ربما يظن البعض أن سياسة الانفتاح التي تنتهجها الدول بعضها على بعض
هي مسألة حضارية يتم فيها تبادل المصالح بين المجتمعات وليس هناك شيء
يخطر الكيان الروحي أو النمط المادي لأي مجتمع يطاله الانفتاح وهذا غير
صحيح.
وتشير تجارب ظهور سياسة الانفتاح إلى أنها كانت موضوعاً قد طرح لأول
مرة بعد الانتصار على الهتلرية الألمانية والفاشية الإيطالية بأواسط
أربعينات القرن العشرين المنصرم واحتدم الجدل لدى الجانب السوفيتي (السابق)
بعد موت (جوزيف ستالين) في أهمية تبني سياسة الانفتاح مع الغرب حيث كان
السوفيت قد دعوا لذلك لأسباب معروفة تتعلق باختصار الطريق دون الانتباه
لحالة الاختراق للدولة السوفيتية السابقة عبر اختراقها وعلى أكثر من
جانب وقد تم ذلك حتى سقطت دولة السوفيت عبر تقويضها من الداخل على عهد
(ميخائيل غورباتشوف) الرجل الذي كان يعمل لصالح الغرب بصورة خفية.
واختصاراً لمسافة الجدل الذي كان مثاراً حول أهمية ولا أهمية إتباع
سياسة الانفتاح وبالذات لدى مفكرين ومثقفين في بلدان النماء بين مؤيد
ومستنكر إذ أن التحسب من وقوع خلل يفقد حالة ما كان يعتقده بعض
السياسيين وجود حالة من التوازن الدولي الممكن الحفاظ عليها كـ(حد أدنى)
ربما يقود إلى تفاهم دولي أمراً معتقداً لتصور سائد لدى قيادات محايدة
وبالذات لدى ما سمي آنذاك بصف (الحياد الإيجابي) الذي كان يضم دول
عديدة أو على الأقل هكذا كان التحليل السياسي لتلك المرحلة.
ولأن الانفتاح السياسي لأي دولة على العالم كان أحد شروط توفر
الحكمة السياسية في نظر البعض من قادة العالم ومن ضمنهم قادة (دول عدم
الانحياز) فإن اتفاق وجهات النظر من حيث المحصلة كانت متجهة لترك
النزاع بين الكتلتين الشرقية التي يقودها الاتحاد السوفيتي علناً
والكتلة الغربية التي تقودها بريطانيا سراً على اعتباره نزاع لا حول
لقوة من تغييره سوى التسليم لما يفرزه ذوي البين من الكتلتين لذلك فإن
العالم ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية سنة 1945م بدأ يشهد
تطويراً حثيثاً في العلاقات الدولية الذي كان أساسه الانفتاح الواقع أو
الانفتاح المطالب به من قبل كيانات دول عديدة بعد أن أعتقدوا أنه سيقود
إلى تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية إضافة لمجالات أخرى كالتقدم
ثقافياً وصحياً وحضارياً.
ولأن الانفتاح من قبل أي دولة على أخرى سيمكن منه استكمال أفضل (كما
يفترض) لإصلاح سياسي واقتصادي إلى أخره إلا أن التعجيل في تحقيق مثل
هذا التوجه مازال يصطدم بوقائع عكسية أو متباطئة ويلمس ذلك من نتائج
العلاقات الدولية الثنائية التي تعاني من مد وجزر بين العديد من
البلدان التي انتهجت سياسة الانفتاح مع غيرها.
ويبقى المهم وربما الأهم من سياسة الانفتاح الدولي أن يكون
الاستعداد أو التقبل تطبيق مرحلة الانفتاح ورقابة ما يحيط بها وما
تفرزه تلك المرحلة وأول ذلك ضرورة الخوف على السيادة للبلدان من أن
تتعرض إلى عملية تبويش من قبل الأطراف القوية لدى الدولة ذات الامكانات
الأكثر على حساب الدول الأقل إمكانية فـ(الحفاظ) على سيادة البلدان هي
التي ينبغي أن تبقى الأهم جراء أي انفتاح يحدث. |