رغم ان المعروف عن اهل العراق صعوبة المراس ، ورغم انهم لا يرضون عن
امرائهم الا فيما ندر .. ورغم جميع ما اشيع عن انهم شعب دموي اريقت على
قبلته آلاف الرقاب وغمرت مياهه الوافرة دماء كثيرة الا انه شعب لا يجيد
الحروب الاستنزافية والطائفية المذهبية او حتى العرقية، فليست ثمة
ثقافة وارضية مناسبة لشياع مقولات من هذا القبيل، رغم انه شعب تسوده
الاقوام وتنوعه المذاهب والاديان وحتى ذلك الصراع الذي كان له العراق
مسرحا في لحظة من الزمن .. لم يكن العراق فيه الا منطقة وسط ومسرح
يستضيف جولات الصراع وتصفية الحسابات لسوء ما له من حظ،
حينما تنازعت عليه دولتان قويتان وان كانتا تنتميان الى مذهبين
مختلفين الا ان طبيعة الصراع بينهما سياسي مكسبي بحت، لا صلة فيه الى
البعد الآيدلوجي المذهبي .. بل كان بين خلافتين اسلامويتين جارتين
بينمها نزاع سياسي بغيظ هما الصفويون والعثمانيون.
اما حينما تربع على العرش فتى العوجة كان يحكم بطريقة قبلية مقيتة عرف
الجميع انه لا يمثل موقفا دينيا معيّن بل يجسد ادوارا قبلية همجية
تتقدم الى الوراء حتى اصبح العراق آنذاك مستعمرة لآل المجيد باعتراف
بنت الرئيس السابق (رغده صدام)، فكان اعوجا بحق وحقيقة.
لكن ذلك الخطاب قد لا يتماشى اساسا مع هذه الموجة الموجهة جدا من الذبح
والتكفير والتوتر ، وكأنها نار تحت الرماد افاق الجميع على اشتعالها
بعد رياح السقوط ، لماذا؟ وكيف ؟ من المسؤول ؟ الى غير ذلك من علامات
الاستفهام والاستغراب والتعجب .. تعجب من طبيعة الانتشار السريع
والمنظم الذي يخطوه الفكر السلفي الرجعي في العراق .. وما يرتكبه
ويفعله بحق العراقيين .. الا ان وقفة ليست عاجلة مع طبيعة العقل الذي
يحرك الاجهزة الامنية في زمن الحكومة السابقة تتيح للمراقب وبقوة تصورا
مفاده ان فكرة السلفية وفقه الذبح الذي شاع اخيرا هو ورقة امنية
تخريبية استورد بعض مشاهدها ايتام صدام عن طريق بعض المخبولين العرب
ذوي الادمغة المفخخة وبعضها الاخر نفذها الصداميون انفسهم تحت لافتة
الشعارات السوداء، مشفوعة بماركة (لا اله الا الله، محمد رسول الله)
انها الحرباء لاجهزة دموية من بقايا الحقبة الحمراء، تلوّن نفسها مع
الموجه كي تمارس هواية الذبح، ومن يريد الوقوف على صفحات البعث السوداء
فهاتيكم الرايات السود تمنحه بعض المشاهد وبالمجان.. فاينكم يا هواة
الحقيقة ؟! ويا سادة المنطق .. لا جيش لمحمد ولا كتائب للرسول بل ليس
ثمة جهاد ولا مجاهدين ، لا توحيد ولا جهاد ..
انها رهان لمن عبثوا في السابق ولا زالوا يعبثون حتى اللحظة في ارواح
الابرياء تحت جلباب الاسلام والجهاد، وهذه نيران التخريب وضف فيها
البعثيون جميع الاساليب لبعثرة الاوراق، حتى اقنعوا الاصوات التي تطالب
بالعفو عنهم واحتوائهم من جديد ان تطردهم شرّ طرده ولا تدع لهم ديارا
لانهم حينما دخلوا مفاصل الدولة العراقية كانوا يستثمرون ذلك النفوذ
لصالح الارهاب ويقابلون الاحسان بالاساءة وهذه قناعة تولدت اخيرا حتى
عند حكومة علاوي خلافا لما كانت ترفعه من شعار لاحتواء البعثيين
واسترجاعهم.
فالى جميع من يتغنى بالدفاع عن تلك المشاهد ان لا يكون خطابه ودفاعه
ابديا وان لا يكون تغريده خارج السرب هو نهاية المطاف بل عليه المراجعة
من جديد لان اياما قادمة ليست طوال قد تكون بكل تاكيد من يساهم في كشف
غطاء حتى لمن ختم على قلوبهم وغشيت منهم الابصار.
كاتب عراقي
mosawi_gamal@hotmail.com
|