بمن أدبرت عنهم، فلا تسبك ما
هو أعزّ قيمة، ولا تُفقدك ما هو أكثر تعبيراً عن ذاتك، ودلالة على
إنسانيتك.
وإن تصبر على إحسان الآخرين، بأفعالهم أو حركاتهم أو كلماتهم،
فتضعهم في موضع ملائم، لا يضر بإحسانهم، وأن تصبر عند تواضع الآخرين،
فترفعهم في نفسك، وتجلهم في نظرك، فتتواضع إليهم، وتقترب منهم، وتشير
إلى أعيانهم، وترشد إلى أمثالهم.
فالصبر الجميل زينة الفقير والغني والقوي والضعيف، الفرح والحزين هو
زينة الجميع، وهو مع ذلك محط الأجر والثواب.
فعن الإمام علي (عليه السلام) (إنك إن صبرت جرت عليك المقادير وأنت
مأجور، وإنك إن جزعت جرت عليك المقادير وأنت مأزور). |