على الرغم من أن ظاهرة الإرهاب ترافق حياة الإنسان منذ نشأته الأولى
(قابيل وهابيل) فإنها لم تتبلور كعامل من العوامل المؤثرة في صناعة
القرار السياسي إلا في عام (1793) عندما وظفها بعض فلاسفة الثورة
الفرنسية أمثال روبيسبيروسان جيست وكوثون وغيرهم على نطاق واسع. فقد
عرفت الفترة من مارس (1793) حتى يوليو (1794) بعهد الإرهاب أو عهد
الرهبة، وتم خلالها قطع رؤوس (40) ألف شخص بالمقصلة واعتقل (300) ألف
شخص آخر، يومها كان عدد سكان فرنسا لا يزيد على 27 مليون نسمة.
منذ ذلك الوقت لم تغب هذه الظاهرة عن أي فترة من فترات المسيرة
التاريخية المعاصرة للإنسان، ورغم أن ممارستها تكاد تصبح تقليداً من
تقاليد العمل السياسي، إلا أن ربط الإرهاب بالجريمة كان ولا يزال موضع
جدال فقهي وقانوني وسياسي داخل الأمم المتحدة وخارجها على حد سواء.
الجريمة، الإرهاب، الكفاح المسلح، الثورة، تلك عناوين تبدو مترابطة
ومتداخلة رغم تمايز كل منها في معناه وفي استراتيجيته، وفي عقيدته، وفي
هدفه، إلا أن محورها جميعاً أو القاسم المشترك بينها هو العنف، فالعنف
يكون جريمة عندما يتعمد إلحاق الأذى بالضحية بصورة مباشرة، أي عندما
تكون الضحية هي الهدف أولاً وأخيراً.
أما الإرهاب فيستخدم العنف أداة ليس لإلحاق الأذى في ممارسة ضغط
معنوي على جهة أخرى أو على شخص آخر. إنه تكتيك تلجأ إليه عادة جماعة
ضعيفة. ضد جماعة معادية لها تتمتع بقوة أكبر. وذلك من أجل تحقيق هدف
سياسي تعجز عن تحقيقه بوسائل أخرى، من هنا لا تطلق عادة صفة المجرم
بالمطلق على الإرهابي، فالمجرم يتعمد قتل أو إلحاق الضرر بضحية محددة
إما انتقاماً، أو لأي سبب شخصي آخر، أما الإرهابي فإنه غالباً ما يجهل
ضحيته، وغالباً ما يعرف أن ضحيته بريئة، إلا أنه غالباً ما يؤمن بأن
الإساءة إلى هذه الضحية البريئة هي الطريق الوحيد لتوصيل رسالة إلى طرف
ثالث.
المجرم يرتكب جريمته لحسابه الخاص. أما الإرهابي فيعتبر نفسه جندياً
مكلفاً بمهمة شريفة، لا تلحق إدانته بها أي عار أو تجريح، بل على العكس
فهو يعتبر أداءها عملاً بطولياً يؤهله لاحتلال موقع مرموق، أو ذكرى
خالدة في مجتمعه. وكما يُنقل منذ مطلع الستينات فقط بدأت دراسة ظاهرة
الإرهاب مادة مستقلة في موضوع العنف السياسي. وقد تطلب ذلك التمييز ليس
فقط بين الجريمة والعنف، أو بين العنف والإرهاب، إنما بين الإرهاب
والكفاح المسلح والثورة، فالعمل الثوري قد يكون إرهاباً وقد يكون عنفاً،
وقد يكون الاثنين معاً، وقد لا يكون شيئاً من ذلك. هو لا يكون عنفاً
عندما لا يهدف إلى إيذاء ضحاياه المباشرين، وهو لا يكون عنفاً عندما لا
يهدف إلى الضغط على ضحاياه غير المباشرين، إنه أداة تغيير تستخدم العنف
والإرهاب معاً، إن طبيعة العلاقة بين الضحية والطرف الثالث هي التي
تحدد صفة العمل العنفي إرهابياً، أو جريمة، من أجل ذلك يطرح الإرهاب
والعنف السياسي قضايا سياسية معقدة وقضايا أخلاقية أشد تعقيداً، ولا
يمكن معالجة هذه القضايا إلا من خلال تركيب معادلة سياسية اجتماعية
سيكولوجية أمنية متكاملة، ذلك أن توقع الإرهاب والوقاية منه، ورد الفعل
عليه عملية متداخلة ومتكاملة بإحكام فالتعرف على دوافع العمل الإرهابي،
والانفتاح عليها ومعالجتها هي أقل كلفة من كبتها وتجاهلها حتى تصل
لدرجة الانفجار، والتعرف على سيكولوجية الإرهاب عن قرب يوفر فرصاً أفضل
للتنبؤ باحتمال وقوعه، ويوفر من ثم الإمكانات لسحب فتيل انفجاره، أو
على الأقل لاتخاذ الاستعدادات لملاقاته ولابتداع الوسائل المناسبة
لاحتواء ردّات فعله.
فالأفضل في الدول الإسلامية التي تعاني من الإرهاب بعد اتخاذ
التدابير اللازمة انتهاج الطريق السلمي إن قُبل إلى أبعد الحدود، لأنه
بصرف النظر عن أسباب وأهداف بعض العمليات الإرهابية، فإن الإعلام
الغربي لا يقول مثلاً عن أعمال الجيش الأحمر بأنها إرهابي ياباني أو
بوذي، ولا يقول عن أعمال (منظمة العمل المباشر) بأنها إرهاب فرنسي، أو
كاثوليكي، ولا يقول عن أعمال بادرماينهوف بأنها إرهاب ألماني أو
برتستانتي.. ولكن هذا الإعلام نفسه يتصيد أي حادث أمني ليتحدث بتطويل
وتركيز عما يسميه الإرهاب العربي أو الإرهاب الإسلامي قاصداً من وراء
ذلك ليس إدانة الإرهاب كإرهاب، إنما تشويه الإسلام كدين.
وفي العراق خصوصاً في مرحلة قرب موعد الانتخابات الرئاسية المعقد
عليها آمال الشعب العراقي لا ينبغي تشجيع العنف وأعمال القتل والذبح
بأي اسم كان بل يجب التاصر والتآزر كما هو عليه الشعب العراقي الواعي
وعدم ترك المجال للمغرضين في نسف أو تأجيل الانتخابات. |