رأت منظمات غير حكومية ان التخفيض الكبير للدين العراقي الذي اتفقت
عليه دول نادي باريس يهدف تحديدا الى حماية مصالح الدول الغنية في هذه
المنطقة الاستراتيجية.
ولم يرض الاتفاق حول الدين العراقي المنظمات غير الحكومية التي
تطالب بالغاء ديون العالم الثالث منددة باساليب نادي باريس واعتبرت في
الوقت نفسه ان هذا الدين الهائل "مشين" وناتج عن ممارسات دكتاتور
وينبغي بالتالي الا يتحمله شعبه.
ويقدر الدين الخارجي العراقي ما بين 120 و125 مليار دولار بينها
38,9 مليارا متوجبة لدول نادي باريس الهيئة غير الرسمية التي تجمع 19
من الدول الصناعية الدائنة الرئيسية. وقد اتاح الاتفاق الذي توصلت اليه
هذه الدول الاحد خفض حصة الديون المتوجبة لها الى 7,8 مليارات عام
2008.
كما دعيت الجهات الدائنة الاخرى للعراق وهي بعض دول الخليج وعدد من
الدول الشيوعية السابقة وشركات ومصارف خاصة للقيام بمبادرة مماثلة حيال
بغداد.
وحمل تجمع "الدين والتنمية" (ديت ايه ديفولوبمان) الذي يضم عددا
كبيرا من الجمعيات "بانتهازية وخبث الدائنين الذين يأتون بحلول تناسب
مصالحهم للدين العراقي لكنهم لا يبدون اي رحمة حين يتعلق الامر بدول
فقيرة لا تمثل اي رهان استراتيجي".
ورأى التجمع في بيان ان الولايات المتحدة "تسعى قبل اي شيء الى فتح
الاسواق المرتبطة باعادة اعمار البلاد امام شركاتها واستغلال
الاحتياطات النفطية العراقية الهائلة ومن غير الوارد بنظرها ان يلقي
الدين الذي تركه صدام حسين بعبئه على الموازنة العراقية ويرهن العائدات
النفطية المقبلة" لهذه الدولة الغنية بالمحروقات.
كذلك رأى داميان مييه رئيس لجنة الغاء ديون العالم الثالث ان مسالة
الديون العراقية تطرح مشكلة عدالة.
وقال ان المبلغ الذي سيشطبه نادي باريس للعراق وحده يوازي تقريبا "كل
عمليات الغاء الديون التي جرت بالنسبة للدول الاربعين الاكثر فقرا"
الاعضاء في مبادرة "الدول الفقيرة الكثيرة الديون" التي طبقها صندوق
النقد الدولي موضحا لوكالة فرانس برس ان هذه الدول لم تحصل على الغاء
ديونها الا حين باتت عاجزة تماما عن تسديدها.
وقد طرحت الحكومة الفرنسية الحجة ذاتها خلال المفاوضات حول الديون
العراقية.
واعتبر مييه من جهة اخرى ان الدين العراقي الذي راكمه صدام حسين "مشين"
وينبغي بالتالي اعتباره "باطلا وملغى" وهو يندرج بنظره في اطار العقيدة
القانونية التي وضعها الكسندر ناهوم ساك الوزير السابق في عهد القيصر
نيكولاس الثاني واستاذ الحقوق في باريس.
وبحسب هذه النظرية فان دينا يقترضه نظام استبدادي لتوطيد موقعه على
حساب شعبه هو "دين مترتب على النظام دين شخصي متوجب على النظام الذي
تدينه وبالتالي فانه يسقط بسقوط هذا النظام".
وذكر بان هذا المفهوم طبق منذ العام 1898 لتسوية الدين الكوبي وعام
1922 لمصلحة كوستاريكا. غير ان الدول الدائنة عمدت بعد ذلك على حد قوله
الى "اغلاق (هذا النظام) بشكل مطبق" لمنع تكرار مثل هذه الاوضاع. وازاء
ذلك فان عمل المنظمات غير الحكومية يكمن في "تسليط الضوء على مفاهيم
القانون الدولي هذه التي وضعت غير انها طمرت بشكل عميق".
وفي المقابل يرى نادي باريس ان مفهوم الدين الشائن "موجود في الادب
لكنه ليس هناك معايير قانونية دولية بهذا الصدد. والجهات الدائنة
اعتمدت مبدأ استمرارية الدول" معتبرا ان نظرية الديون المرتبطة بالنظام
تثير الكثير من المخاوف وتحول دون قيام علاقات ثقة. |