عن الرسول الأعظم والنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم):
(من كثر عفوه مُدّ في عمره)، (تعافوا
تسقط الضغائن بينكم..)، (تجاوزوا عن عثرات
الخاطئين يقيكم الله بذلك سوء الأقدار..).
يظهر من أبحاث سيكولوجيا الأمراض أن أغلب الأمراض منشأها النفس،
فطبيعة الحياة تعرضنا لمواقف صعبة وأوقات حرجة وبعضها ربما أدى إلى
أزمة نفسية أو صدمة موجعة تترك آثاراً داخلية لدينا، هذه الآثار لا
تبدو للوهلة الأولى واضحة بل بعد مضي أسابيع ومن هذه الأعراض المرضية
مرض السكري الشائع الانتشار أو ارتفاع ضغط الدم أو قرحة المعدة أو
التهاب القصبات الرئوي أو الطفح الجلدي أو أمراض القلب، كل هذه الأعراض
تسمى الأمراض النفسية – الجسمية وتعني أنها نفسية المنشأ في أسبابها
وجسمية الأعراض في نتائجها. قد تؤدي أحياناً إلى أمراض مزمنة تنتهي إلى
الموت المحتم وهنا تكمن فائدة العفو والتسامح وتعويد النفس عليها حتى
تتطبع عليها وتمارسها دون تكلف وذلك بتحويل أو تبديل الكلمة المغضبة أو
الموقف المهين أو الحالة الحادة والتصرف الأهوج إلى أمر بسيط وتافه
سرعان ما تزول والتفكر بعواقب ذلك (كل ذلك قبل قبول تلك الأمور
والأفعال) ثم بعد تبسيطها نعرضها على النفس لتكون سهلة الامتصاص وسريعة
الهضم وتلقى قبولاً رحباً أما إذا تركنا تلك الأمور وفعّلناها في النفس
فبعد ثوران الغضب لا ينفع تهدئته كثيراً، بل كبت الغضب يؤدي إلى أمراض
عديدة ومتنوعة.
إذن لغة التسامح، هي لغة الحوار واحتواء الغضب، لغة كف العدوان
وقمعه، فما أن يلجأ إليها الإنسان العاقل أبعد عن نفسه التعرض للأمراض
وبذلك فهي وقاية من مرض أكيد، وليس غريباً (أن من كثر عفوه مُدّ في
عمره) غيبياً من الله سبحانه وتعالى جزاءً له ونفسياً وجسمياً حيث
الصحة والعافية والانشراح والسرور فقد أظهرت الدراسات النفسية أن
الأشخاص الأكثر قدرة على السيطرة على أنفسهم والتحكم في حياتهم هم
الأكثر إنتاجية والأكثر سعادة ورضىً بحياتهم.
وانطلاقاً من قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) تعافوا تسقط الضغائن
بينكم إن التسامح والعفو قادر على إزالة سرطان الكراهية من نفوس الناس
واستبدالها بالمحبة والشفافية وروح الأخوة الإنسانية التي تحب لنفسها
ما تحب لغيرها والداعية إلى نبذ التعصب والعنف الذي يعمي العقول قبل
العيون ويولد المشاعر السلبية تجاه أبناء البشرية عموماً.
فالتسامح هو فعل من مجني عليه تجاه المسيء وأساسه التحول من موقف
سلبي إلى موقف إيجابي. إن البشرية اليوم تموج تحت وطأة الكراهية وتعميق
السلبيات الناجمة عنها، فالبعض منا يكره أخيه المسلم من المذهب الآخر
لا لأنه كفر أو ارتد بل لأنه اختلف معه، والحال نفسه مع أصحاب الأديان
الأخرى، فما أحوجنا إلى إزالة السلبيات من خلال فحص الأفكار والدوافع
والمشاعر ثم بعدها نبدي تعاطفنا مع من سبب لنا الألم قبل أن نبدأ في
تعلّم كيفية التسامح معه ونتحرر من أفكار الماضي.
والتسامح وإن كان صعباً في بعض الأوقات وفيه نوع من كسر الكبرياء
والإحساس بالذل إلا أنه أفضل من العنف والرد العنيف.
فعن الإمام الباقر (عليه السلام) (الندم على العفو أفضل وأيسر من
الندم على العقوبة). |