على هامش الافتتاحيات عناوين ملفتة كالمرايا الخادعة وحقيقة صارخة
أن أشد المرايا خداعاً هي المرآة التي يرى الإنسان فيها ذاته، فهو
يشارك في صنعها، ويجبرها على أن تظهر له ما يريد أن يراه، حتى لو كان
قناعاً يرتديه ويرتضيه، كما في طبيعة المرآة التي يرى المسلمون والغرب
فيها أنفسهم، تراها تظهر لهم ما كانوا عليه يوماً ما، أي تقتصر على كشف
التاريخ الذي يريدون أن يروه فقط؟ تراها تظهر لهم المثل العليا التي
يعرفون أنهم قطعوا الصلة بها من زمن بعيد؟
أما في أوروبا فبعد دوي صوت الباب (أوربان الثاني) في القرن الحادي
عشر الميلادي في أرجاء الممالك والدويلات المتناحرة آنذاك وفي أسماع
الأمراء والملوك المتصارعين المتقاتلين على الأراضي والمياه والثروات،
بأن (هبّوا وتجمعوا واتحدوا، انفضوا عن كواهلكم غبار الحروب التي توشك
أن تفني شعوبكم واجتمعوا لتوجهوا قوتكم نحو "الأمم الوسخة" التي تمتلك
الثروات الوفيرة والأراضي الخصبة الشاسعة، فأنتم أولى بهذه النعم،
وأجدر أن تصونوا دماء شعوبكم، انهبوا واحصلوا على خيرات الأمم الوسخة
برعاية الرب) وبعدها سرعان ما تحولت صيحته إلى دستور ومنهاج عمل لتلك
الممالك والدويلات الأوروبية المتناحرة، فنشأت الحملات الصليبية التي
لم تتوقف حتى الآن، والتي اتخذت دائماً من حماية المقدسات المسيحية
والرعايا المسيحيين تكأةً لنهب ثروات البلاد الغنية الدافئة جنوب وشرق
المتوسط. ومع هذه الصيحة العدوانية أيضاً ولدت (الهوية الأوروبية) لا
ككيان مكتمل في ذاته ونتاج لعوامل تطور داخلية، بل ككيان مشروط
بالعدوان على الآخر واستغلاله واحتلاله ونهب ثرواته، بالإضافة إلى
ترحيل الأزمات التي يمكن أن تعصف بهذا الكيان إلى الأراضي المحتلة
المستغلة، ولقد صارت هذه السمات أو الشروط المشكلة للهوية الغربية من
الوضوح بحيث تتبدى مع تواتر الحقب والعصور ومع اختلاف الممارسات
العدوانية التي تمارسها الغرب، تجاه العالم، حتى تحفظ لنفسها بالسلام
والرفاه الداخليين. إن الغرب الحديث هو صانع الحضارة المهيمنة على
العالم منذ قرنين على الأقل، وهو القوة الأكبر في عالم اليوم ومنه
انطلقت معظم الكشوف العلمية في العصر الحديث ومركز الاقتصاد العالمي
وأكبر منتج للتكنولوجيا، ولكن هذا الغرب لا يجسد أفضل العوالم الممكنة
فالمعايير الغربية على الصعيد المدني والأخلاقي والإنساني تفتقد للقيمة،
بالإضافة إلى أنها تصادر على نمو وسيادة أية معايير بديلة قد تصدر عن
الأمم العريقة صاحبة الحضارات السابقة، بل إن فكرة (البدء من جديد) أو
(نسيان الماضي) هو هاجس الأمريكيين الدائم، فلديهم نفور من كل ما هو
عريق قديم، وشك في إمكانية أن يضيف شيئاً إلى عالم يهيمنون هم عليه.
والآن في العراق وعلى عتبة الانتخابات الرئاسية ودخول البلاد مرحلة
جديدة بكل المقاييس ما يجب أن نعرفه هو أصالة الشعب العراقي وصاحبة
أعرق الحضارات في الشرق مما لا يحتاج إلى تدخل الأجنبي في إدارة بلاده
بعد الانتخابات والإملاء عليهم بما يريدون.
فالشعب العراقي لديهم من العقول المفكرة والرؤوس المدبرة ما يكفي
لإدارة الدولة بأحسن تدبير وأرقى سياسة تضمن لجميع الفئات الحرية
التامة و الحقوق الواجبة.
فبعيد على هذا الشعب أن تمرر الخطط المدبرة والأفكار المدمرة على
مرايا خادعة لاستطاعة كشفها من قبلهم وتحديد خطورتها، إذن آن الأوان
لتقود العراق حكومة وطنية ديمقراطية حديثة. |